03 اغسطس 2022
الشوفينية اللبنانية تجاه النازحين السوريين
العنصرية والشوفينية ليستا ابتداعا لبنانيا، ولا وليدتي الأمس، وانما هما من خصائص الأنظمة الاستبدادية القومية والشعبوية التي عرفتها الشعوب على مر الزمن. غير أن الطاقم الحاكم اليوم في لبنان، وهو مزيج من شعبوية عائلية تسلطية وصبيانية رعناء، يحاول أن يمارس عنصرية وشوفينية لبنانية أقرب إلى نسخةٍ رثةٍ مما كانت تمارسه أنظمة حزب البعث البائد في المحيط، فمشكلة لبنان ليست تحويله إلى حكم العائلة والحاشية، ولا تحويله مزرعةً ينهب منها كل فريق من أفرقاء السلطة ما استطاعت يداه وأزلامه، وليست تقويض السلطة ومؤسساتها وزرع المحاسيب، وليست عقد الصفقات وتقاسم الحصص في قطاعاتٍ حيوية بملايين الدولارات على حساب أموال الخزينة، فيما يبقى اللبنانيون من دون كهرباء، ومن دون شبكة إنترنت فعالة وسريعة تلبي حاجات العصر، مع بنى تحتية مهترئة، وحتى النفايات تبقى في الشوارع.
الأسوأ من ذلك كله ليس الفساد المستشري والمعمّم، وليس انتقال إدارة الحكم من وصاية إلى أخرى، وليس استمرار اختيار تمثيل الناس، وتصنيفهم وشحنهم على أساس طائفي ومذهبي بغيض... مشكلة لبنان وآفته الكبرى بالنسبة للقابضين على السلطة تكمن في الوجود غير اللبناني. وتحديدا النازحين السوريين، وخصوصا مئات آلاف المعدمين المقيمين تحت الخيم
كيفما اتفق، والذين يلهو صغارهم حفاةً بين الأوحال، وتحت الشمس الحارقة، يشربون المياه الملوثة، وينتظرون كسرة الخبز من موظفي الأمم المتحدة، وعناية جهود هيئات أهلية تطوعية. هؤلاء هم مشكلة لبنان الكبرى، بالنسبة لمتسلقين وانتهازيين من حديثي النعمة، سلطة ونفوذا ومالا. ويجب أن يرحلوا في أسرع وقت، وبأي طريقة، أي أن يرجعوا إلى تحت سلطة جلادهم ومشرّدهم، وليس العودة الطوعية والآمنة، كما تنص عليها قرارات الأمم المتحدة، وكل مؤتمرات الدول الاوروبية الممولة والراعية للنازحين، والداعمة للدول المضيفة لهم.
أما "النازحون" من أصحاب الأموال والمشاريع، ومن أصدقاء النظام وعاقدي الصفقات له وعنه، ومنهم من هو مطلوبٌ للعدالة، وملاحقٌ من الإنتربول الدولي، فهؤلاء مرحبٌ بهم، ويُصدر رئيس الجمهورية مراسيم خصيصا من أجل منحهم الجنسية اللبنانية. وقد حاول أحد أركان الحكم النافذين جدا، والممسكين بزمام الأمور، استعمال الوجود الفلسطيني فزّاعة للتهويل على اللبنانيين، مشبها ملف النزوح السوري بمأساة اللجوء الفلسطيني، للقول إن النازحين السوريين سيبقون في النهاية في لبنان، كما بقي مئات آلاف الفلسطينيين. وليس مهما التمييز بين قضية شعبٍ اغتصب وطنه، واقتلع من أرضه، وشعب شرّده وقتله نظامه الاستبدادي. وليس مهما بالتالي الخلط بين الأسباب والظروف والنتائج. المهم إثارة العصبية والشوفينية اللبنانية، للكسب السياسي والانتخابي الرخيص، عبر تغذية النعرات العنصرية والكراهية ضد السوري والفلسطيني الذي ينافس اللبناني على لقمة عيشه، وليس ضد النظام السوري الذي كان يمارس القمع ضد السوريين واللبنانيين على السواء، أو ضد المغتصب والمحتل الإسرائيلي.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن النزوح السوري الذي بلغ نحو مليون ونصف المليون (ثلث عدد سكان لبنان) يثقل كاهل لبنان الذي لا قدرة له على تحمل أعباء ومستلزمات إقامة هذا العدد الهائل من البشر. لا اقتصاديا ولا خدماتيا، ولا رعايةً صحية وغذائية، لا حتى ميدانيا. كما أن لا أحد يقبل أن يبقى النازحون في لبنان، ولا هم يقبلوا أن يُقتلعوا من مدنهم وقراهم وديارهم وأرضهم، حيث نشأوا وترعرعوا ليعيشوا عيشة اللاجئ الذي يبقى غريبا، مهما بلغت درجة الاهتمام والرعاية به وتقبله. على الرغم من أن السوري يبقى سورياً، ويحمل جنسية بلده حتى إشعار آخر، وليس كالفلسطيني المقتلع، بلا هوية ولا أرض ولا وطن.
