بعد موجة جفاف استمرت أكثر من 13 شهراً، باتت الأمطار نقمة على النازحين، والعائدين إلى مدنهم المحررة في العراق.
أمس الجمعة، أبلغ مسؤول عراقي رفيع في وزارة الصحة "العربي الجديد"، أنّ حصيلة الضحايا من الأمطار حتى الآن بلغت خمسة قتلى، ثلاثة منهم نازحون، واثنان من أهالي تلك المدن أولهما بمسّ كهربائي من عمود، والآخر بسبب تهدم سقف منزل طيني عليه. لفت المسؤول إلى أنّ مدن شمال العراق وغربه مهددة بمزيد من الضحايا، وخصوصاً المخيمات التي غرق عدد منها. وأضاف، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أنّ الأشهر الماضية شهدت فتوراً في الاهتمام بقضية النازحين العراقيين من الحكومة، وخصوصاً بعد انتهاء الانتخابات وانتفاء الحاجة إلى أصواتهم، بحسب قوله.
من جهته، يقول صادق الركابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ ولده أحمد (22 عاماً) توفي العام الماضي نتيجة لمسه باب المنزل الخارجي وكان مكهرباً نتيجة سقوط سلك عليه انقطع بسبب المطر، فكانت ردة الفعل قوية إذ سقط إلى الخلف وارتطم رأسه بالرصيف بقوة ما أدى إلى وفاته.
نتيجة "فساد إداري" بحسب ما يؤكد مسؤولون عراقيون في مرات عديدة، وما تتحدث عنه ملفات فساد كشفتها منظمات محلية ودولية، فقد أنفقت الحكومات العراقية في الأعوام التي أعقبت الغزو الأميركي (2003) أكثر من 40 مليار دولار أميركي على الكهرباء فقط، لكنّها لم تستطع توفير كهرباء مستقرة، وبقي المواطنون يعانون حتى اليوم من انقطاع للكهرباء يصل إلى أكثر من عشر ساعات في اليوم الواحد، وهو ما يجبرهم على مولدات خاصة يشتركون فيها، ما أدى إلى انتشار أسلاك كهربائية عشوائياً، وباتت تهدد حياة السكان، وخصوصاً في حال تعرضت للقطع، أو في حال هطول الأمطار.
ناشطون حذروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الاقتراب من أسلاك وأعمدة الكهرباء، مؤكدين خطورتها مع هطول الأمطار. ونشر الصحافي قاسم محمد، مقطع فيديو يظهر إصابة أشخاص نتيجة إمساكهم بعمود كهرباء. يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنه لا يعلم أين وقعت هذه الحادثة التي نشرها، لكن ما يهمه بحسب قوله "حياة الناس، فعليهم أن يحذروا وألا يلمسوا أعمدة الكهرباء وأن يبتعدوا عن الأسلاك الكهربائية".
حال المدن أفضل، فهم في أقل تقدير يسكنون في منازل تحميهم من البلل أو الغرق، هذا لسان حال مواطنين من سكان المناطق المحررة. في الموصل، شمالي البلاد، التي تحررت على مرحلتين، في يوليو/ تموز 2017، غرقت العديد من المنازل بالمياه، على الرغم من أنّ الأمطار لم تكن غزيرة إلى الحد الذي يجعل العديد من أحياء هذه المدينة تتعرض للغرق. وعلى الرغم من أنّ الضرر كان عامّاً لكنّ الوضع في المدينة القديمة من الموصل كان أسوأ، فالبيوت في هذه المنطقة تعرض أحسنها حالاً لشقوق في الجدران والأسقف نتيجة الحرب، وما نسبته 80 في المئة منها تهدّم.
عائلة يوسف عبد الجليل، تمكنت من إيجاد حلّ يقي أفرادها البلل، إذ دخلت مياه الأمطار إلى منزلهم من خلال شقوق في أسقف الغرف بالطابق العلوي، فيما أغرقت الطابق السفلي مرتفعة بنحو 20 سنتمتراً. يقول يوسف، الأربعيني، إنه وعائلته المكونة من زوجته وثلاث بنات وولدين، وضعوا خيمة داخل إحدى غرف الطابق العلوي وجلسوا داخلها حتى توقفت زخات المطر، مبيناً في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ قدرته المادية لا تعينه على إصلاح منزله الذي هو في حاجة إلى هدم وإعادة بناء من جديد. يضيف: "لم يكن أمامي سوى السكن في بيتي، على الرغم من كونه غير صالح للسكن، وعلى كلّ حال هو أحسن حالاً من المخيمات التي نزحنا إليها سابقاً، بل أحسن حالاً من غالبية البيوت في منطقتنا في الساحل الأيمن. فالمعارك تسببت بتخسف سقوف وجدران المنزل، فيما أغلب منازل المنطقة تهدمت كلياً أو جزئياً".
