جلست والدة الشهيد الفلسطيني محمد مطر (17 عاماً)، في منزلها، شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، بين أمّهات أربعة شهداء من قرية دير أبو مشعل. فهذه كانت طريقتهنّ لمؤازرتها والتخفيف عنها، هنّ اللواتي عشن هذه التجربة قبلها و هي التي استشهد ابنها صباح اليوم، الخميس، متأثراً بإصابته ليلاً برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب قريته.
ثلاث من الأمهات الأربع ما زلن ينتظرن جثامين أبنائهنّ التي لا يزال الاحتلال يحتجزها في ثلاجاته. الجثامين هي لأسامة عطا وبراء عطا وعادل عنكوش، كما هو حال جثمان محمد، المعتقل منذ ليلة أمس.
والدة مطر قالت كلمات قليلة، ولم تستطع إكمال حديثها. "في كل يوم أضع له طعام الغداء عصراً، ويخرج بعدها من المنزل. أمس، في الساعة الرابعة مساء، تناول طعام غدائه وخرج دون أن يقول شيئاً، رحمه الله، ماذا أستطيع أن أقول؟ نحن تحت الاحتلال، وماذا سأتوقع في ظلّ الاحتلال؟".
أمّا والدة الشهيد براء عطا، الذي استشهد عام 2017 في القدس، مع أسامة عطا وعادل عنكوش وهدم الاحتلال منازلهم الثلاثة، فقالت لـ"العربي الجديد": "لقد جئت وأمّهات الشهداء لمساندة والدة محمد مطر". وأضافت حول استمرار الاحتلال باحتجاز الجثامين: "حسبنا الله ونعم الوكيل بكل من لا يستطيع مساعدتنا، أطلقوا عليه النار واليوم يريدون تشريح جثمانه، وهم يعلمون ما الذي حصل؟ وكان باستطاعتهم أن لا يقتلوه، كان يمكن أن يعتقلوه، ولكن أرادوا قتله".
في مكان تجمّع الرجال المعزّين وسط قرية دير أبو مشعل، كرّر عمّ الشهيد ابراهيم مطر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، القول إنّ الاحتلال كان بإمكانه اعتقال الفتية الثلاثة، وبينهم الشهيد محمد مطر، وقال: "حتى لو كان هؤلاء الأطفال يلقون الحجارة، كان بإمكان جيش الاحتلال أن يوقفهم. إنّهم أطفال، ولكن أطلق عليهم الرصاص وأصاب اثنين إضافة إلى محمد. إنه جيش إرهابي لا يريد اعتقالهم بل يريد قتلهم والادعاء أنه يحارب الإرهاب".
وتابع: "هذا الشهيد الرابع الذي يسقط قرب قرية دير أبو مشعل، في شارع التفافي (في إشارة لشارع يمر منه المستوطنون)، بيننا وبين قرية عابود".
وتأخر إبلاغ ذوي الشهيد بمصيره طوال الليل، إذ أعلن جيش الاحتلال أنّه أطلق النار باتجاه الفتية، بدعوى امتلاكهم زجاجات حارقة وقيامهم بإشعال إطارات، ليبلّغ مسعف فلسطيني العائلة، صباح اليوم، باستشهاد ابنها، بعد ليلة طويلة قضتها العائلة كانت تعرف فيها أنّ محمد معتقل ومصاب. ولم تبلّغ العائلة بالخبر عبر جهة فلسطينية رسمية من السلطة الفلسطينية، في ظلّ وقف التنسيق الأمني ووقف الاتفاقيات مع الاحتلال ووقف التواصل بين الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي.
ويروي رئيس المجلس القروي لدير أبو مشعل عماد زهران، لـ"العربي الجديد"، الحادثة، مؤكداً أنّ قوات الاحتلال أطلقت النار على الفتية الثلاثة، وهم دون سن الـ18 عند الساعة العاشرة مساءً، حين كانوا على أطراف القرية قرب الشارع الالتفافي. أصيب الفتية الثلاثة، ونقل اثنان منهم إلى القرية حيث قدّمت لهم الإسعافات الأولية، قبل نقلهما إلى مستشفيات رام الله، فيما اعتقل مطر وحالته خطيرة، ليعلن صباحاً عن استشهاده.
ويشكّل الطريق الالتفافي "الاستيطاني"، الواقع شمال غرب دير أبو مشعل، ويربط عدة مستوطنات مقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة، خطراً حقيقياً على حياة الأهالي، خاصة أنهم يتواجدون باستمرار في أراضيهم الزراعية المزروعة بالأشجار والمصنفة "ج"، وفق اتفاقية أوسلو، وفق ما يفيد به زهران.
ويقول زهران: "يدّعي الاحتلال أنّ هذا الشارع الالتفافي يشهد عمليات إلقاء حجارة وزجاجات حارقة، بما أنّ المستوطنين يمرّون فيه". لكنه أكّد أنّ أي شخص يوجد فيه، حتى لو كان كبيراً بالسن، معرّض لإطلاق النار. قائلاً: "هذا الأمر يتكرر"، وأشار إلى استشهاد 4 فلسطينيين بعد العام 2000 في المكان ذاته.
وحول احتجاز جثمان الشهيد، أوضح زهران أنّ نادي الأسير الفلسطيني أبلغ العائلة بضرورة توكيل محاميه لمتابعة قضية تسليم الجثمان، الذي تحتجزه قوات الاحتلال في مركز أبو كبير.
وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين، الذين يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم في الثلاجات بعد عام 2015، إلى 66 شهيداً، كما أكّدت منسّقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين سلوى حماد، لـ"العربي الجديد".