ولكن مأساة سورية تستمر منذ أكثر من سبع سنوات، ولا يمكن التكهن ما إذا كانت هذه الحرب ستنتهي، كيف ومتى. فمنذ اليوم الأول لبداية النزوح، مع انفجار الثورة ضد نظام بشار الأسد في مارس/ آذار 2011، لم تهتم الحكومات اللبنانية المتعاقبة لوضع خطةٍ جديةٍ ومسؤولةٍ وبعيدة النظر لمواجهة تدفق الهاربين من نيران النظام ومجازره وبراميله المتفجرة، وضبط هذا النزوح الهائل وتنظيمه. لا بل حاول كل فريق توظيفه في حساباته السياسية، وبالأخص الفريق "الممانع" حليف الأسد، والذي سعى، منذ البداية، إلى إلصاق صبغة الإرهاب بالنازحين، والتعامل مع المخيمات باعتبارها بؤرا إرهابية. وقد طالب يومها أحد أطراف هذا الفريق (التيار العوني) بإقامة نوعٍ من الحجر عليهم، وحصرهم في مخيماتٍ على الحدود اللبنانية – السورية، لكي يظلوا تحت رقابة النظام السوري، فيما كان رئيس هذا التيار، ميشال عون، يبشر كل أسبوع ومنذ 2013 بالقضاء على الثورة، وقرب عودة السوريين إلى بلادهم.
اليوم، ومع تطورات الميدان، وما أفضت إليه الطبخات الإقليمية والدولية، يعتقد الفريق
"الممانع" والمهيمن أن الأسد قد انتصر، وأن السيطرة استتبت له في معظم الأراضي السورية التي أصبحت بنظرهم آمنة، ويجب أن يعود النازحون إليها، وهي محاولةٌ خبيثةٌ لتسويق نظرية أن الأمن والأمان يتوفرا فقط في ظل سلطة الحاكم الظالم والمستبد، وهو ذاته الذي لم يتغير. فما هي الضمانات التي يمكن أن يأمنها نظام طلب أخيرا من السوريين (مرسوم رقم 10) أن يقدّموا أوراقا تثبت أنهم مالكو عقاراتهم، أو منازلهم التي أجبرهم على مغادرتها، خوفا وهربا من جرائمه، ومن رعب أذرع النظام الإيراني، الميليشيات الشيعية المختلفة، وفتكها.
ويسارع وزير الخارجية، جبران باسيل، بماكيافللية بائسة، إلى ملاقاة النظام، معلنا حرباَ دونكيشوتية على المفوضية العليا للاجئين، ويتهمها بتحريض النازحين على عدم العودة، ويتحدّى الدول المانحة والأمم المتحدة، رافضا مقولة "العودة الطوعية والآمنة"، ويقرّر ترهيب موظفيها برفض تجديد إقامتهم في بيروت. ويتضامن معه جمهور واسع من اللبنانيين. وبعدها يتم فجأة الإعلان عن سيناريو بدء عملية إعادة مجموعة من النازحين، ينظمها "رجل كل العهود والمهمات"، مدير الأمن العام، عباس إبراهيم، والتي ينكشف سريعا بؤسها: 300 شخص؟!
المشهد الأكثر إساءة للنازحين ومخجلا للبنان هو وقوف النازحين العائدين على الحدود، يشكرون ويحمدون السلطات اللبنانية التي تستعد لتسليمهم إلى سلطات النظام، وفي يد كل واحدٍ منهم بطاقةُ تعرّف عنه، وكأنهم يساقون إلى مصيرهم المجهول – المعلوم. وذلك كله من أجل التحضير للتطبيع، وإعادة العلاقات الرسمية مع نظام الاستبداد والإبادة، تنفيذا لإرادة من فرض ميشال عون رئيسا للجمهورية.
