31 أكتوبر 2024
السيسي ولعبة الهروب إلى الأمام
يحاول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التغطية على إخفاقاته المتوالية بالهروب إلى الأمام، من خلال تهديده بالتدخل العسكري في ليبيا، بعد التطورات الميدانية أخيرا التي شهدها الغرب الليبي. وإذا كان ذلك يعكس مأزقَ نظامه في التعاطي مع ما يشهده الإقليم من تحولات، فإنه يكشف، أيضا، عن جزء من حساباته الداخلية، في ضوء فشل سياساته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، آخرها كان إخفاقه في تدبير تداعيات جائحة كورونا. من هنا، لا يعدو هذا التهديد كونه محاولةً لاستثمار النفوذ العسكري التركي في ليبيا لإثارة حماس الرأي العام المصري، وإيهامه بأن التدخل في ليبيا يندرج ضمن سياق مواجهة خطر الجماعات المتطرّفة التي استقدمتها تركيا لتهديد الأمن القومي المصري.
أربكت الانتصارات الميدانية التي حققتها قوات الوفاق الوطني في الغرب الليبي، حسابات محور الثورة المضادة، الذي يرى في إقامة نظام مدني في ليبيا تهديدا حيويا لاستراتيجيته القائمة على تجفيف منابع التغيير الديمقراطي السلمي، ونشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. غير أن رد الفعل المصري إزاء هذه التحولات في ليبيا، وإنْ كان على صلةٍ بهذا المحور وما ينتظم حوله من تقاطبات إقليمية، إلا أنه يرتبط، أساسا، بما يحدث على الطرف الآخر من نهر النيل؛ ذلك أن السيسي يسعى، جاهدا، إلى الالتفاف على سوء إدارته أزمة سد النهضة، وصرف أنظار المصريين عن تداعيات خطئه الاستراتيجي حين وقّع قبل خمسة أعوام (2015) على إعلان مبادئ سد النهضة، وهو التوقيع الذي نجح المفاوض الإثيوبي في استخلاص عائداته بشكل متدرّج، وبالتالي، فرض سياسة الأمر الواقع.
أيهما أخطر على الأمن القومي المصري، الأزمة الليبية التي بات حلها رهينا بإنضاج التوافق، على حلٍّ سياسيٍّ ما، بين تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أم تنفيذ إثيوبيا قرارها ملء السد بما يحمله ذلك من تداعياتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كارثيةٍ على الشعب المصري؟
كان أحرى بالسيسي أن يبحث عن حل لمعضلة السد، سيما أن حليفتيه (الإمارات والسعودية) لا تبديان كبير اكتراث لهذه المعضلة، هذا في وقت تسعيان إلى توريطه في ليبيا أمام عجزهما عن مقارعة المارد التركي، تجنبا لتكرار فصول السيناريو اليمني.
يبدو تلويحُ السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا هروبا صريحا إلى الأمام، فنظامه لا يمتلك عناصر القوة الاقتصادية والسياسية التي تؤهله للعب دور القوة الإقليمية القادرة على التأثير في مجريات الأزمة الليبية، والدفع بها صوب حلٍّ متفاوض عليه، مع ما يترتب على ذلك من تقليص النفوذ التركي المتنامي في شرق المتوسط، هذا من دون الحديث عن أزمة الشرعية التي تلاحق نظامه منذ انقلابه المعلوم. يتعلق الأمر، إذن، بمناورةٍ إعلاميةٍ وسياسيةٍ مكشوفة تستهدف تحويل أنظار الرأي العام المصري من إثيوبيا صوب ليبيا، وتوظيف الحساسية المفرطة لقطاع من هذا الرأي تجاه السياسات التركية في المنطقة.
التلويحُ بالتدخل العسكري في ليبيا لا يعكس، فقط، ارتباكا استراتيجيا، بل يكشف، أيضا، غياب رؤية متكاملة لما يحدث في المنطقة؛ فقد كان في وسع النظام المصري أن يشكل جزءا من حل الأزمة الليبية، عبْر وساطة متوازنة بين أطراف النزاع، بيد أنه آثر الانحياز إلى طرفٍ من دون آخر، لاعتبارات داخلية بحتة تتعلق بأزمة الشرعية التي يعاني منها، فليس من مصلحته توصل الفرقاء الليبيين إلى حل سياسي يُؤدي إلى بناء دولةٍ ديمقراطيةٍ ومدنية، بما يشكل تهديدا لعقيدته الانقلابية. ولذلك وُلدت مبادرته (إعلان القاهرة) ميتة، ولم تكن أكثر من محاولةٍ يائسةٍ لإنقاذ المشروع العسكريتاري لخليفة حفتر وإعادة إنتاجه بشكل سخيف.
