عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تعاطفه مع أزمة المهاجرين واللاجئين، في فرنسا وخارجها، لكن هذا الموقف لم يجد الترجمة الفعلية على أرض الواقع، بحسب تقرير منظمتي "لاسيماد"، المهتمة بتقديم المساعدة للأجانب، والعفو الدولية "أمنستي".
ودان التقرير، الذي صدر اليوم الخميس، بعنوان: "عودة قسرية نحو انعدام الأمن"، ما يراه تسريعاً حكوميّاً فرنسياً، إلى جانب دول أوروبية أخرى، في طرد مهاجرين أفغان إلى بلادهم، رغم أن الوضع السياسي والأمني غيرُ آمن، حيث قتل وجرح في سنة 2016 لوحدها 11418 شخصا. وفتحت المنظمتان سجل تواقيع لوقف هذا الترحيل المتسارع للاجئين الأفغان.
ويرى التقرير أنّ فرنسا، التي كانت تمنح اللجوء لنحو 80 في المائة من طالبي اللجوء الأفغان، غيّرت سياستها، وضاعفت من عدد المُرَّحَلين الذين يتمّ إمّا إرسالهم إلى أفغانستان مباشرة، أو طرد من تنطبق عليهم معاهدة دبلن، إلى بلد أوروبي يتكفل بتسفيرهم إلى بلادهم.
وينتقد التقرير تعريض بعض اللاجئين الأفغان للخطر، في حال وصولهم إلى أفغانستان، خصوصا الذين سَبَق لهم أن اشتغلوا مُترجِمين مع منظمات دولية.
ويشير دافيد روحي، العضو في منظمة لاسيماد والمسؤول في "لجنة الإبعاد" في المنظمة، إلى أن السلطات الفرنسية لم تنجح لحد الساعة في طرد الكثير من هؤلاء الأفغان، بسبب احتجاجهم على عمليات الطرد، أو لأن ركاب الطائرات رفضوا السفر بحضور أشخاص مكبلين، أو لأن قرار الطرد يكسره قضاة، بسبب وجود انتهاك في إجراءات الطرد، أو لأن القاضي يُقدّر الخطرَ الذي يتهدد الشخص المُعرَّض للطرد في بلاده.
ويناشد روحي بأن يجري وقف مُؤقت لعمليات الإبعاد إلى أفغانستان، وأن تأخذ فرنسا بعين الاعتبار المخاطر التي تتهدد هؤلاء الذين يتم ترحيلهم من دول أوروبية أخرى، خصوصا الدنمرك، دون الحديث عن دول بالغة الحماسة في الترحيل، كبلغاريا والمجر وغيرهما.
ولا يقتصر الأمر على الأفغان دون غيرهم، لأنّ سياسة الإبعاد تستهدف جميع الجنسيات والبلدان، وكان ضحيتها 12 ألفا و500 شخص سنة 2016. وقد اعترف الرئيس إيمانويل ماكرون، نفسه، قبل أسابيع، بأن فرنسا "ليست فعّالة في ترحيل" المهاجرين السريين، فيما أيّده وزير داخليته جيرار كولومب، بالقول: "إننا لا نطرد بما فيه الكفاية".
ولعلّ ما ينتظر هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من الإجراءات مستقبَلاً، هو أكثرُ تشددا وإيلاما.
فحسب المعلومات المسربة عن مشروع القانون الجديد الذي تعده الحكومة الفرنسية، والذي يرمي إلى "إعادة بناء" السياسة الفرنسية بخصوص الهجرة، الذي دانته الجمعيات الحقوقية والإنسانية والعديد من نواب اليسار والتقدميين، فإن ثمة بنود قوية فيه تقترح زيادة كبيرة جدا في فترة الاعتقال الإداري، من 45 يوما إلى 90 يوما. إضافة إلى بند آخَر يرغم "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية" على رفض طلبات اللجوء التي يتقدم بها أشخاص يتحدرون من دول تُعتَبَر "آمِنة".
وعلى الرغم من أن مشروع هذا القانون لم يَرَ النور بعدُ، إلّا أن التشدد الحكومي على قدم وساق، حيث إن الإدارة تتجه أكثر نحو الفرز والطرد. وهو ما فضحته جمعية "يوتوبيا 56"، التي قررت الانسحاب من مركز الاستقبال الإنساني، الذي افتتحته الدولة قبل سنة في بورت لاشابيل، في باريس، والذي اعتبرته الجمعية لا يحمل من الإنسانية غير الاسم، كما أنه تحول إلى أداة للمُلاحقَة والفرز ثم الترحيل.
ومما يعزز القلق الذي ينتاب العاملين في القطاع الإنساني، كون البنى التحتية لاستقبال طالبي اللجوء غير كافية، فإذا كانت طاقتها الاستيعابية محددة في 38 ألفا و500 شخص، فإنها تستقبل نحو 110 آلاف طالب لجوء.
وفي ما يخص مراكز الاعتقال الإداري، فقد تم سنة 2016، ترحيل نحو 9500 شخص من بين 23 ألف معتقل فيها. كما عبرت الحكومة عن رغبتها في الإسراع في طرد 22 ألف شخص، من الذين تنطبق عليهم معاهدة دبلن ومن الذين رُفِضت طلبات لجوئهم، وهو ما يقترب من نسبة 70 في المائة من طالبي اللجوء.
ومما يزيد من معاناة المدافعين عن هؤلاء اللاجئين، الاتفاقات الأوروبية، مثل اتفاقات دبلن، التي تُسهّل عمليات الطرد، إضافة إلى الاتفاقيات التي تعقدها دول الاتحاد الأوروبي مع البلدان التي يتحدر منها هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين، مقابل مساعدات اقتصادية موعودة، وعلى رأسها أفغانستان وتركيا وليبيا والسودان والمغرب.
ومقابل مثل هذه المساعدات، تعبر هذه الدول الفقيرة، في معظمها، عن كامل استعدادها لاستقبال أبنائها دون إعارة انتباه لأي انتهاك للحقوق الأساسية للمطرودين ولا لحقوق الإنسان والمواطن.