04 نوفمبر 2014
الربيع والمقاومة.. بين الحزب والحركة
في السنوات الأخيرة، برز كل من حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، كأشهر حركات المقاومة العربية في المنطقة. تجمعها المواجهة مع إسرائيل، والمرجعية الإسلامية، والتحالف مع سورية وإيران، ووجود الأذرع العسكرية الخاصة بهما، ودخولاهما المعترك السياسي في بلديهما.
تضخم الحزب والحركة، وازدياد تأثيرهما المحلي والعربي والإقليمي، عقَّدا وضخما علاقاتهما الخارجية، كان عليهما أن يبذلا جهداً استثنائياً، في إدارة علاقاتهما الخارجية، فالحزب من بين القوى اللبنانية صار الحليف الأول للنظام السوري في لبنان، على الرغم من عداوة قوى سياسية كثيرة لهذا النظام. وفي الوقت نفسه، صار الحزب حليف ميشيل عون الذي أخرجه الجيش السوري من بيروت في الثمانينيات. وعلى مستوى أبعد، صار الحزب حليف إيران التي تخاصمها دول عربية عدة، فيما يشبه الحرب الباردة، ويتزايد الانتقاد الشعبي لها، بسبب تغلغلها في المشرق العربي. أما "حماس"، فقد أخذت بقوة تزاحم حركة فتح (التاريخية) في تمثيل النضال الوطني الفلسطيني، وحين ارتفعت رايات التسوية في المنطقة، أصرت على الإمساك برايات المقاومة في فلسطين، بل ودخلت مع السلطة الفلسطينية في خصوماتٍ، امتدت إلى المواجهة المسلحة، ولكي تمد الحركة مشروعها بالدعم اللازم، أخذت تبحث عن حلفاء لها. وهنا، التقت الحركة بالحزب في دمشق وطهران. مع فارق أن الحركة ظلت تعلن، على الدوام، وبدبلوماسية عالية، استعداداها لبناء أي علاقة مثمرة مع أي طرف عربي، يبدي استعداداً. كانت تعول على تعدد مصادر الدعم، وكانت الحركة سعيدة بقدوم الرئيس محمد مرسي في مصر المجاورة.
صار الافتراق بين الحركة والحزب عندما طرق الربيع العربي أبواب سورية، وحُملت مشاعل الحرية في دمشق ودرعا وحمص وحماه. كان النظام السوري، قبل ذلك، يفوَّت الفرص في الإصلاح، يسجن المعارضين ويزيد من ترسانة الأمن الداخلي، ويشرع في لبرلةٍ اقتصادية، لا ينتفع منها إلا النافذون والقريبون منه. في الحقيقة، كانت هذه هي البرامج التي تتم إدارتها في سورية، كان النظام السوري يحمي كل هذا بديباجة (العروبة والمقاومة). وفي الحقيقة، أيضاً، لم يكن الجولان المحتل بعيداً بالقدر الذي كان عليه عشية اندلاع الثورة السورية، بل إن مواقف النظام التاريخية، كالوقوف إلى جانب إيران في الحرب ضد العراق، والتصويت في القمة العربية لصالح جلب قوات أجنبية إلى الخليج سنة 1990، وبعد ذلك الحماسة في إرسال قواته إلى حفر الباطن في حرب الخليج الثانية، تطرح سؤالاً
كبيراً حول موقع العروبة والمقاومة في خيارات هذا النظام.
هلل النظام السوري لسقوط نظام حسني مبارك في ثورة 25 يناير، واعتبره سقوطاً لكامب ديفيد. وهو يعتقد أن الثورات تكون باشتراطات مسبقة عليها من خارجها، وفي نظره، كان هو (أي النظام السوري) اشتراط أي ثورة وتغيير، فقد وُصف توريث الرئاسة في سورية في 2000 بالتغيير، لم يكن النظام حينها يتغير، بل كان يتمدد فوق سورية على خط الزمن. وحين أتى الربيع (التغيير الحقيقي) إلى أبواب سورية، تم قمعه بكل قوة.
كان النظام السوري كغيره من الأنظمة العربية، يفترض أن أي دعم يقدمه لأي طرف، يستلزم دعماً مقابلاً، دعماً حين الطلب، ماعدا ذلك فهو خيانة، وفي السياسة عادة، لا تُدعم قضية عادلة، لمجرد أنها قضية عادلة. خاض النظام السوري معركة وجودية ضد الثورة، إلى درجة أنه طلب الدعم من حركات المقاومة، كحزب الله وحماس، يبدو أنه اعتبر ذلك واجباً، فالنظام لا يرى فروقاً بينه وبين العروبة والمقاومة. ما حدث أن الحزب استجاب، بينما امتنعت الحركة، أو ماطلت، فخرجت، أو أُخرجت، من دمشق. في حرب 2012 على غزة، بدا واضحاً أن موقف النظام من الحركة تغير كثيراً، وذلك كله لأن الحركة لا ترى أن الطريق إلى القدس يكون بالضرورة عبر دمشق وطهران.
