ما حدث في الكويت خلال الأيام الماضية يعطي صورة مصغرة لما يمكن أن يكون عليه حال الاقتصاد الخليجي لو استغنت دول مجلس التعاون عن جزء من العمالة الوافدة إليها في إطار مواجهة الأزمة المالية العنيفة التي تمر بها، أو في حال طبقت بشكل صارم خطة "خلجنة" الوظائف، وهو الهدف الذي تسعى إليه منذ سنوات طويلة، لكنها فشلت في تطبيقه لأسباب عدة من أبرزها نقص الكوادر والخبرات الخليجية التي تغطي كل الوظائف الشاغرة خاصة في قطاعات حساسة لدول المنطقة مثل النفط والغاز والبنوك والقطاع المالي، وتفضيل الخليجي العمل في القطاع الحكومي ذي الراتب العالي والمضمون، ورفضه الالتحاق بالقطاع الخاص، بل ورفضه العمل في الوظائف الحرفية وأعمال البناء والتشييد.
وحسب الأرقام الحديثة، فإن هناك آلاف الشركات الخليجية تأثرت سلباً خلال الأيام الماضية بسبب نقص العمالة الوافدة، خصوصا تلك التي لم تتمكن من العودة إلى دول الخليج لوقف حركة الطيران وإعلاق الحدود، وأن هناك أكثر من 320 شركة كويتية تقدمت بالفعل بشكاوى إلى الجهات المسؤولة بالدولة بشأن استمرار غياب آلاف الموظفين، وعدم تمكن الشركات والمؤسسات التجارية من استئناف الأنشطة، وأن 78% من الشركات تواجه شبح الانهيار.
وكشف تقرير حكومي عن أن شركات القطاع الخاص الكويتي تواجه أزمة حادة تهدد استمرارية العمل والإنتاج بسبب هجرة العمالة الوافدة وتسريحها، وعدم تمكن عشرات الآلاف من الوافدين من العودة إلى الكويت بسبب استمرار غلق المطار حتى الآن.
يتكرر الأمر في دول خليجية أخرى قامت منذ شهر مارس/ آذار الماضي بتسريح عشرات الآلاف من العمالة الوافدة عقب تعرضها لأزمة مالية مزدوجة ناجمة عن استمرار تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، والخسائر الفادحة التي تتعرض لها هذه الدول جراء تفشي فيروس كورونا.
ومن المتوقع أن تتواصل موجة الاستغناء عن هذه العمالة الوافدة بحجة أنها تستنزف نحو 120 مليار دولار من احتياطيات الخليج سنويا، خاصة أن المؤشرات الحالية تؤكد أن الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها دول مجلس التعاون لن تنقشع قريبا.
وأكبر دليل على ذلك ما كشفه محافظ البنك المركزي السعودي، أحمد الخليفي، أمس السبت من أن اقتصاد المملكة تراجع في الربع الثاني من العام الجاري بدرجة أكبر من الشهور الثلاثة الأولى من العام، وأنه لا يتوقع تحسن الاقتصاد في الربع الثاني.
كما توقع صندوق النقد الدولي قبل ثلاثة أسابيع انكماش اقتصادات دول الخليج بنسبة 7.6% في العام الجاري 2020، متأثرا بتداعيات تفشي فيروس كورونا، وهو ما يعني استمرار هذه الدول في تطبيق سياسة التقشف التي من أبرز ملامحها تسريح المزيد من العمالة الوافدة، وتجميد المشروعات والاستثمارات الجديدة، والتوسع في الاقتراض الخارجي، والسحب من الاحتياطي الأجنبي.
في ظل هذه المؤشرات فإن أزمة سوق العمل في دول الخليج ستزداد تعقيدا في الفترة المقبلة، خاصة مع استمرار تراجع أسعار النفط، وظهور موجة ثانية من فيروس كورونا يعقبها تراجع الطلب العالمي على النفط الخليجي خاصة من قبل الصين والهند ودول جنوب شرق أسيا، واستمرار توقف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، خاصة أنشطة السياحة والسفر والطيران والحج والعمرة، وصعوبة عودة العمالة الوافدة إلى دول المنطقة بسبب وقف رحلات الطيران، أو اشتراط خضوع هؤلاء للحجر الصحي عقب عودتهم إلى أعمالهم.
وإذا ما صدقت التوقعات الصادرة يوم 23 مايو/أيار الماضي عن مؤسسة الأبحاث البريطانية "أكسفورد إيكونوميكس فإن ملايين العمال العرب والأجانب سيغادرون منطقة الخليج في الفترة المقبلة، وأن التوظيف في دول الخليج قد ينخفض 13% تقريبا، وهو ما يعني أن عدد العمالة الأجنبية التي ستغادر السعودية سيبلغ نحو 1.7 مليون عامل، وسيبلغ في الإمارات 900 ألف عامل، ويتكرر الأمر في الكويت وقطر وسلطنة عمان.