حين نقول إن البيئة لا تعرف الحدود، يعتقد البعض أننا نعني الحدود السياسية بين الدول، من دون الوقوف عند اختراق كل ما هو طبيعي لها. الأنهار ومجاري المياه لا تتوقف، ولا يتغير لونها أو طعمها بين دولة وأخرى، وتعبر الطيور والحيوانات البرية من هنا إلى هناك بلا تأشيرات دخول أو خروج، وكذلك يفعل بعض سكان الحدود من دون أن يؤرق تحركاتهم الحراس.
الحدود التي نحن بصددها متحركة، تتداخل، تنكمش وتتمدّد، إذ لا نستطيع أن نقول هنا ينتهي مناخ الصحراء لتبدأ السافانا، أو هنا يلتقي الاستوائي بالمداري. لكننا نستطيع تحديد أشجار ومنتجات كل مناخ. وتؤكد دراسات أنه للتغيّرات المناخية، وتعاقب موجات الجفاف والرطوبة دورها في عدم ترسيم هذه الحدود.
صُنّفت مناطق واسعة من حزام صدر القارة الأفريقية على أنها من المناطق الرطبة، لكنها في واقع الحال مناطق جافة. مثلاً ليست كل مرتفعات شرق أفريقيا أراضي رطبة، فالأراضي الواقعة في ظل المطر حول بحيرة فكتوريا لا تتلقى سوى 600 مليمتر من الأمطار سنوياً، ما يجعلها تصنف ضمن الأراضي الجافة. حتى الأراضي الجافة نفسها ليست متجانسة، وتتفاوت في كل شيء بما في ذلك مراعيها، الأمر الذي أظهر تصنيفات أكثر دقة. يقال أراضٍ جافة قاحلة، وشبه قاحلة، وأراضٍ شبه رطبة، وأكثر رطوبة.
تتميّز الأراضي الجافة بقابليتها لنشوء وتطور النزاعات بين المزارعين والرعاة، أو بين أفراد المجموعة الواحدة، كأن يقوم الرعاة بإدخال المواشي في حقول المزارعين لإنقاذها حين يشتد الجفاف. أو ينشأ صراع إثر بناء الأسوار الحامية للحقول على مسارات الرعاة، أو يقوم بعض الرعاة بنهب مواشي رعاة آخرين، أو يتنازع المزارعون على مصادر المياه أو ملكية الأراضي الزراعية.
اقــرأ أيضاً
درج السكان المحليون على التعدّي بشكل ممنهج على الأراضي الخصبة التي يلجأ إليها الرعاة، من خلال إنشاء الأسوار لحجزها ومنع الرعاة من دخولها أثناء عبورهم، أو إقامة مشاريع زراعية، وادعاء أن ملكية أراض هي ملكية عامة. وعمد بعض الأقوياء سياسياً ومالياً من سكان المدن إلى اقتطاع مساحات واسعة من الأراضي المصنفة (رطبة) بدعوى الاستثمار الزراعي. لعل أول ما يقوم به أحد هؤلاء هو قطع الأشجار وغير ذلك، ما يؤثر في طبيعتها ويفقدها توازنها الطبيعي، ويعرضها لدخول تصنيف الأراضي الجافة.
تعدّ التجربة التنزانية في هذا المجال الأكثر إشراقاً. وأقرّت الحكومة بأنّ الرعاة من قبائل (الماساي) بشكل خاص متنقلون ويحتاجون مساحات واسعة للبقاء. كما يحتاجون إلى تأمين حقهم في الأراضي من خلال تسجيل أراضي القرى. لماذا لا تحتذي بؤر الصراع هنا وهناك بهذه التجربة؟
(متخصص في شؤون البيئة)
الحدود التي نحن بصددها متحركة، تتداخل، تنكمش وتتمدّد، إذ لا نستطيع أن نقول هنا ينتهي مناخ الصحراء لتبدأ السافانا، أو هنا يلتقي الاستوائي بالمداري. لكننا نستطيع تحديد أشجار ومنتجات كل مناخ. وتؤكد دراسات أنه للتغيّرات المناخية، وتعاقب موجات الجفاف والرطوبة دورها في عدم ترسيم هذه الحدود.
صُنّفت مناطق واسعة من حزام صدر القارة الأفريقية على أنها من المناطق الرطبة، لكنها في واقع الحال مناطق جافة. مثلاً ليست كل مرتفعات شرق أفريقيا أراضي رطبة، فالأراضي الواقعة في ظل المطر حول بحيرة فكتوريا لا تتلقى سوى 600 مليمتر من الأمطار سنوياً، ما يجعلها تصنف ضمن الأراضي الجافة. حتى الأراضي الجافة نفسها ليست متجانسة، وتتفاوت في كل شيء بما في ذلك مراعيها، الأمر الذي أظهر تصنيفات أكثر دقة. يقال أراضٍ جافة قاحلة، وشبه قاحلة، وأراضٍ شبه رطبة، وأكثر رطوبة.
تتميّز الأراضي الجافة بقابليتها لنشوء وتطور النزاعات بين المزارعين والرعاة، أو بين أفراد المجموعة الواحدة، كأن يقوم الرعاة بإدخال المواشي في حقول المزارعين لإنقاذها حين يشتد الجفاف. أو ينشأ صراع إثر بناء الأسوار الحامية للحقول على مسارات الرعاة، أو يقوم بعض الرعاة بنهب مواشي رعاة آخرين، أو يتنازع المزارعون على مصادر المياه أو ملكية الأراضي الزراعية.
درج السكان المحليون على التعدّي بشكل ممنهج على الأراضي الخصبة التي يلجأ إليها الرعاة، من خلال إنشاء الأسوار لحجزها ومنع الرعاة من دخولها أثناء عبورهم، أو إقامة مشاريع زراعية، وادعاء أن ملكية أراض هي ملكية عامة. وعمد بعض الأقوياء سياسياً ومالياً من سكان المدن إلى اقتطاع مساحات واسعة من الأراضي المصنفة (رطبة) بدعوى الاستثمار الزراعي. لعل أول ما يقوم به أحد هؤلاء هو قطع الأشجار وغير ذلك، ما يؤثر في طبيعتها ويفقدها توازنها الطبيعي، ويعرضها لدخول تصنيف الأراضي الجافة.
تعدّ التجربة التنزانية في هذا المجال الأكثر إشراقاً. وأقرّت الحكومة بأنّ الرعاة من قبائل (الماساي) بشكل خاص متنقلون ويحتاجون مساحات واسعة للبقاء. كما يحتاجون إلى تأمين حقهم في الأراضي من خلال تسجيل أراضي القرى. لماذا لا تحتذي بؤر الصراع هنا وهناك بهذه التجربة؟
(متخصص في شؤون البيئة)