اختارت الحركة الربيع العربي والمقاومة، واختار الحزب المقاومة. ومن اختار المقاومة وأدار ظهره للربيع، فقد اختار مقاومة مشروطة، لأنها تقاوم بدعم مشروط، شرط وجود المقاومة الوحيد هو وجود العدوان والاحتلال. الدعم المشروط بدعم مقابل هو ما أرسل مكتب الحركة السياسي بعيداً عن دمشق.
كانت "حماس" فخورةً بانتخابها بغالبية كبيرة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2005 – 2006، ويمكن القول إنها كانت أول من كسب من مكاسب الربيع، قبل أن يحل الربيع، كان أحد قادتها يقول، بعد الحسم العسكري ضد فتح في 2007 "نحن نحمي قراراً عظيماً (صادراً) من الشعب الفلسطيني"، كان هذه القرار العظيم هو المقاومة، كانت حماس تُعول على هذا التصويت الديمقراطي، أو التفويض الشعبي في برنامج المقاومة، الأمر الذي يفتقده لبنان الطائفي سياسياً، حيث تصوت الطوائف لأحزابها. من الواضح، اليوم، أن الحركة حولت القطاع المحاصر إلى قلعة للمقاومة، تصد الحرب بعد الحرب. كان هذا قرار أحد الشعوب العربية، بينما كانت دعاية النظام السوري ضد ثورة الشعب السوري أن هذه الثورة ستجلب كارازاي سوري إلى دمشق، والشعب السوري أحد أكثر الشعوب العربية عروبة وممانعة.
وعلى الرغم من انتصاره الكبير في 2006، إلا أن أسهم حزب الله بلغت أدنى مستوياتها هذه الأيام، ولم يعد أمينه العام نجم شاشة الخبر السياسي. وعلى الرغم من الدعاية المعادية للحركة من النظام الرسمي العربي، إلا أن أسهمها في أعلى مستوياتها هذه الأيام، خصوصاً وهي تبني قدراتها الذاتية بنفسها، لتحرر نفسها من أي ارتهان لأي نظام عربي، أو إقليمي واشتراطاته.
بينما يتورط الحزب عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً في سورية، فإن حركة المقاومة الإسلامية، اليوم، على وشك انتصار ثالث على إسرائيل، الحركة المقاومة التي اختارت الربيع. وهذا الانتصار سيعزز قناعة "أن الطريق إلى القدس ليس بالضرورة مرورها عبر دمشق أو طهران ".
تضخم الحزب والحركة، وازدياد تأثيرهما المحلي والعربي والإقليمي، عقَّدا وضخما علاقاتهما الخارجية، كان عليهما أن يبذلا جهداً استثنائياً، في إدارة علاقاتهما الخارجية، فالحزب من بين القوى اللبنانية صار الحليف الأول للنظام السوري في لبنان، على الرغم من عداوة قوى سياسية كثيرة لهذا النظام. وفي الوقت نفسه، صار الحزب حليف ميشيل عون الذي أخرجه الجيش السوري من بيروت في الثمانينيات. وعلى مستوى أبعد، صار الحزب حليف إيران التي تخاصمها دول عربية عدة، فيما يشبه الحرب الباردة، ويتزايد الانتقاد الشعبي لها، بسبب تغلغلها في المشرق العربي. أما "حماس"، فقد أخذت بقوة تزاحم حركة فتح (التاريخية) في تمثيل النضال الوطني الفلسطيني، وحين ارتفعت رايات التسوية في المنطقة، أصرت على الإمساك برايات المقاومة في فلسطين، بل ودخلت مع السلطة الفلسطينية في خصوماتٍ، امتدت إلى المواجهة المسلحة، ولكي تمد الحركة مشروعها بالدعم اللازم، أخذت تبحث عن حلفاء لها. وهنا، التقت الحركة بالحزب في دمشق وطهران. مع فارق أن الحركة ظلت تعلن، على الدوام، وبدبلوماسية عالية، استعداداها لبناء أي علاقة مثمرة مع أي طرف عربي، يبدي استعداداً. كانت تعول على تعدد مصادر الدعم، وكانت الحركة سعيدة بقدوم الرئيس محمد مرسي في مصر المجاورة.
