تشهد مساجد موريتانيا صراعا محموما بين الأئمة ووزارة الشؤون الإسلامية بعد محاولات الأخيرة السيطرة على المساجد، وتوجيه خطب الجمعة، الأمر الذي يلقى معارضة واتهامات للوزارة بـ"إهمال المساجد والأئمة".
ويوضح إمام مسجد التقوى في دار النعيم، محمد عبد الرحمن ولد التقي، لـ "العربي الجديد" أن:"محاولات السيطرة على المساجد ستفشل لأن المجتمع الموريتاني يحتضن المساجد، وينفق على تنظيفها ورعايتها، كما يدفع المتطوعون رواتب المؤذن والأئمة".
ويضيف ولد التقي "محاولات فرض خطبة الجمعة على المساجد تسحب صلاحيات الأئمة، وهو بمثابة تغييب متعمد لدور المنابر في نشر الوعي الشرعي، وفق حاجة رواد المساجد"، معتبراً أن إمام المسجد يعرف جمهوره، وهو يوجه ويرشد، ولا يحتاج إلى خطبة معلبة رتيبة يقرأها على الناس".
ويطالب ولد التقي السلطات الموريتانية بـ "الاعتناء بالمساجد، والتكفل بنفقاتها، وعدم الاستماع إلى من يحرضون الدولة على التدخل في شؤون المساجد، وإذا كان لا بد للدولة أن تتدخل فمن خلال توجيه الإمام، على سبيل التوصية فقط".
ويعتبر إمام مسجد في مقاطعة توجنين، علي ولد يرب، محاولات تدخل السلطات في شؤون المساجد فشلت لأن الأئمة لم يلتزموا بالخطب التي أرسلتها الوزارة، حتى إمام الجامع الكبير لم يلتزم إلا بموضوع الخطبة.
ويقول ولد يرب لـ"العربي الجديد": "السلطات الموريتانية جربت التدخل في شؤون المساجد خلال عهد الرئيس السابق معاوية ولد الطائع، وأدى ذلك إلى انتشار الخلافات في المساجد، وكان تأثيره سلبيا على سمعة الدولة ودور المساجد".
ويعترف ولد يرب بأن "الدولة حاولت قبل أعوام أن تحسن ظروف المساجد عبر تنظيم مسابقة للأئمة وتحديد رواتبهم، لكن هذه الجهود توقفت، ومعظم المساجد بنيت عبر الجمعيات الخيرية في الخليج أو من خلال التطوع، فالوزارة لا تملك وسائل تخولها فرض هيمنتها على المساجد".
وتشكو بعض مساجد موريتانيا من الفوضى والإهمال، حيث تتراكم عليها فواتير الماء والكهرباء بسبب التسيير الفردي لمصالح المساجد، وتركها للمتطوعين، في حين تحاول الوزارة المعنية أن تفرض سيطرتها على المساجد عبر اكتتاب بعض الأئمة، والخطب الموحدة على المساجد، غير أنها فشلت حتى الآن وفق بعض المتابعين، بسبب هيمنة المجتمع على المساجد، لجهة بنائها واختيار المؤذن والإمام فيها، والإنفاق على مختلف مصالحها.
ومع تباين وجهات نظر أئمة المساجد بشأن محاولة الوزارة وضع يدها على المساجد، إلا أن الجميع متفق على أهمية تحمل الدولة النفقات المالية للمساجد، وأن تترك لها هامشا من الحرية لتبقى فضاء دينيا مفتوحا.
غير أن انتشار الصراعات في المساجد، والخوف من انتشار الخطاب المتطرف داخلها دفع السلطات الموريتانية في السنوات الأخيرة إلى محاولة التدخل كجزء من معركتها ضد التطرف. وتعتبر المساجد نموذجا لهيمنة المجتمع على الدولة في موريتانيا، وهي ظاهرة تتجلى في المجالات الدينية والاجتماعية، بفعل عوامل على رأسها حداثة الدولة في موريتانيا، والمكانة الكبيرة التي يحظى بها الدين ورموزه في مجتمع مسلم.