استعادت العاصمة الفرنسية باريس، ولاسيما جادة الشانزيليزيه، اليوم السبت، مشاهد العنف الذي شهدته في 1 ديسمبر/كانون الأول 2018، وذلك خلال الجولة الـ18 لتظاهرات "السترات الصفراء".
فبعد أن حاول متظاهرون مقنَّعون، مرتين، الوصول إلى "قوس النصر" الذي تحرسه قوات درك ومَركبات عسكرية، وتم ردهم، قرروا مهاجمة متاجر ومطاعم ومقاهٍ في الجادة.
وكان أكثر هذه المشاهد رمزية، تحطيم واجهة مقهى "فوكيت" رمز الطبقة السياسية، خاصة بعد أن اتخذ منه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، مكاناً للاحتفال بانتصاره في انتخابات الرئاسة 2007.
وعمد المتظاهرون إلى قلب كراسي المقهى وتحطيم أوانيه ونهبها، ثم انتقلوا إلى متاجر أخرى فاخرة، فحطموا واجهاتها، ونهبوها، وفق ما ذكره وزير الداخلية كريستوف كاستانيير.
وكانت السلطات الأمنية الفرنسية تخشى من عودة العنف، غداة انتهاء "الحوار الوطني الكبير" الذي أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون، وكذلك بعد مرور أربعة أشهر، على بدء حراك "السترات الصفراء"، ودفعت في باريس بـ5000 شرطي ودركي.
وكان بعض قادة "السترات الصفراء" قد أكدوا، في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، الانتقال إلى أشكال جديدة من الاحتجاجات لجعل الحكومة تخضع لمطالبهم.
ومن بين هذه المواقف، تصريح إيريك درووي الذي قال إنّه لن يتظاهر بعد اليوم في شوارع باريس، مضيفاً أنّ "ما بعد 16 مارس/آذار 2019 يعني أنّ زمن التظاهرات قد انتهى".
وطالب درووي، أمس الجمعة، في فيديو نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي بأن تكون "تظاهرة السبت ضخمة، حتى يُسمع صوت المتظاهرين، لأنّ هذا اليوم، بالنسبة إليّ، سيكون نهاية للتظاهرات"، مبرراً ذلك بالقول إنّ "المسيرات لم تتح للسترات الصفراء إسماع صوتها للحكومة، وسنناضل من الآن فصاعداً من أجل حركات حقيقية، مثل شل بعض القطاعات الخاصة وقطاعات النفط، والتأثير على الاقتصاد الفرنسي".
وقال درووي، الأسبوع الماضي، إنّه لن يشارك في مسيرة مُعلنَة، وسيظل في الشانزيليزيه مهما حدث، مكرراً اتهام قوى الأمن بـ"تخريب التظاهرات"، معرباً عن حرصه في الوقت نفسه على عدم كشف معلومات عن التحركات المقبلة لقوى الأمن.
ولاحقاً اليوم السبت، أكد وزير الداخلية كريستوف كاستانيير، أنّ عدد متظاهري "السترات الصفراء" في العاصمة باريس بلغ 8000 شخص، ما يعني تسجيل ارتفاع عن عدد المشاركين في الأسابيع القليلة الماضية، لكنّه استدرك بالقول إنّه يوجد من بينهم نحو 1500 شخص، هم "عصابات من اليسار المتطرف، كما أنهم مقنَّعون وشديدو العنف، أتوا من أجل التخريب ومهاجمة قوى الأمن"، على حد تعبيره.
ورأى أنّ "هؤلاء قدموا استجابة لتصريحات ومواقف بعض وجوه حركة السترات الصفراء من أجل مهاجمة باريس ونشر الفوضى فيها"، على حد قوله، كما عاب استمرار المتظاهرين في تحركاتهم في ظل وجود هؤلاء المتظاهرين "العنيفين والمقنّعين".
ورداً على سؤال حول رغبة بعض "السترات الصفراء" في الوصول إلى قصر الإيليزيه الرئاسي، أكد وزير الداخلية أنّ "المؤسسات تخضع للحماية كل سبت، وأنا أريد حماية باريس والفرنسيين"، وأضاف أنّه "على اتصال مستمر بماكرون الموجود خارج العاصمة، وبرئيس الحكومة إدوارد فيليب".
ولفت وزير الداخلية إلى أنّ "الأوامر منحت لقوة الأمن بالتشدد في مواجهة مثيري العنف والشغب"، وهو ما تمت ترجمته، حتى الآن، في إيقاف 64 متظاهراً، وهو رقم دون رقم 1092 موقوفاً في الجولة الرابعة من الحراك.
وما يزيد من الضغط على قوى الأمن، إلى جانب تنظيم مظاهرات غير معلنة في مناطق من العاصمة، هو تنظيم مسيرات أخرى معلنة، اليوم السبت، ومن بينها "المسيرة ضد العنف البوليسي"، ثم "مسيرة القرن" من أجل التحذير من تغيّر المناخ، وهو ما سيشتت حركتها، ويجعلها غائبة عن أماكن تستوجب أن تكون حاضرة فيها.