لا تقوى روتنا على الكلام كثيراً. غصّة ذكرى ما ترويه كافية لتُظهر ألم ما كانت تعيشه في منزل مخدوميها. تروي روتنا، وهي عاملة بنغلادشيّة في لبنان، أنّها غادرت منزل صاحب العمل لأنّها لم تعد تحتمل أن تأكل من النفايات. "كانوا يضربونني كثيراً، لكنّ هذا ليس سبب المغادرة، غادرتُ لأنّهم لم يعطوني طعاماً".
قصّة روتنا تختلف عن قصّة نيتا، لكنّ النهاية هي ذاتها: الهرب. تروي نيتا أنّ صاحبة المنزل لم تعنّفها قطّ، لكنّها تتحدّث كيف كان صاحب المنزل يتحرّش بها. تقول العاملة البنغلادشيّة: "كان يطلب مني أن أدلك جسده، ويمدّ يده إلى صدري ويضمني ...، ويهددني بالقتل إذا أخبرت أحداً".
شهادتا روتنا ونيتا، كانتا جزءاً من شهادات لعاملات أجنبيّات ضمن دراسة أجرتها جمعية "كفى عنفاً واستغلالاً" بالتعاون مع "المفكرة القانونيّة" في يناير/كانون الثاني الماضي، عن أوضاع العمالة الأجنبية في لبنان.
تقول العاملة الإثيوبيّة بيتي، إنّ رجلاً في مكتب الاستقدام اعتدى عليها، وضربها بشكل مبرح ثم اغتصبها، بعد سوء تفاهم حصل مع مستخدميها. تبكي بيتي وهي تروي القصة، لكنّها خرجت للإعلام في شهر مارس / آذار الماضي لتخبر قصتها.
تعددت الأسباب والظلم واحد
تختلف قصص العاملات الأجنبيّات، وتتفاوت ظروف عملهنّ، لكن معاناتهنّ بمجملها تحمل الكثير من الظلم. ويدعو وضع العاملات الأجنبيّات في لبنان إلى القلق. تتعرّض العاملات لشتّى أنواع الانتهاكات بحقّهنّ، ابتداءً من العنف اللفظي، مروراً بالضرب، وصولاً إلى القتل. ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحدّ، فتُعامل العديد من العاملات بطريقة سيئة، تحرمهنَ من الإجازات، ويُطلب منهنّ القيام بعمل إضافيّ من دون أيّ زيادة تذكرعلى الراتب. وجرّاء نظام الكفالة المُتّبع في لبنان، تُحجز حريّة العاملات من قبل المستخدم.
تكشف الباحثة في مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في لبنان وسورية لمى فقيه لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك حوالى 200 ألف عاملة منزل في لبنان. كل عاملة مهاجرة في البلد تخضع لنظام الكفالة. هذا يعني أن إقامتهنّ في البلد وقدرتهنّ على العمل مرتبطة بصاحب
عمل محدّد"، وتؤكّد أنّ "لبنان ليس وحده، فهذا الأمر يُطبّق أيضاً على العديد من دول المنطقة ودول الخليج". وتوضح فقيه في هذا السياق أنّ "الانتهاكات التي تحصل في لبنان تتكرّر في دول أخرى". وتُثبتُ الدراسات أنّ العاملات الأجنبيّات يتعرّضن لانتهاك واسع لحقوقهنّ في العالم العربيّ. وتقول الباحثة المعنيّة بحقوق المرأة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" نيشا فاريا إنّ "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد بعض أسوأ الانتهاكات ضد العمالة المنزليّة". وتشير إلى أنّ "وتيرة الإصلاحات في السعودية والكويت والإمارات وقطر ولبنان متباطئة ومتأخرّة ودون المستوى المطلوب".
تستبعد أغلب الدول الشرق أوسطية عمال المنازل كلياً من قوانينها العمّاليّة. لا يحقّ لهم إجازات أسبوعيّة، وليس هناك حدّ أقصى لساعات العمل، ولا حد أدنى للراتب، أو حتى مقابل لساعات العمل الإضافيّ. وتتعرّض عاملات المنازل الوافدات لأوضاع عمل استغلاليّة تشمل العمل لساعات طويلة يومياً وعدم الحصول على أوقات راحة أو أيّام راحة، وأوضاع السكن السيّئة والقيود على حريّة التنقّل وتكوين الجمعيّات.
