استنساخ عربي لممارسات إسرائيلية

02 نوفمبر 2014
تفجير المنازل مشهد يتكرر في مصر واليمن (علي حسن/الأناضول)
+ الخط -

من المشاهد المعتادة، بشكل دوري، لجوء جيش الاحتلال إلى تفجير منازل مقاومين فلسطينيين أو أسرهم؛ انتقاماً من أي فعل مقاوم يصدر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا غرابة في ذلك، لأن المعتدي هو محتل، وإجرامه في حق أبناء الأرض أمر متوقع. وفي الأساس، هو لا يستطيع فرض بقائه في الأراضي المحتلة إلا بإقصاء أهلها ومحاولة تدمير كل مقومات وجودهم، فينزع إلى تدمير منازلهم التي تؤويهم والتي في الأصل يكونون قد جمعوا مدخراتهم على مدى سنوات لتأمين عملية بنائها.

لكن هذا السلوك لم يعد حكراً على جيش الاحتلال. الصور القادمة من داخل البلدان العربية باتت تنقل صوراً مشابهة.

في غضون أيام قليلة، وجد عشرات آلاف المصريين من أبناء سيناء أنفسهم مشردين بلا مأوى؛ لأن الجيش المصري استخدم أسلوب العقاب الجماعي والانتقامي بحقهم. أراد تحميلهم مسؤولية الهجمات الإرهابية التي تستهدف الجنود المصريين في سيناء، على الرغم من أنهم في الأساس لا يعرفون شيئاً عنها وغير ضالعين فيها، بل هم أكثر من ينطبق عليهم وصف ضحاياها.

لم يكفِ الجيش المصري حرمانهم من أبسط مقومات الحياة طوال أشهر، وقطع الاتصالات يومياً عنهم، والخسائر التي تكبدوها في أعمالهم، بسبب حظر التجوال لساعات طويلة، بل قرر تهجيرهم. لم يمهلهم سوى ساعات معدودة، ووعود بتعويضات، مجبراً إياهم على مغادرة أرضهم التي لا يملكون غيرها، ليعمد بعدها إلى تفجير منازلهم وتسويتها بالأرض. ورسالته من وراء ذلك واضحة أنه لا مجال لديهم بعد اليوم للعودة إلى أرضهم، وأنّ عليهم البدء في حياة جديدة بعيداً عنها، بذريعة مكافحة الإرهاب. وهي الحجة التي باتت الأكثر رواجاً لتبرير كل فعل قمعي في المشهد المصري اليومي، بدءاً من الاعتقالات السياسية العشوائية، مروراً بالمحاكمات غير العادلة للناشطين، ووصولاً إلى قوانين خنق ما تبقى من حريات.

المشهد نفسه يتكرر في بلد عربي آخر، وتحديداً في اليمن. لا دور هنا للجيش اليمني. فالأخير بلا حول ولا قوة منذ سنوات عديدة. ومؤخراً جاءت جماعة "أنصار الله"، التي تحولت إلى القوة العسكرية الضاربة في اليمن منذ أشهر، لتضعفه أكثر. وللجماعة التي تمددت من صعدة إلى مختلف المحافظات اليمنية طوال الأسابيع الماضية سلوك يعيد نفسه في كل مساحة تقضمها من خصومها، وتحديداً القبليين أو حتى المحسوبين على تنظيم القاعدة وفرعه المحلي "أنصار الشريعة". الإعلان عن هزيمة هؤلاء في مواجهتها لا يكتمل، بالنسبة إليها، إلا بتفجير منازلهم وتسويتها بالأرض، ونشر صور ذلك على نطاق واسع بزهو. والتبريرات جاهزة ومتطابقة: "إنها أوكار للتكفيريين والدواعش".

عادةً تبدو المقارنات بين ممارسات الاحتلال وممارسات تجري بين أبناء الوطن الواحد وبحق بعضهم البعض، في غير محلها وغير منطقية، بل يمكن القول إنها تبعث على الألم.

في الأصل، لا يُتوقع أن سلوك الجماعات، سواء أكانت في السلطة أو خارجها، يمكن أن يتساوى مع سلوك مُحتَل لا يجيد سوى إقصاء أصحاب الأرض لضمان وجوده وأمنه. لكن تثبت مجريات الأحداث في البلدان العربية مؤخراً أن ذلك قد يحدث. والأخطر هو حالة التقبل لها داخل المجتمعات، بل وحتى خروج أصوات لا تخجل من الدفاع عما يجري  والتشفي.

في هذا المشهد، دلالة واضحة على مدى تآكل نسيج اجتماعي، كان يفترض أن تشكل الثورات العربية فرصةً للبدء في مسار تنقيته من ترسبات ما زرعته أنظمة ديكتاتورية، عملت على مدى سنوات حكمها، ضمن مبدأ "فرّق تسُد". لكن عوضاً عن ذلك، برزت ظاهرة عكسية وأكثر ضرراً، تقوقعت فئات واسعة إما داخل عصبيات الطائفة او الحزب أو حتى الجماعة، ضمن منطق أن بقاء طرف ما لا يتحقق إلا بشرط وحيد، وهو إلغاء الطرف الآخر، ليس معنوياً فقط، بل باقتلاعه من الوجود.

المساهمون