صار الافتراق بين الحركة والحزب عندما طرق الربيع العربي أبواب سورية، وحُملت مشاعل الحرية في دمشق ودرعا وحمص وحماه. كان النظام السوري، قبل ذلك، يفوَّت الفرص في الإصلاح، يسجن المعارضين ويزيد من ترسانة الأمن الداخلي، ويشرع في لبرلةٍ اقتصادية، لا ينتفع منها إلا النافذون والقريبون منه. في الحقيقة، كانت هذه هي البرامج التي تتم إدارتها في سورية، كان النظام السوري يحمي كل هذا بديباجة (العروبة والمقاومة). وفي الحقيقة، أيضاً، لم يكن الجولان المحتل بعيداً بالقدر الذي كان عليه عشية اندلاع الثورة السورية، بل إن مواقف النظام التاريخية، كالوقوف إلى جانب إيران في الحرب ضد العراق، والتصويت في القمة العربية لصالح جلب قوات أجنبية إلى الخليج سنة 1990، وبعد ذلك الحماسة في إرسال قواته إلى حفر الباطن في حرب الخليج الثانية، تطرح سؤالاً
هلل النظام السوري لسقوط نظام حسني مبارك في ثورة 25 يناير، واعتبره سقوطاً لكامب ديفيد. وهو يعتقد أن الثورات تكون باشتراطات مسبقة عليها من خارجها، وفي نظره، كان هو (أي النظام السوري) اشتراط أي ثورة وتغيير، فقد وُصف توريث الرئاسة في سورية في 2000 بالتغيير، لم يكن النظام حينها يتغير، بل كان يتمدد فوق سورية على خط الزمن. وحين أتى الربيع (التغيير الحقيقي) إلى أبواب سورية، تم قمعه بكل قوة.
كان النظام السوري كغيره من الأنظمة العربية، يفترض أن أي دعم يقدمه لأي طرف، يستلزم دعماً مقابلاً، دعماً حين الطلب، ماعدا ذلك فهو خيانة، وفي السياسة عادة، لا تُدعم قضية عادلة، لمجرد أنها قضية عادلة. خاض النظام السوري معركة وجودية ضد الثورة، إلى درجة أنه طلب الدعم من حركات المقاومة، كحزب الله وحماس، يبدو أنه اعتبر ذلك واجباً، فالنظام لا يرى فروقاً بينه وبين العروبة والمقاومة. ما حدث أن الحزب استجاب، بينما امتنعت الحركة، أو ماطلت، فخرجت، أو أُخرجت، من دمشق. في حرب 2012 على غزة، بدا واضحاً أن موقف النظام من الحركة تغير كثيراً، وذلك كله لأن الحركة لا ترى أن الطريق إلى القدس يكون بالضرورة عبر دمشق وطهران.
اختارت الحركة الربيع العربي والمقاومة، واختار الحزب المقاومة. ومن اختار المقاومة وأدار ظهره للربيع، فقد اختار مقاومة مشروطة، لأنها تقاوم بدعم مشروط، شرط وجود المقاومة الوحيد هو وجود العدوان والاحتلال. الدعم المشروط بدعم مقابل هو ما أرسل مكتب الحركة السياسي بعيداً عن دمشق.
كانت "حماس" فخورةً بانتخابها بغالبية كبيرة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2005 – 2006، ويمكن القول إنها كانت أول من كسب من مكاسب الربيع، قبل أن يحل الربيع، كان أحد قادتها يقول، بعد الحسم العسكري ضد فتح في 2007 "نحن نحمي قراراً عظيماً (صادراً) من الشعب الفلسطيني"، كان هذه القرار العظيم هو المقاومة، كانت حماس تُعول على هذا التصويت الديمقراطي، أو التفويض الشعبي في برنامج المقاومة، الأمر الذي يفتقده لبنان الطائفي سياسياً، حيث تصوت الطوائف لأحزابها. من الواضح، اليوم، أن الحركة حولت القطاع المحاصر إلى قلعة للمقاومة، تصد الحرب بعد الحرب. كان هذا قرار أحد الشعوب العربية، بينما كانت دعاية النظام السوري ضد ثورة الشعب السوري أن هذه الثورة ستجلب كارازاي سوري إلى دمشق، والشعب السوري أحد أكثر الشعوب العربية عروبة وممانعة.
وعلى الرغم من انتصاره الكبير في 2006، إلا أن أسهم حزب الله بلغت أدنى مستوياتها هذه الأيام، ولم يعد أمينه العام نجم شاشة الخبر السياسي. وعلى الرغم من الدعاية المعادية للحركة من النظام الرسمي العربي، إلا أن أسهمها في أعلى مستوياتها هذه الأيام، خصوصاً وهي تبني قدراتها الذاتية بنفسها، لتحرر نفسها من أي ارتهان لأي نظام عربي، أو إقليمي واشتراطاته.
بينما يتورط الحزب عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً في سورية، فإن حركة المقاومة الإسلامية، اليوم، على وشك انتصار ثالث على إسرائيل، الحركة المقاومة التي اختارت الربيع. وهذا الانتصار سيعزز قناعة "أن الطريق إلى القدس ليس بالضرورة مرورها عبر دمشق أو طهران ".