في الأنبار غربي البلاد، الحال لم يكن أفضل من الموصل، فهذه المدينة التي كانت تقع تحت سيطرة تنظيم "داعش" طالها خراب كبير أيضاً نتيجة المعارك، وهو ما أدى إلى دمار بنسب متفاوتة أتى على منازلها وأحيائها. وتعتبر الأمطار من بين المشاكل التي تحلّ على السكان منذ رجوعهم إلى مدينتهم في 2017، إذ تتسبب بغرق الأحياء السكنية. الخمسيني، وهاب شاكر، غرق منزله العام الماضي وهذا العام أيضاً، ولذلك، يقضي أغلب أيام الشتاء في منزل والده في قرية بمنطقة الجزيرة شمال مركز المدينة. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه أعاد ترميم منزله بعد عودتهم للسكن فيه عقب طرد "داعش" من المدينة منذ نحو عامين، لكنّ المشكلة "تكمن في الشوارع التي تغرق في حال هطول المطر نتيجة عدم تأهيلها".
تحتاج المناطق المحررة من تنظيم "داعش" التي تشمل مدناً تقع في عدة محافظات: الموصل وصلاح الدين وكركوك (شمال) وديالى (شرق) والأنبار (غرب)، لتأهيل واسع في بناها التحتية نتيجة المعارك التي شهدتها لتحريرها من سيطرة التنظيم، وتقول الحكومة العراقية إن عملية التأهيل تحتاج لمبالغ طائلة لا تستطيع توفيرها في الوقت الحاضر بشكل كامل، وتجري أعمال تأهيل بشكل جزئي.
الحال الأكثر سوءاً تشهدها مخيمات النازحين، إذ لا يستطيع من يقطنون فيها العودة إلى مساكنهم لأسباب عديدة، من بينها أنها لم تعد صالحة للسكن بفعل تهدمها بسبب المعارك، لكنّ الخيم التي تأويهم في داخل هذه المخيمات هي الأخرى غير مؤهلة لتتحمل ظروف الطقس المختلفة. يقول محمود الربيعي، الذي يعيش وأسرته في مخيم السلامية في الموصل لـ"العربي الجديد"، إنّ "المخيم معد لإيواء النازحين لفترة محدودة، وليس لأكثر من ثلاث سنوات"، مشيراً إلى أنّ "الخيم التي نسكنها لا يمكنها أن تقاوم درجات الحرارة العالية في الصيف، والرياح والأتربة ثم الأمطار في الشتاء". يتابع أنّ أمراضاً مختلفة يتعرض لها السكان في المخيمات، ولا سيما الأطفال وكبار السن، مشيراً إلى أنّ "جميع الأمراض سببها البيئة التي نعيشها، نفتقر إلى النظافة، فنحن نخرج من الخيمة إلى أرض ترابية تتحول إلى مستنقعات وبرك وأرض طينية في الشتاء بفعل المطر". يضيف: "في الصيف، نحتاج إلى وسائل تبريد، إذ تتحول الخيم إلى أفران بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وفي الشتاء يخترق البرد خيمنا. أحياناً نفتقر إلى الوقود للمدافئ النفطية، فنضطر إلى إشعال الخشب وهو ما يؤدي إلى أذى آخر بسبب الدخان الذي نستنشق".
يقول الناشط الإغاثي حمزة البدري، إنّ منظمات إغاثية استعدّت قبل الشتاء لتأمين حاجات مخيمات النازحين ومناطق مختلفة قد تتعرض لأخطار بسبب الممطر. يوضح البدري لـ"العربي الجديد"، أنّه "على الرغم من ذلك فإنّ عمل المنظمات الإغاثية لا يمكن أن يفي بالغرض، لكون جميع المدن المحررة في حاجة إلى إغاثة، فضلاً عن المخيمات، ومناطق أخرى لم تتعرض لمعارك في وسط وجنوب البلاد، نتيجة تهالك البنى التحتية".