لا ترجمانَ للألم، لا حاجةَ لمفسرٍ يشرح مقطوعة موسيقية، كذلك ما من داعٍ للحديث عن الغَصة المخنوقة في الحنجرة وكذلك للصرخةِ المتعالية من عينِ المكلوم، ولا يمكن لأحدٍ أن يسهبَ عن البكاء على أنّه حاجة وتعبير صارخ عن الألم أو الحزن الذي يسببه فقد ما، ولا يمكنُ أيضاً أنْ يشارَ إلى الضحية بوصفها ضحية وكفى وإلى القاتل بوصفه مجرماً ومنكلاً بالضحية ومسبباً آلاماً كثيرة لآل الضحايا ومحبيهم أو المعنيين بهم مواطنَةً بحكم مشترك ما أو بحكمِ أمميةٍ إنسانيةٍ تتفق وفقها الشعوب وتختلف في شأنها الحكومات والسياسات حسبَ الأهواء، أهواء الحاكم إذا كان عربيا أو حسبَ الشركات العابرة للقارات والمصالح في حال الحاكم غير العربي، ذلكَ الذي يرى مصلحة رعاياه قبل مصلحته وإن التفتَ لحاله فإنَّ الأمر بمواربة وخوف شديدين خشية المساءلة، إذا عرفنا أن القانون هو الفيصل والعدالة تقتصُ من الرئيس والموظف الصغير/ الصغير جداً على حد سواء.
الصورُ التي تؤخذ في ذهول من حدثٍ ما، الدهشة تلك، تحملُ لغتها بجمل قصيرة رشيقة، تتكثّف الحال كما لو أنّها نتاج آلاف النباتات الطبية في (كبسولة)، ترىَ وجعاً دفيناً لامعاً، يشرقُ من خلف ابتسامة عصية، فلا تعود بحاجة لأنْ تسألَ عن القصة خلفَ ذلكَ الذهول والدمعة التي حفرت مجرى مائياً على الوجه المعفّر بالغبار، غبار الإسمنت أو ما تتركهُ آلات الحرب من سخام وصخب، إذاً الصور الناجية أيضاً، لغة معتَرف بها ولا تحتاج إلى مترجمين أو معربين لها، الصور كالموسيقى والبكاء والصرخة، لا تحمل جواز سفر، لكنها تجتاز الحدود فلا حرس يوقفها ولا سواتر ترابية وأسلاكاً شائكة تحول دون وصولها، كذلك لا رقابة وقد تعلقّتْ بالوجدان والأحاسيس الأولى للإنسان وميوله الخيّرة أولاً قبل أن تعلّقَ على الجدران.
إذا كانت ثمة خيانة في الترجمة، أي ترجمة، خاصة تلك التي تعنى بالشعر، ولماذا الشعر فلأن الشعرَ بتأويلاته الكثيرة وانفلاتاته يكون أقرب إلى الموسيقى العابرة للغات، وبذلك تصبح الترجمة الميكانيكية ضرباً من ضروب التعدي يصل حد السخرية، إذاً لا بأس فلتكن الصورة سفيرتنا، سفيرة آلامنا إلى الآخر الذي يفهم الصورة ولا يفهم لغتنا، ويفهم موسيقانا قبل نطقنا، طالما ابتلينا بالمواجع وصرنا نبحث عمن يصفق لنا ونحن نسرد قصصنا بكثير من المظلومية والموت، قصص مقدودة من أرواحنا وفيها تسلية للآخر حين ينظر إليها بوصفها روايات واقعية أقرب إلى التخيّل لفجائعيتها!.
يقول جوزيف كونراد، عن الكتابة هي: "أن تجعلنا، من خلال قوة الكلمة المكتوبة، نسمع وتجعلنا نشعر وتجعلنا قبل كل هذا نرى"، هي الفعل الذي ينقل لكَ صوت انحدار الماء من عَلٍ وهي تشممك رائحة الوردة وطعم القبلة الأولى، فعلٌ أشبهُ بالسحر، وعلى الكاتب هنا أن يكونَ ساحراً، لغتهُ خلطتهُ، وقراؤه ضحايا أحابيلهِ الودودة.
تذكرُ ليلى شهيد، ممثلة منظمة التحرير الفلسطينية، أن المسرح الروماني في مدينة آرل الفرنسية غَصَّ بألفي شخص منهم كتّاب فرنسيون وفعاليات اجتماعية، وعندما قرأ محمود درويش صفقَ الحضور في مواقع كثيرة، وعندما قرأ الممثل الفرنسي الشهير الترجمة صفقوا في نفس المواضعِ مقاربة، كانَ واضحاً أن اختراقاً للغة تمَّ لصالحِ مقولة الشعر وقناعاته ويقينياته الكبرى بحكم أنها لا بدَّ تخصُّ عالماً مشابهاً لعالمه الجواني حملتهُ المفردة وعلو الصياغة المخبوزة على صاج المعرفة والألم والتطلع إلى حياة أفضل تليق به وبمن رآهم أهلاً للحياة.