من ناحية أخرى، لا يُستبعد أن يكون هناك مخطط سعودي إماراتي لاستدراج الجيش المصري إلى رمال ليبيا المتحرّكة بغاية استنزافه، ما يفضي إلى خلط الأوراق وتعطيل الحل السياسي، وبالتالي، نجاح السعودية والإمارات في تنزيل الحلقة الليبية من الثورة المضادة، من دون تدخل عسكري مباشر منهما قد يكلفهما الكثير. ولذلك لم يكن مستغربا أن تُسارعا إلى إعلان تأييدهما ما جاء على لسان السيسي بشأن تدخّل الجيش المصري في ليبيا.
أيهما أخطر على الأمن القومي المصري، الأزمة الليبية التي بات حلها رهينا بإنضاج التوافق، على حلٍّ سياسيٍّ ما، بين تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أم تنفيذ إثيوبيا قرارها ملء السد بما يحمله ذلك من تداعياتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كارثيةٍ على الشعب المصري؟
كان أحرى بالسيسي أن يبحث عن حل لمعضلة السد، سيما أن حليفتيه (الإمارات والسعودية) لا تبديان كبير اكتراث لهذه المعضلة، هذا في وقت تسعيان إلى توريطه في ليبيا أمام عجزهما عن مقارعة المارد التركي، تجنبا لتكرار فصول السيناريو اليمني.
يبدو تلويحُ السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا هروبا صريحا إلى الأمام، فنظامه لا يمتلك عناصر القوة الاقتصادية والسياسية التي تؤهله للعب دور القوة الإقليمية القادرة على التأثير في مجريات الأزمة الليبية، والدفع بها صوب حلٍّ متفاوض عليه، مع ما يترتب على ذلك من تقليص النفوذ التركي المتنامي في شرق المتوسط، هذا من دون الحديث عن أزمة الشرعية التي تلاحق نظامه منذ انقلابه المعلوم. يتعلق الأمر، إذن، بمناورةٍ إعلاميةٍ وسياسيةٍ مكشوفة تستهدف تحويل أنظار الرأي العام المصري من إثيوبيا صوب ليبيا، وتوظيف الحساسية المفرطة لقطاع من هذا الرأي تجاه السياسات التركية في المنطقة.
التلويحُ بالتدخل العسكري في ليبيا لا يعكس، فقط، ارتباكا استراتيجيا، بل يكشف، أيضا، غياب رؤية متكاملة لما يحدث في المنطقة؛ فقد كان في وسع النظام المصري أن يشكل جزءا من حل الأزمة الليبية، عبْر وساطة متوازنة بين أطراف النزاع، بيد أنه آثر الانحياز إلى طرفٍ من دون آخر، لاعتبارات داخلية بحتة تتعلق بأزمة الشرعية التي يعاني منها، فليس من مصلحته توصل الفرقاء الليبيين إلى حل سياسي يُؤدي إلى بناء دولةٍ ديمقراطيةٍ ومدنية، بما يشكل تهديدا لعقيدته الانقلابية. ولذلك وُلدت مبادرته (إعلان القاهرة) ميتة، ولم تكن أكثر من محاولةٍ يائسةٍ لإنقاذ المشروع العسكريتاري لخليفة حفتر وإعادة إنتاجه بشكل سخيف.
من ناحية أخرى، لا يُستبعد أن يكون هناك مخطط سعودي إماراتي لاستدراج الجيش المصري إلى رمال ليبيا المتحرّكة بغاية استنزافه، ما يفضي إلى خلط الأوراق وتعطيل الحل السياسي، وبالتالي، نجاح السعودية والإمارات في تنزيل الحلقة الليبية من الثورة المضادة، من دون تدخل عسكري مباشر منهما قد يكلفهما الكثير. ولذلك لم يكن مستغربا أن تُسارعا إلى إعلان تأييدهما ما جاء على لسان السيسي بشأن تدخّل الجيش المصري في ليبيا.