يحتار من يتابع فاطمة ناعوت في ظهوراتها الإعلامية وفي "ندواتها"، هل يؤخذ كلامها على محمل الجدّ والمناقشة، أم نكتفي بالاستماع إلى حديثها من دون بذل جهد من أجل التعقيب، إذ يجد أمامه كاتبة تُشبّه نفسها بالأم الطيبة، التي تحكم على الحياة بمقولات جاهزة تنحصر جميعها في تقسيم البشر إلى طيب وشرير.
ففي ندوة أقيمت أول أمس في "مركز دال" في القاهرة، شبّهت الكاتبة المصرية نفسها بالأم في فيلم "اسمي خان" التي رسمت لابنها صورة لشخص يضرب آخر وقالت هذا شرير، وشخص آخر يمنح الآخر حلوى وقالت هذا طيب، شكلٌ مثالي ربما ومقولب بطريقة حاسمة، يأخذ طابعاً أخلاقياً، وإن كانت حتى المعايير الأخلاقية ليست حاسمة وصائبة في هذه الصورة القطعية.
ومن منطلق الطيبة والشرّ، تُقسّم ناعوت الشرق والغرب، الغرب الذي لم يحارب دان براون بعد روايته "شفرة دافنشي" رغم أن كتابه ينقض الرواية الدينية عن أن المسيح بتول والعذراء لم تكن عذراء بل تزوّجت، لتبدو ناعوت وأنها استكانت إلى أن هذا الغرب طيب، في حين أن الشرق يحارب من يحاول الخروج عن الرواية الدينية؛ مشيرة إلى الهجوم الذي قُوبلت به حين اعترضت على ذبح الأضاحي من باب الرأفة بالحيوان، ليبدو هذا الشرق شريراً لا محالة.
"أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم" بهذه المقولة الدينية افتتحت ناعوت كلامها عن صراع المسلم والمسيحي في مصر، وكيف أن الديانة المسيحية تعزّز التسامح أكثر من الإسلام الذي من مقولاته "أعدّوا لهم ما استطعتم من قوة". بالتأكيد حينما يتعلّق الحديث بطرف يقع عليه الظلم من طرف آخر فإن هناك دوماً مساحات لنصرة الطرف المظلوم في مصر، لكن الطيبة أحياناً تكون انتقائية، نرى أنفسنا نختار ما يعزّز طيبة هؤلاء بينما نأخذ ما يعزّز شرور أولئك، وذلك حينما ينفتح الحديث على حيّز من التضامن العاطفي البحت.
تقول في محاضرتها "كثيراً ما يُقال لي إنني أحبّ المسيحيين أكثر ومنحازة إليهم"، ثم تُعقّب "لكن بدا أن هناك طرف أكثر طيبة وهم البهائيين" الذين تتحدّث عنهم بانبهار لأنهم مؤمنون بكل الديانات ولا يحملون الشرور لأحد!
طيبة ناعوت لا تبرح مكانها من مستعمرة المثالية، هذه المستعمرة تتغذّى على مشاهد من التاريخ، مشاهد يبدو فيها التاريخ في أوج مثاليته، كالتاريخ الفرعوني مثلاً، وهي الحقبة التي تعيش فيها ناعوت بكامل كيانها فعلياً. لا ننسى هنا ظهور ناعوت بالرداء الفرعوني في برنامج "صباح مصر" على قناة "الغد العربي" عام 2014، ولأن هذا الانتقاء المثالي أيضاً غير موضوعي لأنه ينتقى الجانب الجيد من تلك الحضارة ويُغفل الجانب الشرير لمواجهة طرف أكثر شراً من وجهة نظرها، فلا مانع من هذه الانتقائية على ما يبدو.
فاطمة ناعوت شاعرة "طيبة"، وهذا كل ما في الأمر أو كما قال الشاعر سامي سعد في أحدى قصائده " ليس في الطيبة شئ يُقال"!