الإخوان المسلمون

09 مارس 2017
+ الخط -
تعاملت مع جماعة الإخوان المسلمين في شبابي، حتى الثامنة والعشرين من عمري، في مدينة صغيرة من مدن المنيا، منذ أواخر السبعينيات. أنا ابن الفلاح الساخر من كل شيء، وأكاد أن أجزم أنه لم يذهب إلى المساجد قط، ولم يكن من روّادها، وهو الفلاح الذي لم يكن يملك سوى سخريته وحكاياته وفدانين بالإيجار، وكنت أدرس الفلسفة ومحبا للأدب، وأكاد أن أكون كارها لأي قطيعٍ كان، حتى ولو كان من ظهور إخوان الصفا أو الفيثاغوريين. تعاملت مع "الإخوان" كجار وقريب وصاحب وعزيز ومحب لأهل الصلاح، على حد تعبير الشافعي، حتى وإن لم أكن منهم. وأشهد أنهم لم يكونوا أبدا منحطين، كما يصورهم بعض المرضى من المنتقمين أو الشامتين أو الخصوم الذين لا يعرفون شرف الخصومة، وخصوصا في جانبها السياسي. ولم يكونوا من القتلة، كما يحلو لبعضهم أن يضعهم في تلك الخانة، بل كانوا أقرب الناس إلى المسامحة والتسامح، حتى وإن كانوا من أصحاب القدرة على رد الأذى، بل كانوا أبعد الناس عن العنف والخشونة، وأقربهم للين والتواصل مع الناس.
أما العنف في الجامعات منذ بداية السبعينيات، فكل الفصائل كانت عنيفةً أمام توجهات أنور السادات وتصالحه مع إسرائيل، وأعد على نفسك قراءة قصيدة أمل دنقل "لا تصالح"، لكي تتأكد من كمّ المرارات الطافحة والغضب، تلك التي كانت تموج في الشارع العربي كله، وخصوصا بعدما جاءت الثورة الإيرانية بشعاراتها الإسلامية، وتغوّلت إسرائيل باحتلالها بيروت، فكل الشارع الطلابي والسياسي كان عنيفا لرد كل هذه النكسات المتتاليات على كل الرؤوس في خمس سنوات تقريبا من (1977 حتى 1982)، فلماذا جعل كل العنف من نصيب "الإخوان وحدهم"، وصارت كل الثعالب في الحدائق في براءة يوسف؟
أقول إن "الإخوان المسلمين"، بحياد شديد، مثلنا جميعا، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فسلطتهم التي لم تكن سوى على الورق لم تدم سوى سنة، رفعت السكاكين في وجوههم بعد مائة يوم منها فقط، بالشتائم والتهديد بالانقلاب، من حادثة الاتحادية الأولى حتى (تجميعة 30/6)، وذلك كله بحجة إعلان دكتاتورية محمد مرسي، وإعلانه الدستوري، ونحن نعيش بلا دستور أصلا من سنوات أربع. بالطبع شيء يثير الضحك، بل ومن يتطوّع الآن لمدّ فترة الرئيس إلى ست سنوات، فمن أكل الدستور وشربه ووضعه على الرف، ويحكم بالرصاصة والدبابة، هل هم "الإخوان" الذين لم يطلق حرسهم، شبه المخترق، رصاصة واحدة أم غيرهم؟ نعم هم ليسوا ملائكة، بل هم منا وأشباهنا عن جدارة، ومصريون عن جدارة وشرف، وأنا هنا أتكلم عن الإخواني إنسانا، يحب ويكره ويتمنى ويشتاق، يشتاق سلطةً (كما اشتاقها الحسين، ابن بنت رسول الله، وتخوّف منها الحسن وآثر السلامة)، ويشتاق أيضا قصرا ووظيفة وزوجة، ويبخل ويضحّي ويزور مريضا، ويفر من خصومةٍ أو حربٍ لا طاقة له بها، ويهاجر مكرها إلى تركيا أو ماليزيا أو بريطانيا، كما هاجر النبي إلى الحبشة، فما الخسّة في ذلك؟
ومنهم من يسافر إلى الخليج كغيرهم، ويكون ثروةً ويبني مصنعا أو يتاجر مثل أحمد عزّ.. إلخ، فلماذا مصانع غيرهم موحدة ومصرية ومحفوظة ومصلية كل فروضها القانونية والعقائدية، ومصانع "الإخوان" ومدارسهم ومستشفياتهم ملعونة وخارجة عن الملة؟ هل حكم سنة، على الورق، يفسد أهلها كل هذا الفساد؟ فما بالك بمن يحكم من سنة 1952 إلى الآن، ستين سنة وأكثر، وترك على ظهور الأجيال القادمة ما يقرب من أربعة تريليونات جنيه ديوناً خارجية وداخلية؟ أما لو تحاكمنا إلى الخلق القويم في ممارسات "الإخوان المسلمين" على مدار ماضيهم منذ 1928، بكل ما لهم وما عليهم فيه، فلن تجد فيهم لص أراضٍ أبدا، ولا تاجر أسلحة فاسدة، ولا تاجر مخدرات، ولا هاربا من وجه عدو إسرائيلي، أو هاربا من جندية من 1948. وتأملوا مرشدهم السابق الذي سجن في كل عصور مصر، ومازال واقفا في سجنه، وهو في التسعين. وحسني مبارك الأصغر منه نائما في سريرة بصبغة شعره. بل كانوا أول الشهداء وأول الأبطال في كل الحروب، ولن تجد متهرّبا من ضرائب بالملايين، ولا صاحب عبّارة هرب بعدما أغرق الملايين في البحر الأحمر، لكنها البجاحة في أيام خسيسة وظالمة، وهذا لن يطول كثيرا.
دلالات
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري