تختلف الحركة الطالبية الأردنية عن اللبنانية والفلسطينية بالنظر إلى طابع وطبيعة العلاقات والمجتمع الذي تتحرك ضمنه. والحقيقة أن هذه الحركة واجهت متغيرات عديدة أفقدتها الكثير من الأرصدة التي كانت تتمتع بها في السابق.
بالطبع ليس من وظيفة هذه العجالة التعمق في تحليل المعطيات قديمة وجديدة، إذ هدفها هو رسم خطوط بيانية عامة لمآلات الأوضاع التي تمر بها هذه الحركة. إن السمة الأساسية التي تعانيها هذه الحركة هي تدخل إدارة الجامعات في تحديد مساراتها بما يقود إلى تعطيل استقلاليتها، وتقييد حريتها في اتخاذ القرارات التي تعبر عن مصالح هذه الكتلة التي تملك حضورها الأبرز في الأحرام الجامعية بطبيعة الحال. ضمن مناخ من المراقبة الإدارية والأمنية اللصيقة كانت النشاطات الطالبية تصنف بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي، فالثاني مسموح به ومموّل أحياناً ومرغوب ومجاز ومطلوب، أما الأول فيواجه بالروتين والتعقيدات التي تحول دون الموافقة، مثالاً عليه تنظيم مهرجان أو مؤتمر دولي أو سماع محاضرين يملكون رؤية تختلف عن رؤية السلطات سواء أكانت أكاديمية أم عامة...
إذن كانت هناك عملية تمييز واضحة بين نشاط طالبي تُفتح أمامه الأبواب والنوافذ، وآخر تقفل في وجهه كل المنافذ بهدف عرقلته أو منعه أصلاً، باعتبار أن أي نشاط طالبي كي ينفذ بحاجة إلى موافقة من عمادة الطلبة، التي تغلب الاعتبارات السياسية والأمنية على ما عداها من جوانب أكاديمية وفكرية لا بد أن يملكها طلاب الجامعات في كل دول العالم، وتميزهم عن سواهم من فئات المجتمع، باعتبار أن الثقافة السياسية والفلسفية بتناقضاتها وتعقيداتها واتجاهاتها المتباينة هي جزء أساسي من ثقافة الطالب الجامعي. والملفت أن هذه العمادات كانت مراراً توافق على نشاطات معينة، لكنها لا تلبث أن تتراجع عنها... البعض كان يرى أن هذا التراجع مرده تدخل جهات أخرى غير جامعية وغير أكاديمية... ومثل هذا الوضع كان يحبط الجهود الطالبية لتحقيق تفاعل يتجاوز جدران الجامعة إلى خارجها، بما هو المجتمع الأردني المحلي أو العربي أو الدولي حتى. بمعنى أن سلسلة الإجراءات والتعقيدات والموافقات المطلوبة كانت تلعب دورها في الحجر على مثل تلك الأنشطة، وتضع القائمين عليها في موقع التراجع عن متابعة الاتصالات للحصول على الموافقات غير المؤكدة، باعتبار أن تقييم النشاط مسبقاً قد لا يكون في صالح القائمين به من جانب جهات أخرى، حتى لو حصل على الموافقة الأكاديمية. يؤدي ذلك عملياً إلى مصادرة الحريات الاكاديمية – وإن بشكل غير مباشر – التي يجب أن يتمتع بها الطالب، ومن باب أولى أستاذه.
اقــرأ أيضاً
المعضلة التي وقعت فيها الحركة الطالبية الأردنية أنها كانت على الأغلب مجرد لافتة لتنظيم أو اتجاه سياسي، وخصوصاً أن هذه الحركة تاريخياً تكونت على توجهات وطنية أو قومية أو ما فوقهما أممية أو إسلامية، وعبرت عن نفسها عبر الدعوة لوحدة المجتمع الأردني بمختلف مكوناته ومع الوحدة العربية ووحدة الضفتين ودعم شعوب العالم الثالث وإسلامية الجهاد وغيرها من التوجهات. ولذلك تفاعلت مع التحولات الكبرى التي شهدها الأردن والمنطقة العربية والعالم، بالنظر إلى أن هذا الحراك الطالبي كان دوماً طامحاً إلى تجاوز حدوده الضيِّقة نحو طروحات قومية وأممية أو إسلامية على حد سواء.
