بين خيارين أحلاهما مر، تجد العاصمة السعودية الرياض نفسها، مجبرة على المفاضلة بين خيار مواصلة الحفاظ على تسعير وبيع نفطها بالدولار وفقدان السوق الصينية، أو بيع نفطها للصين باليوان وإغضاب واشنطن وحليفها الرئيس دونالد ترامب.
في هذا الصدد، قال البروفسور فالنتين كاتاسونوف الزميل بالأكاديمية الروسية للاقتصاد والأعمال في موسكو، إن السعودية تواجه منذ مدة ضغوطاً من بكين التي ترغب في شراء النفط السعودي بعملتها اليوان وليس بالدولار، تمهيداً لإطلاق بورصة العقود المستقبلية في تجارة النفط باليوان المدعوم بالذهب.
لكن الرياض التي تعتمد في أمنها على أميركا رفضت حتى الآن الاستجابة لمطالب بكين تسعير النفط باليوان، وذكر محللون أن هذا الرفض سيكلفها غالياً، وقال البروفسور الروسي كاتاسونوف في مقال بدورية "استراتيجيك كالشر ـ strategic culure foundation" التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية في موسكو، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن بكين تضغط على الرياض لقبول تسعير النفط باليوان أو ما سيطلق عليه "البترويوان"، عبر آلية تقليل مشترياتها من عقود أرامكو وزيادة مشترياتها من روسيا ودول أخرى تبيع لها النفط بالعملة الصينية.
وفي مقابل الضغط الصيني، تواجه الرياض ضغوطاً من واشنطن بالمحافظة على الدولار كعملة في تسعير النفط، أو ما يطلق عليه" البترودولار".
وبين فكي هذين العملاقين تضيق مساحة الحركة بالنسبة للرياض خلال العام الجاري والمقبل وتضيق الخيارات أمامها.
يذكر أن الرياض بثقلها النفطي هي التي ضغطت على دول "أوبك" لتسعير النفط بالدولار في أعقاب فك الولايات المتحدة ربط الدولار بالذهب، وهو ما نتج عنه وقتها انخفاضاً كبيراً في سعر صرف العملة الأميركية.
ولم يتمكن الدولار من الاستقرار في سوق الصرف العالمي، إلا بعد الاتفاق الذي تم بين الرياض وواشنطن على تسعير النفط بالدولار، في العام 1976.
ويشار إلى أن صفقات النفط السنوية في البورصات العالمية تقدر قيمتها بحوالى 1.72 ترليون دولار، كما أن العالم يستهلك يومياً أكثر من 93 مليون برميل، وهو ما يعني أن صفقات النفط العالمية هي الغطاء الحقيقي للدولار، بعد فك ارتباطه بالذهب.
ويلاحظ محللون دوليون أن هذا المبلغ الضخم من الصفقات النفطية سنوياً هو الذي يرفع الطلب على الدولار عالمياً، كاحتياطي في البنوك المركزية بالنسبة للدول التي تبيع النفط بالدولار، خاصة دول "أوبك"، أو بالنسبة للدول المشترية لاحتياجاتها النفطية التي تحتاج للدولار لشراء براميل الذهب الأسود.
وحسب هؤلاء فإن مشكلة السعودية أنها فقدت السوق الأميركية التي كانت المستهلك الرئيسي للنفط في العالم. وتحولت أميركا في أعقاب ثورة النفط الصخري وارتفاع انتاج النفط الأميركي إلى 9.3 ملايين برميل يومياً، من مستهلك للنفط السعودي إلى دولة نفطية مصدرة للنفط ومنافسة للسعودية.
وتواصل صادرات النفط السعودي للسوق الأميركي الانخفاض المتواصل، وتقدر حالياً بحوالى 800 ألف برميل يومياً، حسب معهد البترول الأميركي في يوليو/ تموز الماضي. وتذهب معظم الصادرات السعودية إلى مصفاة أرامكو في بورت آرثر.
وفي المقابل، فإن الصين تجاوزت الولايات المتحدة قبل عامين لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم. ويقدر حجم الاستهلاك النفطي في الصين بحوالى 11.7 مليون برميل يومياً، وذلك حسب الأرقام الرسمية الصينية التي نشرتها مصلحة الإحصاء في يونيو/ حزيران الماضي.
وتعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي، كما تربطها العديد من شراكات المصافي والتكرير.
وتصدر السعودية حوالى 1.3 مليون برميل يومياً إلى الصين، حسب الإحصائيات الرسمية الصينية.
وتشتري الصين حالياً النفط باليوان من مجموعة من الدول النفطية، من بينها روسيا وإيران ونيجيريا وأنغولا وفنزويلا، وترغب في ضم السعودية لهذه القائمة قبل نهاية العام الجاري، حيث ستبدأ عملياً تشغيل بورصة الصفقات الآجلة لبيع النفط باليوان المدعوم بالذهب.
وما يغري الرياض في العرض الصيني أنها ستستلم قيمة مبيعاتها النفطية بالذهب. ويلاحظ أن حجم التجارة السعودية مع الصين وباقي دول آسيا بات يتفوق على حجم تجارتها مع أميركا.
من جانبه توقع خبير أميركي أن يشهد العالم تحولاً قريباً من بيع النفط بالدولار إلى تسعيره وبيعه باليوان. وقال كبير الاقتصاديين والمدير التنفيذي لشركة "هاي فريكونسي ايكونومكس" الأميركية المتخصصة في الأبحاث والمعلومات، كارل وينبيرغ، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن الصين ستجبر السعودية قريباً على بيع النفط باليوان.
وأضاف وينبرغ في لقاء مع تلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي، "أعتقد أن عهد تسعير النفط باليوان قد اقترب، وسيبدأ مع قبول السعودية بيع نفطها باليوان، وفي حال قبول السعودية، فإن السوق النفطي سيتحول من الدولار إلى اليوان". أي أنه سيبدأ عهد البترويوان كبديل للبترودولار.
وتعمل الصين بكل ما في وسعها لتدويل اليوان، حيث أن حجم تجارتها مع دول يرتفع بمعدل يفوق حجم التجارة الأميركية، ولكنها في المقابل لا تزال أسيرة للدولار الذي تتم عبره تسوية حوالى 80% من الصفقات التجارية في العالم، كما أنه يحتل حصة 63% من احتياطات البنوك المركزية في العالم. ويسيطر على نظام التحويلات المالية "سويفت".
وحسب البروفسور الروسي كاتاسونوف، فإن السعودية التي تقع تحت النفوذ الأميركي ترفض حتى الآن تحويل تسعير النفط من الدولار تقف عقبة أمام طموحات الصين في تدويل اليوان. وقال إن هذه الرفض سيكلف الرياض غالياً، لأن الصين تبحث عن موردين آخرين للنفط غير السعودية للضغط على الرياض.
يذكر أن "أرامكو" لم تعد الجهة الأولى في تغذية السوق الصيني بالنفط، إذ احتلت هذا المركز الشركات الروسية وعلى رأسها "روسنفت".
وحول تأثير تحول مبيعات النفط من الدولار إلى اليوان على أميركا، قال الخبير الأميركي وينبرغ "التحول من الدولار إلى اليوان سيسحب مبالغ تراوح بين 600 إلى 800 مليار دولار سنوياً من الصفقات النفطية التي تتم المتاجرة فيها حالياً بالدولار".
وتعمل بكين على تقوية علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الرياض على أمل جذبها بعيداً من واشنطن، كما تستخدم روسيا نفوذها في المنطقة العربية للضغط على السعودية للتحول من مبيعات النفط بالدولار.
ولدى موسكو حالياً علاقات قوية مع معظم دول "أوبك"، بما في ذلك السعودية وتستهدف تدريجياً إقناع "أوبك" بالتخلي عن البترودولار.
يذكر أن الصين وقعت مع السعودية اتفاقيات تجارية مشتركة قيمتها 65 مليار دولار خلال زيارة الملك سلمان للصين في مارس/ آذار الماضي. وبالتالي، وحسب خبراء نفط، يمكن لبكين الضغط على الرياض، وابلاغها "في أعقاب افتتاح بورصة النفط باليوان الذهب لن أشتري النفط بالدولار، ما دامت لدي بورصة أشتري فيها النفط باليوان الذي يمكنك قبض ثمنه ذهباً".