كفالة وإذعان
قدّرت كل من الشبكة الدوليّة للعمال المنزليين، والكونفدرالية الدولية للنقابات العمالية، وهيومن رايتس ووتش، في تقرير مشترك أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2013 الماضي، وجود حوالى 53 مليوناً من العمال المنزليين في شتى أنحاء العالم. وأظهر التقرير أن الأغلبيّة العظمى من هؤلاء هن من السيدات والفتيات، فيما يُستبعد 30 في المائة منهم من قوانين العمل الوطنيّة الخاصة بكلّ بلد. ويتمّ ربط تأشيرات العاملات في السعودية والكويت والأردن ولبنان بأصحاب العمل. ويستطيع "الكفيل" ترحيل العاملة المنزليّة وقتما يشاء، كما أنّه يصادر في كثير من الأحيان جواز سفرها. وفي السعودية، يستطيع إعاقتها دون مغادرة البلاد. ويمنح نظام الكفالة أصحاب العمل السيطرة المطلقة على عاملات المنازل، فيما تفقد العاملات الفارّات الوضع القانوني، ما قد يعرّضهنّ للملاحقة القانونيّة.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، فالأردن هو من بين أوّل دول المنطقة التي ضمّت العمالة المنزليّة إلى قانون العامل عام 2008. كما أصدر الأردن أنظمة جديدة في عام 2012 تحدد عدد ساعات العمل اليومية للعمال المنزليين بحد أقصى ثماني ساعات، لكن ما زال إنفاذ تدابير الحماية القانونية هذه للعمال المهاجرين متراخياً.
وقامت البحرين بتحديث لقانون العمل عام 2012 إلى التوسع في بعض تدابير الحماية الممنوحة للعمال المنزليين، مثل الإجازات السنوية، وتقنين أمور أخرى، منها إتاحة آليات الوساطة في تسوية المنازعات العمالية. لكن البحرين أخفقت في التصدي لاستبعاد العمالة المنزلية من تدابير حماية أساسية مثل الحد الأقصى لساعات العمل، وأيام الإجازة الأسبوعية، والحد الأدنى للأجر.
وقد وافق مجلس الوزراء السعودي على أنظمة تخص العمل المنزلي للمرة الأولى في يوليو/تموز من العام 2013 الماضي. ويشتمل النظام الجديد على ضمانات للعمال المنزليين بتسع ساعات راحة يومية، ويوم إجازة في الأسبوع، وعطلة لمدة شهر مدفوعة الأجر كل عامين. لكنه أيضاً يسمح بفصل عاملات المنازل من العمل أو عقابهن إذا لم يحترمن الإسلام أو قواعد وأنظمة المملكة، ويحرم العاملات من القدرة على رفض أي عمل من دون سبب "مشروع".
تعاني بعض عاملات المنازل في دول الخليج عموماً من العنف والاستغلال أيضاً، حسب تقرير لمنظمة العفو الدوليّة "أمنستي"، نشرته في منتصف شهر أبريل/ نيسان الماضي. وكشف التقرير عن "تعرض بعض العاملات لأشكال إساءة عنيفة على أيدي مخدوميهن بما في ذلك الصفع على الوجه وشد الشعر؛ والركل من أعلى السلالم. كما أبلغت بعض النساء عن تعرضهن للاغتصاب".
وتقدّر "أمنستي" وجود 84 ألف عاملة منزلية مهاجرة في قطر. وبحسب المنظمة، فإنّ العديد منهن يجبرنَ على العمل ساعات كثيرة. وتخضع عاملات المنازل للقيود التي يفرضها نظام الكفالة. ولا ينصّ القانون القطري - حتى الآن- على فرض حد أعلى لعدد ساعات العمل بالنسبة
لعاملات المنازل، ولا يشترط على رب العمل منحهن يوم عطلة أسبوعية. كما أنهن غير قادرات على التقدم بشكاوى رسمياً لدى وزارة العمل.
