السوريون وأردوغان.. مديح الزعيم الأبدي
يحار المرء في سوريين لاجئين في تركيا، أو متواصلين على شبكات التواصل الاجتماعي، بشأن موقفهم من فوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية، إذ يبدو الأمر معهم، كما لو أن الحدث التركي حدث في سياق انتصار الثورة السورية وإعادة إعمار البلاد واستقرارها، لا حدثاً تركياً داخلياً لن يغير من مآلات الثورة السورية، ولن يترك أثراً كبيراً على الوضع السوري الراهن، ولن يعيد السوريين إلى بلدهم معززين مكرمين.
ما هو السبب، إذن، وراء تعاطي شريحة كبيرة من السوريين في تركيا مع هذا الحدث، بأسلوبٍ يقترب من التهافت بشكل ما، وبشكل آخر، قد يترك أثراً سلبياً على الوجود السوري في تركيا، لما يحمله هذا من استفزازٍ واضحٍ ومباشرٍ لمعارضي أردوغان وهم كثر، حيث فاز بنسبة 52% من أصوات الناخبين، وهي نسبة طبيعية في أية انتخابات ديموقراطية، وليست كاسحة، كما حلا لسوريين تصويرها، في تعبيرهم عن فرحهم لفوزه، أو في المسيرة المستفزة التي قاموا بها في أنطاكية، مستخدمين هتافات وشعاراتٍ، تذكر تماماً بهتافات السوريين أنفسهم، حين كانوا يخرجون في المسيرات المليونية محبة بالأب القائد الأسد، فإذا علمنا أن أنطاكية معقل المعارضة التركية لأردوغان، وقد نرى فيها صوراً من كل الأحجام لبشار الأسد ولحسن نصر الله، بسبب العلاقة المذهبية بين سكان أنطاكيا ورأس النظام السوري، سندرك حجم الكارثة المستقبلية على الوجود السوري، والتي قد يتسبب بها سلوك كهذا، في حال وجود من يريد استخدام السوريين ورقة سياسية في الداخل التركي، كما حدث لهم قبل عام في مصر.
لا ريب في أن ثمة شريحة سورية كبيرة ترى في فوز أردوغان استمراراً لوضعها الآمن في تركيا، وضماناً لحالة الاستقرار النسبية التي يعيشها السوريون هناك، ولا سيما وأن جزءاً من برنامج أردوغان ودعايته الانتخابية مبني على العلاقة مع اللاجئين السوريين، تحت شعارات الأخوة في الإسلام، وهو ما دغدغ مشاعر السوريين المسلمين واستغله السوريون الإسلاميون، لإعادة طرح فكرة الدولة الدينية الإسلامية في سورية، ومقياسهم لنجاحها ونجاحهم هو تركيا بعد استلام حزب العدالة والحرية، بزعامة أردوغان، الحكم، مما دفعهم إلى المبالغة في الاحتفال بفوزه ووصفه بالزعيم الإسلامي الكبير، في محاولة لإظهار أهمية الإسلام السياسي، الذي ينتمي إليه أردوغان، وقدرته على بناء دولة حديثة، متجاهلين، تماماً، أنه ما كان لمشروع النهضة أن ينجح، ولا لتركيا أن تقترب بخطواتها من مصاف الدول الكبرى المتقدمة، لولا الدستور العلماني، الذي يشكل رافعةً مهمةً، لأية عملية تنمية، والذي يكفل الحريات الاجتماعية والفردية، ويفصل الدين عن الدولة، ويضمن حق المواطنة للجميع.
على أن ثمة شريحة أخرى تعوض في احتفالاتها هذه عن خساراتها النفسية الفادحة في سورية، وتستبدل يأسها وخيبتها بحدثٍ، تتم استعارة رمزيته لاستعادة القليل من الأمل والحلم بدولة ديموقراطية، لا يبدو أن تحقيقه سيكون قريباً في سورية، فلا بأس من مشاركة أنصار أردوغان فرحهم، ولابأس من المزاودة عليهم في الفرح قليلاً، فالفرح المستعار غالباً ما يكون فضفاضاً ومبالغا فيه، لأنه ليس على المقاس الحقيقي، ولعل الشريحة الأكثر إثارة للإشكالية هي التي لا تزال تلعن التاريخ على انتهاء زمن الخلافة العثمانية، وترى، الآن، في فوضى الوضع السوري، وفي ارتفاع شأن أردوغان سليل النزعة العثمانية، ما يداعب أحلامها بعودة الخلافة الأبدية، خصوصاً، الآن، مع حضور الخليفة الداعشي الذي تعتبره هذه الشريحة خارجاً عن الدين الحقيقي.
ومع هذا الحلم، لا ترى هذه الشريحة مانعاً من ضم قسم من سورية مبدئيا إلى تركيا، على أن يتم إلحاق أرض الشام الشريفة بها، لاحقاً، بحجة أن الزمن هو زمن التحالفات الكبرى، وأن في سبيل الخلاص من نظام الأسد لا مانع من خطوة كهذه.
الإشكالية مع هذه الشريحة هي في أنها قد تكون كبيرة جداً، وأنها ذات يوم قد تشكل خطراً على وحدة سورية، مثل شريحةٍ من شرائح مؤيدي النظام السوري، والتي بدأ بعض أفرادها يروجون أنهم قد يتحالفون مع إسرائيل في وجه أي حكم إسلامي قريب، أو ما اصطلحوا على تسميته (الأسرلة ولا الأسلمة)، بموازاة شريحة أخرى مصرة، على الرغم من كل ما حصل، على ربط سورية بآل الأسد، حتى لو كان نتيجته خراب سورية بكاملها.
لم يستطع، لا الدم ولا الألم السوري، إذن، أن يفطم سوريين كثيرين عن التعلق بفكرة الزعيم القائد لرعيته، والذي منحه الله صفاتٍ تميزه عن البشر العاديين، وتمنحه خاصية الأبدية، التي تستدعي فداءه بالروح والدم وسرد المدائح المتلاحقة له وعنه.
يبدو السوريون، في غالبيتهم، متصالحين مع فكرة الزعيم الأبدي الخالد، بعضهم يدافع عن المستمر، الذي هو بشار الأسد، لدواع ذات طابع مذهبي أو طبقي، وبعضهم يبدو وكأن الأمر له هو استبدال المستمر بجديد للدوافع نفسها. أما الشريحة التي تؤمن بالحرية قيمة مجردة ومطلباً بذاتها ولذاتها فهي قليلة جداً، وربما لن تجد لها مكاناً، وسط هذا التطرف الهذياني المستعر.