بعيداً عن مقارنة مع شاعر كبير، أسير مع الكثيرين في قافلته، وقريباً من حدثٍ شخصي مماثل، فقد قالت السيدة آنجليكا مُنظمة أمسيتي في (كولن/ ألمانيا) بعد أن قرأتُ: "أن اللحنَ الذي وصلنا، يفصح عن نص موجع" كانَ ذاكَ الوجع تماماً هو الموسيقى الداخلية الذي انتظم وفقها النص حتى جاء حاملا مكانه، وأشخاصه ومفصحا عن ذواتهم المهزومة حينا والمخذولة ولكن في نفس الوقت هذه الذات، ذات تأخذ بأحلام وآمال المجموع، فتتحدث عنهم وتقول الكثير، ربما لا ترجمة حرفية لكلِّ تلك الآلام العابرة للحدود، لكنها تَصِل أخيراً وأولاً.
(سورية)
الصورُ التي تؤخذ في ذهول من حدثٍ ما، الدهشة تلك، تحملُ لغتها بجمل قصيرة رشيقة، تتكثّف الحال كما لو أنّها نتاج آلاف النباتات الطبية في (كبسولة)، ترىَ وجعاً دفيناً لامعاً، يشرقُ من خلف ابتسامة عصية، فلا تعود بحاجة لأنْ تسألَ عن القصة خلفَ ذلكَ الذهول والدمعة التي حفرت مجرى مائياً على الوجه المعفّر بالغبار، غبار الإسمنت أو ما تتركهُ آلات الحرب من سخام وصخب، إذاً الصور الناجية أيضاً، لغة معتَرف بها ولا تحتاج إلى مترجمين أو معربين لها، الصور كالموسيقى والبكاء والصرخة، لا تحمل جواز سفر، لكنها تجتاز الحدود فلا حرس يوقفها ولا سواتر ترابية وأسلاكاً شائكة تحول دون وصولها، كذلك لا رقابة وقد تعلقّتْ بالوجدان والأحاسيس الأولى للإنسان وميوله الخيّرة أولاً قبل أن تعلّقَ على الجدران.
إذا كانت ثمة خيانة في الترجمة، أي ترجمة، خاصة تلك التي تعنى بالشعر، ولماذا الشعر فلأن الشعرَ بتأويلاته الكثيرة وانفلاتاته يكون أقرب إلى الموسيقى العابرة للغات، وبذلك تصبح الترجمة الميكانيكية ضرباً من ضروب التعدي يصل حد السخرية، إذاً لا بأس فلتكن الصورة سفيرتنا، سفيرة آلامنا إلى الآخر الذي يفهم الصورة ولا يفهم لغتنا، ويفهم موسيقانا قبل نطقنا، طالما ابتلينا بالمواجع وصرنا نبحث عمن يصفق لنا ونحن نسرد قصصنا بكثير من المظلومية والموت، قصص مقدودة من أرواحنا وفيها تسلية للآخر حين ينظر إليها بوصفها روايات واقعية أقرب إلى التخيّل لفجائعيتها!.
يقول جوزيف كونراد، عن الكتابة هي: "أن تجعلنا، من خلال قوة الكلمة المكتوبة، نسمع وتجعلنا نشعر وتجعلنا قبل كل هذا نرى"، هي الفعل الذي ينقل لكَ صوت انحدار الماء من عَلٍ وهي تشممك رائحة الوردة وطعم القبلة الأولى، فعلٌ أشبهُ بالسحر، وعلى الكاتب هنا أن يكونَ ساحراً، لغتهُ خلطتهُ، وقراؤه ضحايا أحابيلهِ الودودة.
تذكرُ ليلى شهيد، ممثلة منظمة التحرير الفلسطينية، أن المسرح الروماني في مدينة آرل الفرنسية غَصَّ بألفي شخص منهم كتّاب فرنسيون وفعاليات اجتماعية، وعندما قرأ محمود درويش صفقَ الحضور في مواقع كثيرة، وعندما قرأ الممثل الفرنسي الشهير الترجمة صفقوا في نفس المواضعِ مقاربة، كانَ واضحاً أن اختراقاً للغة تمَّ لصالحِ مقولة الشعر وقناعاته ويقينياته الكبرى بحكم أنها لا بدَّ تخصُّ عالماً مشابهاً لعالمه الجواني حملتهُ المفردة وعلو الصياغة المخبوزة على صاج المعرفة والألم والتطلع إلى حياة أفضل تليق به وبمن رآهم أهلاً للحياة.
بعيداً عن مقارنة مع شاعر كبير، أسير مع الكثيرين في قافلته، وقريباً من حدثٍ شخصي مماثل، فقد قالت السيدة آنجليكا مُنظمة أمسيتي في (كولن/ ألمانيا) بعد أن قرأتُ: "أن اللحنَ الذي وصلنا، يفصح عن نص موجع" كانَ ذاكَ الوجع تماماً هو الموسيقى الداخلية الذي انتظم وفقها النص حتى جاء حاملا مكانه، وأشخاصه ومفصحا عن ذواتهم المهزومة حينا والمخذولة ولكن في نفس الوقت هذه الذات، ذات تأخذ بأحلام وآمال المجموع، فتتحدث عنهم وتقول الكثير، ربما لا ترجمة حرفية لكلِّ تلك الآلام العابرة للحدود، لكنها تَصِل أخيراً وأولاً.
(سورية)