*باحث وأكاديمي
بالطبع ليس من وظيفة هذه العجالة التعمق في تحليل المعطيات قديمة وجديدة، إذ هدفها هو رسم خطوط بيانية عامة لمآلات الأوضاع التي تمر بها هذه الحركة. إن السمة الأساسية التي تعانيها هذه الحركة هي تدخل إدارة الجامعات في تحديد مساراتها بما يقود إلى تعطيل استقلاليتها، وتقييد حريتها في اتخاذ القرارات التي تعبر عن مصالح هذه الكتلة التي تملك حضورها الأبرز في الأحرام الجامعية بطبيعة الحال. ضمن مناخ من المراقبة الإدارية والأمنية اللصيقة كانت النشاطات الطالبية تصنف بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي، فالثاني مسموح به ومموّل أحياناً ومرغوب ومجاز ومطلوب، أما الأول فيواجه بالروتين والتعقيدات التي تحول دون الموافقة، مثالاً عليه تنظيم مهرجان أو مؤتمر دولي أو سماع محاضرين يملكون رؤية تختلف عن رؤية السلطات سواء أكانت أكاديمية أم عامة...
إذن كانت هناك عملية تمييز واضحة بين نشاط طالبي تُفتح أمامه الأبواب والنوافذ، وآخر تقفل في وجهه كل المنافذ بهدف عرقلته أو منعه أصلاً، باعتبار أن أي نشاط طالبي كي ينفذ بحاجة إلى موافقة من عمادة الطلبة، التي تغلب الاعتبارات السياسية والأمنية على ما عداها من جوانب أكاديمية وفكرية لا بد أن يملكها طلاب الجامعات في كل دول العالم، وتميزهم عن سواهم من فئات المجتمع، باعتبار أن الثقافة السياسية والفلسفية بتناقضاتها وتعقيداتها واتجاهاتها المتباينة هي جزء أساسي من ثقافة الطالب الجامعي. والملفت أن هذه العمادات كانت مراراً توافق على نشاطات معينة، لكنها لا تلبث أن تتراجع عنها... البعض كان يرى أن هذا التراجع مرده تدخل جهات أخرى غير جامعية وغير أكاديمية... ومثل هذا الوضع كان يحبط الجهود الطالبية لتحقيق تفاعل يتجاوز جدران الجامعة إلى خارجها، بما هو المجتمع الأردني المحلي أو العربي أو الدولي حتى. بمعنى أن سلسلة الإجراءات والتعقيدات والموافقات المطلوبة كانت تلعب دورها في الحجر على مثل تلك الأنشطة، وتضع القائمين عليها في موقع التراجع عن متابعة الاتصالات للحصول على الموافقات غير المؤكدة، باعتبار أن تقييم النشاط مسبقاً قد لا يكون في صالح القائمين به من جانب جهات أخرى، حتى لو حصل على الموافقة الأكاديمية. يؤدي ذلك عملياً إلى مصادرة الحريات الاكاديمية – وإن بشكل غير مباشر – التي يجب أن يتمتع بها الطالب، ومن باب أولى أستاذه.
المعضلة التي وقعت فيها الحركة الطالبية الأردنية أنها كانت على الأغلب مجرد لافتة لتنظيم أو اتجاه سياسي، وخصوصاً أن هذه الحركة تاريخياً تكونت على توجهات وطنية أو قومية أو ما فوقهما أممية أو إسلامية، وعبرت عن نفسها عبر الدعوة لوحدة المجتمع الأردني بمختلف مكوناته ومع الوحدة العربية ووحدة الضفتين ودعم شعوب العالم الثالث وإسلامية الجهاد وغيرها من التوجهات. ولذلك تفاعلت مع التحولات الكبرى التي شهدها الأردن والمنطقة العربية والعالم، بالنظر إلى أن هذا الحراك الطالبي كان دوماً طامحاً إلى تجاوز حدوده الضيِّقة نحو طروحات قومية وأممية أو إسلامية على حد سواء.
*باحث وأكاديمي