ويلاحظ أن جزءاً من استراتيجية التعاون النفطي بين السعودية وروسيا، هو استهداف تحويل تجارة النفط من الدولار، أي القضاء على البترودولار، حتى تتمكن روسيا في تحالفها الجديد مع الصين ودول "بريكس" من التخلص من هيمنة الدولار على التجارة العالمية، الذي يكرس عملياً هيمنة أميركا على العالم، وإنشاء نظام نقدي جديد في العالم لا يعتمد على الدولار.
اقــرأ أيضاً
لكن الرياض التي تعتمد في أمنها على أميركا رفضت حتى الآن الاستجابة لمطالب بكين تسعير النفط باليوان، وذكر محللون أن هذا الرفض سيكلفها غالياً، وقال البروفسور الروسي كاتاسونوف في مقال بدورية "استراتيجيك كالشر ـ strategic culure foundation" التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية في موسكو، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن بكين تضغط على الرياض لقبول تسعير النفط باليوان أو ما سيطلق عليه "البترويوان"، عبر آلية تقليل مشترياتها من عقود أرامكو وزيادة مشترياتها من روسيا ودول أخرى تبيع لها النفط بالعملة الصينية.
وفي مقابل الضغط الصيني، تواجه الرياض ضغوطاً من واشنطن بالمحافظة على الدولار كعملة في تسعير النفط، أو ما يطلق عليه" البترودولار".
وبين فكي هذين العملاقين تضيق مساحة الحركة بالنسبة للرياض خلال العام الجاري والمقبل وتضيق الخيارات أمامها.
يذكر أن الرياض بثقلها النفطي هي التي ضغطت على دول "أوبك" لتسعير النفط بالدولار في أعقاب فك الولايات المتحدة ربط الدولار بالذهب، وهو ما نتج عنه وقتها انخفاضاً كبيراً في سعر صرف العملة الأميركية.
ولم يتمكن الدولار من الاستقرار في سوق الصرف العالمي، إلا بعد الاتفاق الذي تم بين الرياض وواشنطن على تسعير النفط بالدولار، في العام 1976.
ويشار إلى أن صفقات النفط السنوية في البورصات العالمية تقدر قيمتها بحوالى 1.72 ترليون دولار، كما أن العالم يستهلك يومياً أكثر من 93 مليون برميل، وهو ما يعني أن صفقات النفط العالمية هي الغطاء الحقيقي للدولار، بعد فك ارتباطه بالذهب.
ويلاحظ محللون دوليون أن هذا المبلغ الضخم من الصفقات النفطية سنوياً هو الذي يرفع الطلب على الدولار عالمياً، كاحتياطي في البنوك المركزية بالنسبة للدول التي تبيع النفط بالدولار، خاصة دول "أوبك"، أو بالنسبة للدول المشترية لاحتياجاتها النفطية التي تحتاج للدولار لشراء براميل الذهب الأسود.
وحسب هؤلاء فإن مشكلة السعودية أنها فقدت السوق الأميركية التي كانت المستهلك الرئيسي للنفط في العالم. وتحولت أميركا في أعقاب ثورة النفط الصخري وارتفاع انتاج النفط الأميركي إلى 9.3 ملايين برميل يومياً، من مستهلك للنفط السعودي إلى دولة نفطية مصدرة للنفط ومنافسة للسعودية.
وتواصل صادرات النفط السعودي للسوق الأميركي الانخفاض المتواصل، وتقدر حالياً بحوالى 800 ألف برميل يومياً، حسب معهد البترول الأميركي في يوليو/ تموز الماضي. وتذهب معظم الصادرات السعودية إلى مصفاة أرامكو في بورت آرثر.
وفي المقابل، فإن الصين تجاوزت الولايات المتحدة قبل عامين لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم. ويقدر حجم الاستهلاك النفطي في الصين بحوالى 11.7 مليون برميل يومياً، وذلك حسب الأرقام الرسمية الصينية التي نشرتها مصلحة الإحصاء في يونيو/ حزيران الماضي.
وتعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي، كما تربطها العديد من شراكات المصافي والتكرير.
وتصدر السعودية حوالى 1.3 مليون برميل يومياً إلى الصين، حسب الإحصائيات الرسمية الصينية.
