وتوحي تصريحات نتنياهو، تحديداً فيما قاله عن "الاتصالات المستمرة والمتواصلة مع جميع جيراننا"، خصوصاً الأردن ومصر، أن حكومته تسعى إلى المحافظة على التواصل المباشر مع الأطراف العربية المؤثرة على موقف السلطة الفلسطينية، مع إغفال ذكر التنسيق الأمني المتواصل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وهو ما يعترف به محللون في الصحف الإسرائيلية، وعدد من جنرالات جيش الاحتلال الحاليين والسابقين، أمثال الجنرال احتياط إيتان دانغوت. ويقول دانغوت في مقابلة مع موقع "والا"، إن "هناك مساعي حثيثة، إسرائيلية وفلسطينية وعربية (الأردن ومصر وأطراف أخرى لم يسمها نتنياهو)، لتطويق حالة الغليان في الضفة الغربية المحتلة والقدس المحتلة".
وتبدي الحكومة الإسرائيلية، ربما بفعل قلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، من الانهيار المطلق لمنظومة التنسيق والتعاون الأمني مع الأجهزة الفلسطينية، نوعاً من "الانضباط" على مستوى التصريحات، خوفاً من تفاقم أعمال المقاومة الفلسطينية، التي يرى فيها الكثير من المعلقين، أنها "ليست مجرد أعمال فردية، بل قد تكون منظمة، اعتماداً على كون الخلية التي نفذت عملية بيت فوريك الأسبوع الماضي، تابعة لحركة حماس، ويقودها أسير أمني محرر".
ويبرز في هذا السياق، التوبيخ الذي وجّهه وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، لوزراء في الحكومة، انتقدوا سياسة نتنياهو، واتهموه بـ"بتقييد أيادي الجيش، واستخدام نفس الأدوات القديمة، وحتى التهديد بتنفيذ اجتياح بري شامل، على غرار عملية السور الواقي عام 2002". ويفيد يعالون في هذا السياق، بأن "الظروف على أرض الواقع تختلف كلياً عما ساد في عام 2002".
لكن إصرار الجانب الإسرائيلي، في المستوى السياسي، على الأقلّ، على التهرّب من استخدام تعبير "انتفاضة ثالثة"، يعكس أيضاً خطوات تهيئة الرأي العام المحلي، للخطوات الانتقامية التي يعتزم الاحتلال تنفيذها، وحصرها، باعتبارها رداً أمنياً على حالة "غياب الأمن"، وليس مواجهة لانتفاضة شعبية واسعة النطاق. ويعمل الاحتلال على ذلك بعد انتقال توتّر الأوضاع من القدس المحتلة، خلال اليومين الماضيين، إلى مختلف أنحاء الضفة الغربية، بشكل يفوق حتى ما حدث في العام الماضي، بعد جريمة قتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، حسبما يخلص إليه آفي سيسخاروف وعمير رابابورت، في موقع "والا". ويبدو ظاهرياً أن التشديد على "موجة إرهاب" وعلى مسؤولية "الحركة الإسلامية" في الداخل الفلسطيني، يهدف إلى التخفيف من حدة التوتر بين القيادة السياسية الإسرائيلية وقيادة السلطة الفلسطينية.
ويحاول نتنياهو، عبر إغفال إشارته إلى مسؤولية رئيس السلطة، خلافاً لرده الأوّلي، يوم السبت، التمهيد لفتح قنوات اتصال سياسية، وليس فقط أمنية مع رام الله، لحثّها أكثر على اتباع قبضة أشد في منع التظاهرات والمواجهات. وذلك اعتماداً على الأوامر التي أصدرها عباس لقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مسمى "عدم الانزلاق والانجرار وراء العنف".
اقرأ أيضاً: اتصالات إسرائيلية مع الأردن ومصر لتطويق الغليان الفلسطيني
ميدانياً، سيواصل الاحتلال، حسب ما أعلن نتنياهو، مواجهة الانتفاضة الفلسطينية بشدة، عبر مزيد من القمع وبالإبقاء على الفرق الأربع التي دفع بها الجيش الإسرائيلي منذ يوم الجمعة، إلى الضفة الغربية، والإبقاء على حصار القدس ومنع المقدسيين، ممن لا يسكنون داخل البلدة القديمة من دخولها.
ويتزامن ذلك مع إغلاق المحلات التجارية الفلسطينية في وادي الباب، قرب مفترق درب الآلام، وتقديم أصحابها للمحاكمة، وفقاً لنتنياهو نفسه، بحجة "عدم تقديم المساعدة لزوجة المستوطن الذي قُتل في عملية السبت". كما أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، خطة تقوم على "نصب كاميرات على كافة محاور الطرق، بما فيها كاميرات جوية، وإقامة مراكز تدخل سريع على محاور الطرق في الضفة الغربية المحتلة"، مما ينذر باستمرار حالة الخنق للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتقييد حريتهم في الحركة والتنقل بين مختلف أنحائها.
لكن هذه الخطوات لا تلقى قبولاً أو تصديقاً عند المحللين العسكريين، لعدم قدرتها على توفير الحل المطلوب. ويعتبر الكاتب في "هآرتس" عاموس هرئيل، أن "نتنياهو يعود مجدداً لاستخدام نفس الطرق القديمة". ويلفت إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، أخطأ في قراءة صورة اليمين الإسرائيلي في عام 2015، وانتقال هذا اليمين، بعد اطمئنانه إلى بقاء المستوطنات، إلى التركيز على القدس والمسجد الأقصى، بدلاً من الاتجاه الذي ساد في سنوات سابقة، وتمثل في تركيزهم على الاحتفاظ بالضفة الغربية المحتلة وزرعها بالمستوطنات".
ووفقاً لهرئيل، فإن "المكان الوحيد الذي يرى فيه اليمين الإسرائيلي الجديد، رضوخاً إسرائيلياً للعرب، هو الحرم القدسي الشريف، ويعتبر هذا اليمين، بمن فيه قادته ورموزه التي سطع نجمها في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتهم ميريت ريجيف، وأورن حزان وشخصيات أخرى، أن منطق: الوضع القائم، الذي يدافع عنه نتنياهو اليوم، يمثل، ويعكس، الاستسلام المسبق للطرف العربي".
ومع أن بعض المحللين يرون، أن "الأحداث لم تصل بعد إلى "نقطة اللاعودة، في ضوء أوامر عباس، وعدم كسر السلطة الفلسطينية لأدوات التنسيق الأمني"، إلا أنهم يجمعون على أن "من شأن تفاقم الوضع، لا سيما على ضوء المواجهات التي وقعت في الجليل، خصوصاً في الناصرة، وسخنين، والطيبة، أن يفضي نهائياً إلى حالة انتفاضة ثالثة، لن يكون بالإمكان السيطرة عليها وتوجيه دفّتها أو احتواؤها بالطرق المعهودة".
اقرأ أيضاً: مهند وفادي وحذيفة.. شهداء فلسطين ضد الانبطاح