وقد أكد فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي يزور المغرب، خلال تصريحات صحافية قبل أيام، أن المؤسسة الدولية انخرطت مع الربيع العربي في التفكير في الوضع الجديد، وذهب إلى أنه تمت ملاحظة أن العقد الاجتماعي غير المعلن بين الحكام والمواطنين لم يعد ساريا.
ورأى أن المنعطف الذي فضح ذلك الوضع تجلى مع الأزمة العالمية في 2008، حيث تراجع النمو الاقتصادي العالمي، بما له من تأثيرات على البلدان السائرة في طريق النمو.
ويعتبر البنك الدولي في تقرير له حول العقد الاجتماعي، صدر قبل عامين، أن النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير مستقر، بل إنه تباطأ منذ 2011، تحت تأثير عدم الاستقرار السياسي والحروب الأهلية، تراجع سعر البترول.
ويذهب إلى أن عدم الرضا المتنامي حول جودة الحياة أفضى إلى الربيع العربي، حيث كانت الساكنة غاضبة بسبب تراجع مستوى حياتها، الناجمة عن قلة فرص العمل في القطاع الرسمي، وضعف الخدمات العمومية والحوكمة والمساءلة.
وأوضح بلحاج أنه في فترة ما بعد الاستقلال كان يتوجب بناء إطار يمكن أن تتطور داخله الشعوب التي حصلت على استقلالها حديثا، حيث اقتضى العقد غير المعلن، أن توفر الدولة خدمات مجانية للمواطنين، بينما يتركها هؤلاء تعمل من دون أن ينشغلوا بالسياسة.
ويتصور البنك الدولي أن جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت تستند إلى عقد اجتماعي، توفر بموجبه فرص العمل والخدمات الصحية والتربية مجانًا، وكذلك السلع الغذائية والوقود المدعم، مقابل حرية كلام محدودة.
واعتبر البنك أنه إذا كان العقد قد أتاح رفع معدلات التمدرس وتحسين الولوج للعلاجات الطبية الضرورية وتقليص الفقر، فإنه لم يعد ساريا منذ نهاية القرن الماضي، خصوصاً من وجهة نظر الطبقة المتوسطة، لأنه لم يكن قادرا على توفير أنظمة تعليم وصحة ذات جودة، كما لم يتح فرص عمل في القطاع الخاص.
وأشار بلحاج إلى أن الدولة كانت تتوفر على الوسائل كي توفر تلك الخدمات للمواطنين الذين كانوا يشعرون تجاهها بالعرفان، غير أن هذا الوضع تغير مع بروز أجيال جديدة، بينما لم تعد الدولة تتوفر على وسائل من أجل تمويل الخدمات المجانية.
واعتبر أنه في الوقت الذي يعرف النمو الاقتصادي العالمي نوعا من الانكماش تكفي زيادة في ضريبة الاتصالات في لبنان كي ينفجر الوضع، فكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس، على غرار تشيلي التي انفجر الوضع فيها بسبب الزيادة في سعر تذكرة المترو.
ودعا البنك الدولي إلى التحول إلى عقد اجتماعي جديد بين مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودولهم، وهو عقد يجب أن يكرس عبر إصلاحات تنصب على سياسات الدعم التي لم تعد مجدية، حيث يفترض إبدال تعويضات بأخرى تقوم على استهداف الفئات الهشة. واعتبرت المؤسسة المالية الدولية أن نظام الدعم المعمم لم يتح تعويض الحرمان الاجتماعي، على اعتبار أنه لم يفد الفقراء ولم يساعد على توفير فرص العمل.
وتصور بلحاج أنه يفترض جعل القطاع الخاص في قلب الحركية الاقتصادية، بعيدا عن الوضعيات القائمة التي تكرس فاعلين من دون آخرين، حيث يمكن للفاعلين الجدد أن يعملوا في جو من المنافسة الشفافة. وقال إن هذا العقد الجديد يجب أن يستند إلى قطاع خاص أكثر قوة، محدث لفرص العمل وتكافؤ الفرص، وخدمات عمومية أكثر فعالية وإدماجية وشفافة، وتوسيع مجال المشاركة وحرية تعبير المواطنين.
وفي الوقت الذي يؤكد البنك الدولي على تعويض سياسة الدعم المعمم، بالاستهداف للفئات الهشة، اعتبر رضوان طويل، أن سياسة الاستهداف لن تخلق شروط الإنصاف، فقد تفضي إلى تضرر القدرة الشرائية للساكنة، التي لن تستفيد من المساعدة التي تقدمها الدول، ما يدفع بها إلى الفقر المدقع.
ولام محمد شيكر، الاقتصادي المغربي، البنك الدولي، في عدم إقراره بفشل الوصفات التي يقترحها على الدول، معتبرا أن بعض التوصيات من قبيل تلك التي تخص الدعم وسوق الشغل، يمكن أن تساهم في تأزيم الوضع، خاصة في ظل الاحتكام إلى قانون السوق الذي تدعو إليه المؤسسة المالية الدولية.