وتشتري الصين حالياً النفط باليوان من مجموعة من الدول النفطية، من بينها روسيا وإيران ونيجيريا وأنغولا وفنزويلا، وترغب في ضم السعودية لهذه القائمة قبل نهاية العام الجاري، حيث ستبدأ عملياً تشغيل بورصة الصفقات الآجلة لبيع النفط باليوان المدعوم بالذهب.
وما يغري الرياض في العرض الصيني أنها ستستلم قيمة مبيعاتها النفطية بالذهب. ويلاحظ أن حجم التجارة السعودية مع الصين وباقي دول آسيا بات يتفوق على حجم تجارتها مع أميركا.
من جانبه توقع خبير أميركي أن يشهد العالم تحولاً قريباً من بيع النفط بالدولار إلى تسعيره وبيعه باليوان. وقال كبير الاقتصاديين والمدير التنفيذي لشركة "هاي فريكونسي ايكونومكس" الأميركية المتخصصة في الأبحاث والمعلومات، كارل وينبيرغ، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن الصين ستجبر السعودية قريباً على بيع النفط باليوان.
وأضاف وينبرغ في لقاء مع تلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي، "أعتقد أن عهد تسعير النفط باليوان قد اقترب، وسيبدأ مع قبول السعودية بيع نفطها باليوان، وفي حال قبول السعودية، فإن السوق النفطي سيتحول من الدولار إلى اليوان". أي أنه سيبدأ عهد البترويوان كبديل للبترودولار.
وتعمل الصين بكل ما في وسعها لتدويل اليوان، حيث أن حجم تجارتها مع دول يرتفع بمعدل يفوق حجم التجارة الأميركية، ولكنها في المقابل لا تزال أسيرة للدولار الذي تتم عبره تسوية حوالى 80% من الصفقات التجارية في العالم، كما أنه يحتل حصة 63% من احتياطات البنوك المركزية في العالم. ويسيطر على نظام التحويلات المالية "سويفت".
وحسب البروفسور الروسي كاتاسونوف، فإن السعودية التي تقع تحت النفوذ الأميركي ترفض حتى الآن تحويل تسعير النفط من الدولار تقف عقبة أمام طموحات الصين في تدويل اليوان. وقال إن هذه الرفض سيكلف الرياض غالياً، لأن الصين تبحث عن موردين آخرين للنفط غير السعودية للضغط على الرياض.
يذكر أن "أرامكو" لم تعد الجهة الأولى في تغذية السوق الصيني بالنفط، إذ احتلت هذا المركز الشركات الروسية وعلى رأسها "روسنفت".
وحول تأثير تحول مبيعات النفط من الدولار إلى اليوان على أميركا، قال الخبير الأميركي وينبرغ "التحول من الدولار إلى اليوان سيسحب مبالغ تراوح بين 600 إلى 800 مليار دولار سنوياً من الصفقات النفطية التي تتم المتاجرة فيها حالياً بالدولار".
وتعمل بكين على تقوية علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الرياض على أمل جذبها بعيداً من واشنطن، كما تستخدم روسيا نفوذها في المنطقة العربية للضغط على السعودية للتحول من مبيعات النفط بالدولار.
ولدى موسكو حالياً علاقات قوية مع معظم دول "أوبك"، بما في ذلك السعودية وتستهدف تدريجياً إقناع "أوبك" بالتخلي عن البترودولار.
يذكر أن الصين وقعت مع السعودية اتفاقيات تجارية مشتركة قيمتها 65 مليار دولار خلال زيارة الملك سلمان للصين في مارس/ آذار الماضي. وبالتالي، وحسب خبراء نفط، يمكن لبكين الضغط على الرياض، وابلاغها "في أعقاب افتتاح بورصة النفط باليوان الذهب لن أشتري النفط بالدولار، ما دامت لدي بورصة أشتري فيها النفط باليوان الذي يمكنك قبض ثمنه ذهباً".
ويلاحظ أن جزءاً من استراتيجية التعاون النفطي بين السعودية وروسيا، هو استهداف تحويل تجارة النفط من الدولار، أي القضاء على البترودولار، حتى تتمكن روسيا في تحالفها الجديد مع الصين ودول "بريكس" من التخلص من هيمنة الدولار على التجارة العالمية، الذي يكرس عملياً هيمنة أميركا على العالم، وإنشاء نظام نقدي جديد في العالم لا يعتمد على الدولار.