منذ مطلع القرن الماضي، هناك العديد من التساؤلات حول التخلي عن اللوحة كتعبير فني، وإقناع الفنان بضرورة تخطّيها. لكنه يجد نفسه، ودون أن يشعر، يعيد إحياء اللوحة، في كل مرة يثار فيها هذا الجدل إلى قصاه.
يمكن القول إنه في كل مرة يتواطأ المجتمع الفني على هذا النوع من محاولات تهميش اللوحة، والتي تكون غالباً منطلقة من فكرة التجريب لكسر قواعد اللعبة، والظهور بمفهوم جديد على حساب الخروج عن اللوحة تحديداً، أو العزم على إلغائها بطريقة ما. وإن استطاعوا بذلك أن يبتكروا أسلوباً جديداً تجدهم لاشعورياً، يعودون مرة أخرى للتعبير من خلالها على الرغم من ظهور أساليب جديدة أخذت شكلاً مستقلاً عن تعبيرهم على اللوحة.
وتبقى كل محاولات الابتعاد التي تُفضي إلى شيء من التشعّب الذي يخلق وسائل مختلفة هو حتماً شكل صحي من أشكال التجديد، إذ يصنع لنا ذلك البُعد الجديد للهجة الفن بمفاهيمه المتعددة ويضمن سير حوار جميل يبلور معانيه.
يُغفل الفنان أو المهتم بالفن أحياناً بأن اللوحة التي قد يتّهمها البعض أنها ذات بُعد واحد وبأنها أحد أقدم أشكال التوثيق الفني، وهي المعاصر الدائم في نقل العصر الحديث على حدٍ سواء، قد لا تقدّم بالضرورة الإجابة السريعة والفورية التي يبحث عنها المتذوّق العصري ذو الإيقاع السريع.
ربما يقتصر وجودها على أولئك الباحثين بين طياتها على شيء من التأمل بشكل أفقي يربط بين ما بداخل النفس وما بداخل اللوحة ليخرج منها ربما شيء ما تألفه سابقاً عن ذاتك، وقطعاً لا يقتصر هذا الشعور على اللوحة بل يتداعى ويختلف تلقيه من وسيط إلى آخر كالموسيقى والأفلام والنصوص والروايات.
لكن هي هذه المتعة التي لا يشبهها شيء من تواجد اللون إلى جانب لون والتداخل الذي يعكسه، وكل ما يتعلق بها ويشوبها من هواجس وأفكار تتوالد إلى أشكال جديدة ربما أو تدلنا على مكان جديد يفسّر شيئاً من وجود الإنسان.
لا نحاول تمجيد اللوحة كنوع من كفالة حق أو استعادة وهج على الرغم من اليقين من أنها لم تخفت لحظة وأنها دائماً مطواعة في تفسيرها وتنطوي على شيءٍ سحري يفتن الإنسان، وربما ينفر البعض لأنه يلمس شيئاً ما داخل نفسه. وكما يقول المفكر سيوران "ما من شيء يجعل أثراً يدوم ويمنعه من التقادم سوى شراسته"، بعيداً عن تنفيذ أي جماليات مأهولة ومسالمة ولحظية في أن تعيش زمناً أطول في نفس الإنسان.
ما يجعلنا نطرح هذه الفكرة هو تصاعد أزمة الفن المعاصر وتطبيق الأفكار بوسائط متعددة ومختلفة في الساحة الفنية التشكيلية، ما شكّل أزمة في فهم الفن.
* فنانة تشكيلية من السعودية
اقرأ أيضاً: "تدمير الفن" لـ داريو غامبوني: حداثيون ومخرّبون