لقد فاجأت اليونان أوروبا أمس، ووقعت على مذكرة انتحارها بالتصويت الرافض لشروط الإنقاذ، هكذا وصف المحلل مجتبى رحمن في مؤسسة "يورو إيشيا غروب للمخاطر" نتيجة الاستفتاء. لقد قلب اليونانيون أمس الطاولة على زعماء منطقة اليورو، وصوتوا بنسبة 61% على رفض برنامج الإنقاذ الأوروبي الذي يشترط خفض الإنفاق الحكومي ورفع الضرائب. والآن، وبعد هذا الرفض المدوي للشروط الأوروبية، فإن الفرنسيين فقط يبدون الرغبة في إعادة التفاوض مع حكومة رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس، ولكن هل سينجحون في إقناع بقية الأعضاء في منطقة اليورو؟
لقد كسب رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس المعركة ضد خصومه السياسيين في اليونان وأوروبا، وربما يكون قد أحدث أول شرخ في مشروع الوحدة الأوروبية، ولكن السؤال المطروح الآن، هل كسبت اليونان المعركة؟ وإلى أين تبحر سفينة الإنقاذ اليونانية بعد أن رفضت الرسو في الشواطئ الأوروبية؟ هل تبحر إلى شواطئ روسيا والصين؟
يقول خبراء في هذا الصدد إن الرئيس فلاديمير بوتين يفتح ذراعيه لاستقبال اليساراليوناني المتمرد على أوروبا الرأسمالية، وإن هناك خطاً ساخناً بين موسكو وبكين للتشاور مع تسيبراس بشأن الخطوة القادمة. فاليونان ربما تكون نقطة المواجهة المقبلة بين بوتين وخصومه في واشنطن وبروكسل.
على الصعيد الأوروبي، وفيما تلعق أوروبا جراحها بعد هذه الهزيمة، تتجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اليوم الإثنين، إلى باريس لعقد قمة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند للتشاور حول الخطوة القادمة، كما يعقد مجلس أمناء البنك المركزي الأوروبي اجتماعاً طارئاً ظهر اليوم للنظر في مستقبل تعامله مع اليونان.
ويبدو أن فرنسا الوحيدة التي تركت الباب مفتوحاً أمام اليونان للبدء في مفاوضات جديدة للإنقاذ من الإفلاس، فقد أجمع معظم أعضاء دول منطقة اليورو في تصريحاتهم وبعبارات واضحة" أن تصويت اليونانيين بـ "لا" يعني أنهم اختاروا الخروج من منطقة اليورو".
في هذا الصدد قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس للإذاعة الألمانية "إنه سيتعين على اليونانيين طرح عملة أخرى إذا صوتوا بالرفض في استفتاء يوم الأحد على صفقة لتقديم المساعدات في مقابل تطبيق إصلاحات".
وذكر شولتس، في المقابلة التي جرى تسجيلها يوم الخميس، وأذيعت الأحد، أنه إذا صوت اليونانيون بالرفض "فسيكون عليهم طرح عملة أخرى بعد الاستفتاء؛ لأن اليورو لن يكون متاحاً كوسيلة للسداد". وأضاف قائلاً "في اللحظة التي يطرح فيها أحد عملة جديدة يخرج من منطقة اليورو".
وبهذا الفوز الساحق لبرنامج اليسار اليوناني الرافض لخطة التقشف الأوروبية، يرمي تسيبراس بالكرة في ملعب بروكسل والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد، وينظر ماذا ستفعل أوروبا، وعما إذا كانت ستتراجع عن تصريحاتها وتعود إلى طاولة التفاوض أو ستستمر في خطط طرد اليونان من منطقة اليورو؟ إنهما خياران، أحلاهما مر.
وحتى الآن لا توجد مؤشرات عن خطط أوروبا في التعامل مع اليونان، ولكن ربما تظهر أولى مؤشرات الرد الأوروبي على التصويت اليوناني في أعقاب قمة ميركل - أولاند التي ستعقد اليوم في باريس، والقرار الذي سيتخذه المركزي الأوروبي بشأن "التسهيلات النقدية الطارئة" التي يمنحها للبنوك اليونانية في اجتماعه بفرانكفورت ظهر اليوم. وفي حال إعلان المركزي الأوروبي إيقاف "التسهيلات النقدية الطارئة" لليونان، فستكون أوروبا قد شرعت عملياً في إعلان اليونان دولة مفلسة، وبالتالي تبدأ إجراءات طردها من منطقة اليورو.
ولكن وسط هذه السيناريوهات المتشائمة، هنالك بصيص من الأمل، وهو أن تزن أوروبا مخاطر الكلفة السياسية لخروج اليونان من اليورو، واحتمالات استغلالها من قبل المعسكر الروسي ـ الصيني المناوئ لسياسات بروكسل وواشنطن، وتعود مجدداً للتفاوض مع الحكومة اليونانية.
وهنالك مخاوف متزايدة من أن خروج أثينا ربما يجعل منها "حصان طروادة" داخل أوروبا. وهذا الاحتمال تدعمه الضغوط التي تمارسها واشنطن على أوروبا ودعواتها المتكررة للتساهل مع اليونان، واستمالته للبقاء داخل أوروبا رغم نتيجة التصويت.
اقرأ أيضاً: ترجيح فوز رافضي خطة الدائنين في استفتاء اليونان