الأسوأ من ذلك كله ليس الفساد المستشري والمعمّم، وليس انتقال إدارة الحكم من وصاية إلى أخرى، وليس استمرار اختيار تمثيل الناس، وتصنيفهم وشحنهم على أساس طائفي ومذهبي بغيض... مشكلة لبنان وآفته الكبرى بالنسبة للقابضين على السلطة تكمن في الوجود غير اللبناني. وتحديدا النازحين السوريين، وخصوصا مئات آلاف المعدمين المقيمين تحت الخيم
أما "النازحون" من أصحاب الأموال والمشاريع، ومن أصدقاء النظام وعاقدي الصفقات له وعنه، ومنهم من هو مطلوبٌ للعدالة، وملاحقٌ من الإنتربول الدولي، فهؤلاء مرحبٌ بهم، ويُصدر رئيس الجمهورية مراسيم خصيصا من أجل منحهم الجنسية اللبنانية. وقد حاول أحد أركان الحكم النافذين جدا، والممسكين بزمام الأمور، استعمال الوجود الفلسطيني فزّاعة للتهويل على اللبنانيين، مشبها ملف النزوح السوري بمأساة اللجوء الفلسطيني، للقول إن النازحين السوريين سيبقون في النهاية في لبنان، كما بقي مئات آلاف الفلسطينيين. وليس مهما التمييز بين قضية شعبٍ اغتصب وطنه، واقتلع من أرضه، وشعب شرّده وقتله نظامه الاستبدادي. وليس مهما بالتالي الخلط بين الأسباب والظروف والنتائج. المهم إثارة العصبية والشوفينية اللبنانية، للكسب السياسي والانتخابي الرخيص، عبر تغذية النعرات العنصرية والكراهية ضد السوري والفلسطيني الذي ينافس اللبناني على لقمة عيشه، وليس ضد النظام السوري الذي كان يمارس القمع ضد السوريين واللبنانيين على السواء، أو ضد المغتصب والمحتل الإسرائيلي.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن النزوح السوري الذي بلغ نحو مليون ونصف المليون (ثلث عدد سكان لبنان) يثقل كاهل لبنان الذي لا قدرة له على تحمل أعباء ومستلزمات إقامة هذا العدد الهائل من البشر. لا اقتصاديا ولا خدماتيا، ولا رعايةً صحية وغذائية، لا حتى ميدانيا. كما أن لا أحد يقبل أن يبقى النازحون في لبنان، ولا هم يقبلوا أن يُقتلعوا من مدنهم وقراهم وديارهم وأرضهم، حيث نشأوا وترعرعوا ليعيشوا عيشة اللاجئ الذي يبقى غريبا، مهما بلغت درجة الاهتمام والرعاية به وتقبله. على الرغم من أن السوري يبقى سورياً، ويحمل جنسية بلده حتى إشعار آخر، وليس كالفلسطيني المقتلع، بلا هوية ولا أرض ولا وطن.
ولكن مأساة سورية تستمر منذ أكثر من سبع سنوات، ولا يمكن التكهن ما إذا كانت هذه الحرب ستنتهي، كيف ومتى. فمنذ اليوم الأول لبداية النزوح، مع انفجار الثورة ضد نظام بشار الأسد في مارس/ آذار 2011، لم تهتم الحكومات اللبنانية المتعاقبة لوضع خطةٍ جديةٍ ومسؤولةٍ وبعيدة النظر لمواجهة تدفق الهاربين من نيران النظام ومجازره وبراميله المتفجرة، وضبط هذا النزوح الهائل وتنظيمه. لا بل حاول كل فريق توظيفه في حساباته السياسية، وبالأخص الفريق "الممانع" حليف الأسد، والذي سعى، منذ البداية، إلى إلصاق صبغة الإرهاب بالنازحين، والتعامل مع المخيمات باعتبارها بؤرا إرهابية. وقد طالب يومها أحد أطراف هذا الفريق (التيار العوني) بإقامة نوعٍ من الحجر عليهم، وحصرهم في مخيماتٍ على الحدود اللبنانية – السورية، لكي يظلوا تحت رقابة النظام السوري، فيما كان رئيس هذا التيار، ميشال عون، يبشر كل أسبوع ومنذ 2013 بالقضاء على الثورة، وقرب عودة السوريين إلى بلادهم.
اليوم، ومع تطورات الميدان، وما أفضت إليه الطبخات الإقليمية والدولية، يعتقد الفريق
ويسارع وزير الخارجية، جبران باسيل، بماكيافللية بائسة، إلى ملاقاة النظام، معلنا حرباَ دونكيشوتية على المفوضية العليا للاجئين، ويتهمها بتحريض النازحين على عدم العودة، ويتحدّى الدول المانحة والأمم المتحدة، رافضا مقولة "العودة الطوعية والآمنة"، ويقرّر ترهيب موظفيها برفض تجديد إقامتهم في بيروت. ويتضامن معه جمهور واسع من اللبنانيين. وبعدها يتم فجأة الإعلان عن سيناريو بدء عملية إعادة مجموعة من النازحين، ينظمها "رجل كل العهود والمهمات"، مدير الأمن العام، عباس إبراهيم، والتي ينكشف سريعا بؤسها: 300 شخص؟!
المشهد الأكثر إساءة للنازحين ومخجلا للبنان هو وقوف النازحين العائدين على الحدود، يشكرون ويحمدون السلطات اللبنانية التي تستعد لتسليمهم إلى سلطات النظام، وفي يد كل واحدٍ منهم بطاقةُ تعرّف عنه، وكأنهم يساقون إلى مصيرهم المجهول – المعلوم. وذلك كله من أجل التحضير للتطبيع، وإعادة العلاقات الرسمية مع نظام الاستبداد والإبادة، تنفيذا لإرادة من فرض ميشال عون رئيسا للجمهورية.