وقد ساهمت المعارك المشتعلة في سورية بنزوح عدد من العاملات الأجنبيّات مع مستخدميهنّ. كما أحال مجلس الشعب السوري في نيسان/ أبريل الماضي إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستوريّة، مشروع قرار لاستبدال العاملات الأجنبيّات بالسوريّات، وذلك "نظراً للأهميّة الاقتصادية والاجتماعية لوضع اطار ينظّم مهنة العمل المنزلي للعمال السوريين وإيجاد فرص عمل جديدة"، كما صدر عن وزير العمل السوري حسن حجازي.
يستحقّ عمّال المنازل نيل الحقوق والاحترام. وخلصت نتائج بحث احصائي عالمي لقوانين وممارسات العمل المنزليّ أجرته منظمة العمل الدوليّة عام 2009 إلى أنّ "أوضاع عاملات المنازل لا تتحسّن ما لم يتمّ تكريس تحرك محدد وملموس لتحسين الإطار التشريعيّ لهنّ". وأكّدت أن "الآليّات التنظيميّة الجيدة الصياغة مع آليّات التنفيذ الملائمة تُحدث فارقاً هاماً في الحياة اليوميّة لعاملات المنازل". وبحسب تقارير هيومن رايتس ووتش، فإنّ هناك جهوداً لإجراء إصلاحات لتحسين وضع العاملات في البحرين والأردن والكويت ولبنان والسعودية والامارات، لكنّها بطيئة.
قصّة روتنا تختلف عن قصّة نيتا، لكنّ النهاية هي ذاتها: الهرب. تروي نيتا أنّ صاحبة المنزل لم تعنّفها قطّ، لكنّها تتحدّث كيف كان صاحب المنزل يتحرّش بها. تقول العاملة البنغلادشيّة: "كان يطلب مني أن أدلك جسده، ويمدّ يده إلى صدري ويضمني ...، ويهددني بالقتل إذا أخبرت أحداً".
شهادتا روتنا ونيتا، كانتا جزءاً من شهادات لعاملات أجنبيّات ضمن دراسة أجرتها جمعية "كفى عنفاً واستغلالاً" بالتعاون مع "المفكرة القانونيّة" في يناير/كانون الثاني الماضي، عن أوضاع العمالة الأجنبية في لبنان.
تقول العاملة الإثيوبيّة بيتي، إنّ رجلاً في مكتب الاستقدام اعتدى عليها، وضربها بشكل مبرح ثم اغتصبها، بعد سوء تفاهم حصل مع مستخدميها. تبكي بيتي وهي تروي القصة، لكنّها خرجت للإعلام في شهر مارس / آذار الماضي لتخبر قصتها.
تعددت الأسباب والظلم واحد
تختلف قصص العاملات الأجنبيّات، وتتفاوت ظروف عملهنّ، لكن معاناتهنّ بمجملها تحمل الكثير من الظلم. ويدعو وضع العاملات الأجنبيّات في لبنان إلى القلق. تتعرّض العاملات لشتّى أنواع الانتهاكات بحقّهنّ، ابتداءً من العنف اللفظي، مروراً بالضرب، وصولاً إلى القتل. ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحدّ، فتُعامل العديد من العاملات بطريقة سيئة، تحرمهنَ من الإجازات، ويُطلب منهنّ القيام بعمل إضافيّ من دون أيّ زيادة تذكرعلى الراتب. وجرّاء نظام الكفالة المُتّبع في لبنان، تُحجز حريّة العاملات من قبل المستخدم.
تكشف الباحثة في مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في لبنان وسورية لمى فقيه لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك حوالى 200 ألف عاملة منزل في لبنان. كل عاملة مهاجرة في البلد تخضع لنظام الكفالة. هذا يعني أن إقامتهنّ في البلد وقدرتهنّ على العمل مرتبطة بصاحب
تستبعد أغلب الدول الشرق أوسطية عمال المنازل كلياً من قوانينها العمّاليّة. لا يحقّ لهم إجازات أسبوعيّة، وليس هناك حدّ أقصى لساعات العمل، ولا حد أدنى للراتب، أو حتى مقابل لساعات العمل الإضافيّ. وتتعرّض عاملات المنازل الوافدات لأوضاع عمل استغلاليّة تشمل العمل لساعات طويلة يومياً وعدم الحصول على أوقات راحة أو أيّام راحة، وأوضاع السكن السيّئة والقيود على حريّة التنقّل وتكوين الجمعيّات.
