يُعتبر الزين الصافي أحد أبرز الأسماء الموسيقية في جيل الثمانينيات في تونس، وقد اشتهر بالخصوص ضمن تيار ما عُرف بـ "الأغنية الملتزمة". في مدينة قليبية (شمال شرق تونس)، رحل أمس السبت عن عمر 55 عاماً.
خلال سبعينيات القرن الماضي، وفي سياق حراك اجتماعي ضد الخيارات الحكومية النيوليبرالية، صعدت في تونس موجة فنية كانت الجامعة والحياة العُمّالية فضاءاتها الرئيسة، وقد تبلورت في شكل "الأغنية الملتزمة" مستفيدة أيضاً من صعود ظاهرة الشيخ إمام في مصر وتردّده على تونس.
الزين الصافي -مع أسماء مثل نبراس شمّام وحمّادي العجيمي والهادي قلة- يُمثل الموجة الثانية من هذا التيار. برز في منتصف الثمانينيات، في مرحلة أولى بأدائه المتميّز لأغاني فرقة "أمازيغن"، أولى الفرق الملتزمة في تونس، ثم بأدائه المميّز للأغاني الساخرة للشيخ إمام.
لعب الصافي دوراً مُهماً في نشر "ثقافة الأغنية الملتزمة" كعملية تراكم مشروع مُوحّد بين أجيالٍ، وبفضل لمسات ضربت على وتر الشخصية التونسية المرحة والناقدة ساهم في تمرير هذا النمط الموسيقي لجمهور واسع.
إثر تنامي شعبيّته، سرعان ما تحوّل الصافي إلى تجربة التلحين معتمداً على نصوص شعراء مثل آدم فتحي ومحمود درويش وبول إلوار. لعل أغنيته "حمام الشط" (1986) تُمثّل أعلى نقاط الجماهيرية التي بلغها، فقد تزامنت مع القصف الإسرائيلي لمواقع منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
ظلّ العود، كمعظم الفنانين الملتزمين، هو الأداة الرئيسة في عروضه، بيد أن الموسيقيين في تونس طالما انتبهوا إلى أن جُمل الصافي، بخلاف زملائه من الفنانين الملتزمين، قابلة لتوزيعات أكثر ثراءاً. ما يُميّز الصافي موسيقياً هو بساطة الألحان وتوظيف الطابع التونسي في الأغنية الاجتماعية، أغان مثل "الفقر" و"القفة" اعتبرت من أبرز نماذج هذا التوجّه.
بنهاية الثمانينيات، بدأ التضييق على الأغنية الملتزمة في البلاد مع صعود التوجّه الأمني كخيار رئيس في سياسة الدولة، والذي انعكس بقوة على الحياة الثقافية فجفّف منابعها. عن هذه المرحلة، صرّح الصافي في إحدى مقابلاته الصحافية أنه قد "تم وضع تخطيط لتغيير وجهة ذائقة المتلقي فتخلّت بذلك الأغنية عن دورها التوعوي والتحفيزي وأصبحت مُوجّهة وفق لعبة مدروسة لمخاطبة الغرائز".
انكفأ الصافي لبعض الوقت على مهنته في تدريس اللغة الإنجليزية، قبل أن يعود للساحة الفنية بتسجيل الأغاني التي ظل يُردّدها لسنوات في الحفلات الطلابية والنقابية. فعل ذلك بتوزيعات جديدة ممّا أتاح لأغانٍ مثل "لا نطيق الذل"، "بحّارة"، أو "الشيشة" انتشاراً جماهيرياً محترماً.
بفضل شبكة الإنترنت، عاد اسم الزين الصافي للتداول مع بداية الألفية. عودة استغلها الفنان التونسي لتطوير فضائه الموسيقي حيث تقلّص أكثر دور العود الرئيس في أعماله. فترة اعتبرها البعض تغييراً في توجهاته، ولكنها كانت حيلة ضرورية للبقاء في الساحة وتمرير مشاريعه السابقة. هنا حقق نجاحات بأغاني مثل "نوّارة حنينة"، "بنت القمرة"، "الشيخ الصغير".
رغم مساهمته في الحراك الشعبي لـ 2011، لم يتمكّن جيل الثمانينيات من العودة إلى واجهة المشهد الفني، والصافي ضمنهم، لكنهم جميعاً ظلوا يتحركون في نفس أطرهم الجماهيرية القديمة، أي طلبة الثمانينيات وهم في سن الكهولة.