الدولة وحياة الفرد العربي
هل سيحتمل التاريخ ازدواجية الحقيقة، بعد أن ضربت طائرات عربية أرضاً عربية. هل سنستغبي أنفسنا؟ إن كان الشرك أكبر من فكرنا العذري، فكرنا الذي تبنّى كل الأفكار التاريخية ولم يبن فكراً عربياً خالصاً غير ديني.
لم تستطع المنطقة العربية أن تنتج فكراً واحداً تغزو فيه العالم بعيداً عن الدين. كل الأفكار والأحزاب والتوجهات مستوردة من خارج المنطقة، يسارية أو غير يسارية. نعلم جيداً، أن كل الدول العظمى، أو التي سعت إلى العظمة، وجدت مبادئ إنسانية أو اقتصادية تسوّقها.
أعلم جيداً أن رفاهية التصدير الفكري تحتاج قدرة اقتصادية وسياسية، لكن هذا لا ينفي أن الاشتراكية كانت منهجاً ثورياً تغييرياً، أدى إلى نهضة اقتصادية مؤقتة، ما يثبت أن الأفكار وتصديرها لا يقوم، بالأساس، إلا على محاكاة حاجة الشعوب.
عجزنا جميعاً أن نخلق قواعد أدبية إنسانية بحتة، والتي، بالتأكيد، هي أساس كل الديانات، فليس حفظ الدم الإنساني هو الأساس، بل الكرامة الإنسانية التي تحتم النظر لكرامة الفرد، قبل الحفاظ على حياته. ليست مهمة الدولة الحفاظ على حياة رعاياها بالقدر الذي تحافظ فيه على كرامتهم.
ماذا سنفعل إن اكتشفنا أن التطرّف، فعلاً، هو نتاج الشخصية العربية، وليس الأنظمة العربية؟ فهناك مجتمعات كثيرة تعرضت للاضطهاد، لكنها لم تتجه نحو التطرّف، الهند مثلاً والصين ورومانيا وروسيا ودول عديدة في أميركا اللاتينية. لم تنتج هذه الحالات تطرفاً فكرياً أو دينياً يشابه السيناريو نفسه الحاصل في المنطقة العربية.
إذا كان القهر هو السبب الحقيقي، فماذا سيحدث إن حاولنا علاج المشكلة بسببها؟ كأن تحاول إطفاء النار بشعلة إضافية، لا يخفى على أحد أن الظلم الواقع على الشعب العراقي الذي يصح عليه قول "عزيز قوم ذُل" أنتج هذا القهر، وانطلقت شرارة التطرّف من هناك. أيضاً، كما انطلق النضال المسلح من فلسطين رداً على الظلم وغياب العدالة العالمية، بينما نرى العكس في حالات أخرى، أيرلندا، التي استمرت في نزاع مسلح، وعمليات سميت بالإرهابية مع المملكة المتحدة، إلى أن أيقنت المملكة المتحدة أن الحل سياسي، فكان اتفاق الجمعة العظيمة الذي ضمن حقوق الشعب الأيرلندي.
إن أرادت دول العالم، والدول العربية خصوصاً، حل مشكلات الشرق، فيجب عليها تحمل مسؤولياتها، الولايات المتحدة مسؤولة، تماماً، عما يحدث، فالحرب ليست قوات تستعرض في وسط بغداد وتسقط تمثال صدام، إنما هي تحقيق أهداف، وبالتالي، يمكن الحكم على أهداف حرب أميركا في المنطقة، ألا وهي ما يحدث الآن من تفتيت. هذا لأن الفوضى نتاج حرب قامت بها الولايات المتحدة. وبالتالي، كل ما يحدث في المنطقة هو أهداف أميركية بالدرجة الأولى. لم يكن الكيماوي أو القاعدة، وإنما أهداف أوصلت المنطقة إلى ما أرادته الولايات المتحدة التي لا يخفى على أحد ارتباطها، وتدريبها القاعدة في بداياتها، وعونها النظم الديكتاتورية، أما الدول العربية فعليها مسؤولية خاصة جداً، وهي عدم عسكرة هذه الدول، ومسح البصمة الأمنية المفروضة على الشخصية العربية.
كانت المعضلة التي رفضها الشارع العربي السيطرة الأمنية، وأهمها كان في تونس، حيث امتاز نظام المخلوع بن علي بالسطوة الأمنية على المجتمع التي أدت إلى وجود مجتمع سري، بعيد كل البعد، عن أعين الدولة.
هذه دعوة إلى كل دولة تسعى إلى النجاح أن التغيير والإذعان للشعوب ليس خطأ، بل هو فعل تصحيحي، لا يتمثل بالعملية السياسية، إنما بالحياة العامة والخاصة. ابتعدوا عن حياة الفرد العربي، تنجحوا في وأد التطرّف، والذي هو رد فعل.