إسلاموفوبيا/ نقدوفوبيا
"أنت متعصب، فلم لا تسكن في السعودية أو إيران؟ ولم غادرت دولتك الإسلامية أصلاً؟ أنتم تتركون دولاً تقولون إن الله باركها بنعمة الإسلام، وتهاجرون إلى دولٍ تقولون إن الله أخزاها بالكفر، من أجل الحرية، العدل، الترف، الضمان الصحي، الحماية الاجتماعية، المساواة أمام القانون، فرص العمل العادلة، مستقبل أطفالكم، حرية التعبير... إذن، لا تتحدثوا معنا بتعصب وكره، فقد أعطيناكم ما تفتقدونه. احترمونا أو غادروا".
هذا الخطاب الذي انتشر، أخيراً، على الشبكة العنكبوتية، بعد وقوع عملية اختطاف أشخاص في مقهى شعبي في سيدني، الأسبوع الماضي، من أحد الجهاديين من أصل إيراني، هو تصريح كانت قد أدلت به جوليا جيلارد، رئيسة وزراء أستراليا، عام 2013، مخاطبة أحد المتشدّدين الإسلاميين.
واليوم، لا بد أن يربك هكذا خطاب كثيرين منا، في حين أنه سيلقى من بعضهم ردوداً لا تخلو من ذرائع وبراهين، تدحض ما تقدم، ومنها أن كل قيل في رغد العيش في المجتمعات الغربية، إنما هو حكر على مواطني تلك الدول التي استعمرت واستغلّت - ولا تني تستغلّ - مواردَ وثروات أوطان أولئك المهاجرين الذين يعانون في المهجر، من التهميش والعنصرية والنظرة الفوقية.
ورب قائل، عن حق، إن الغرب، لا بل ربما العالم بأسره، بات يعاني، اليوم، من رُهاب الإسلام، وإن كلمة "إسلاموفوبيا" أصبحت عبارة عالمية شائعة جداً في كل اللغات، تحكي، ببلاغةٍ، إنه لا يُرى في العرب والمسلمين إلا إرهابيين وجهاديين، وفي ذلك تعسف وظلم وكره للآخر ونزعة متعاظمة إلى تحويله إلى كبش فداء أو إلى شيطان.
والحال أن مشاعر الخوف، أو الكره التي تنتاب المواطن العادي في تلك البلدان، لم تعد مشاعر مستترة، بعد أن خرجت إلى العلن، على ألسنة كتّاب وصحافيين ومفكرين، أضفوا عليها شرعيةً، بحيث لم يعد محظوراً أو مربكاً أو صادماً التصريح بها، لا بل وإرفاقها بمقترحات لحل مشكلة وجود جماعات مسلمة، تعد بالملايين في بعض المجتمعات الغربية. فالكاتب الفرنسي والصحافي السياسي، إريك زيمور، مثلاً، أدلى لصحيفة كورييري ديللا سيرّا الإيطالية، بتصريح يقيم الدنيا في فرنسا حالياً ويقعدها، حتى إن بيان استنكار صدر عن العاملين في الإذاعة، حيث يعمل، يتنصل من آرائه ويندد بها، مضيفاً أنها منافية كلياً لآراء إذاعة RTL ومواقفها. ومن بين ما قاله زيمور للصحيفة الإيطالية، ومن ثم تعليقاً على ما أثير لاحقاً من سجال: "للمسلمين قانونهم المدني الخاص، وهو القرآن. إنهم يعيشون في ما بينهم، في الضواحي، وقد اضطر الفرنسيون إلى مغادرتها"... "هذا الوضع، أي وجود شعب في قلب شعب آخر، المسلمون في الشعب الفرنسي، سيقودنا إلى الفوضى والحرب الأهلية"... "أنا أخشى لبننة فرنسا". والحل؟ الحل برأيه ترحيل خمسة ملايين فرنسي مسلم، "وضعهم بالملايين في الطائرات والبواخر، وطردهم"...
وزيمور هذا ليس حالة استثنائية، إذ سيفاجئنا، مع مطلع العام الجديد، الكاتب الفرنسي الأشهر والأكثر ترجمة عالميا، ميشال هويلباك، والمعروف بمواقفه العنصرية والاستفزازية، بصدور روايته الجديدة "خضوع" أو "استسلام"، والتي تدور أحداثها عام 2022، إثر فوز مسلم في انتخابات رئاسة الجمهورية، في مواجهة زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبين، وفرضه إجراءين أساسيين، هما تعدد الزوجات وأسلمة البرامج التربوية.
إسلاموفوبيا شرسة طبعاً. وهي مرشحة لأن تتعاظم وتزداد. لكن خطورتها الكبرى هي في إنتاجها لدينا نحن، عربا ومسلمين، "نقدوفوبيا" توازيها شراسة وتغرقنا كلية في رهاب النقد الذاتي الذي ينفي عن نفسه أي تورّط، أية مسؤولية.
وفي محاولة للتمعّن في عبارة "النقدوفوبيا" المستنبطة هذه، أحيلكم إلى خطاب الوزيرة الأسترالية أعلاه، داعية إياكم لأن تضعوا أنفسكم مكانها، ومكان مواطنيها، ولو للحظات.
دقيقة تأمّل.