كفالة وإذعان
قدّرت كل من الشبكة الدوليّة للعمال المنزليين، والكونفدرالية الدولية للنقابات العمالية، وهيومن رايتس ووتش، في تقرير مشترك أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2013 الماضي، وجود حوالى 53 مليوناً من العمال المنزليين في شتى أنحاء العالم. وأظهر التقرير أن الأغلبيّة العظمى من هؤلاء هن من السيدات والفتيات، فيما يُستبعد 30 في المائة منهم من قوانين العمل الوطنيّة الخاصة بكلّ بلد. ويتمّ ربط تأشيرات العاملات في السعودية والكويت والأردن ولبنان بأصحاب العمل. ويستطيع "الكفيل" ترحيل العاملة المنزليّة وقتما يشاء، كما أنّه يصادر في كثير من الأحيان جواز سفرها. وفي السعودية، يستطيع إعاقتها دون مغادرة البلاد. ويمنح نظام الكفالة أصحاب العمل السيطرة المطلقة على عاملات المنازل، فيما تفقد العاملات الفارّات الوضع القانوني، ما قد يعرّضهنّ للملاحقة القانونيّة.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، فالأردن هو من بين أوّل دول المنطقة التي ضمّت العمالة المنزليّة إلى قانون العامل عام 2008. كما أصدر الأردن أنظمة جديدة في عام 2012 تحدد عدد ساعات العمل اليومية للعمال المنزليين بحد أقصى ثماني ساعات، لكن ما زال إنفاذ تدابير الحماية القانونية هذه للعمال المهاجرين متراخياً.
وقامت البحرين بتحديث لقانون العمل عام 2012 إلى التوسع في بعض تدابير الحماية الممنوحة للعمال المنزليين، مثل الإجازات السنوية، وتقنين أمور أخرى، منها إتاحة آليات الوساطة في تسوية المنازعات العمالية. لكن البحرين أخفقت في التصدي لاستبعاد العمالة المنزلية من تدابير حماية أساسية مثل الحد الأقصى لساعات العمل، وأيام الإجازة الأسبوعية، والحد الأدنى للأجر.
وقد وافق مجلس الوزراء السعودي على أنظمة تخص العمل المنزلي للمرة الأولى في يوليو/تموز من العام 2013 الماضي. ويشتمل النظام الجديد على ضمانات للعمال المنزليين بتسع ساعات راحة يومية، ويوم إجازة في الأسبوع، وعطلة لمدة شهر مدفوعة الأجر كل عامين. لكنه أيضاً يسمح بفصل عاملات المنازل من العمل أو عقابهن إذا لم يحترمن الإسلام أو قواعد وأنظمة المملكة، ويحرم العاملات من القدرة على رفض أي عمل من دون سبب "مشروع".
تعاني بعض عاملات المنازل في دول الخليج عموماً من العنف والاستغلال أيضاً، حسب تقرير لمنظمة العفو الدوليّة "أمنستي"، نشرته في منتصف شهر أبريل/ نيسان الماضي. وكشف التقرير عن "تعرض بعض العاملات لأشكال إساءة عنيفة على أيدي مخدوميهن بما في ذلك الصفع على الوجه وشد الشعر؛ والركل من أعلى السلالم. كما أبلغت بعض النساء عن تعرضهن للاغتصاب".
وتقدّر "أمنستي" وجود 84 ألف عاملة منزلية مهاجرة في قطر. وبحسب المنظمة، فإنّ العديد منهن يجبرنَ على العمل ساعات كثيرة. وتخضع عاملات المنازل للقيود التي يفرضها نظام الكفالة. ولا ينصّ القانون القطري - حتى الآن- على فرض حد أعلى لعدد ساعات العمل بالنسبة
وقد ساهمت المعارك المشتعلة في سورية بنزوح عدد من العاملات الأجنبيّات مع مستخدميهنّ. كما أحال مجلس الشعب السوري في نيسان/ أبريل الماضي إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستوريّة، مشروع قرار لاستبدال العاملات الأجنبيّات بالسوريّات، وذلك "نظراً للأهميّة الاقتصادية والاجتماعية لوضع اطار ينظّم مهنة العمل المنزلي للعمال السوريين وإيجاد فرص عمل جديدة"، كما صدر عن وزير العمل السوري حسن حجازي.
يستحقّ عمّال المنازل نيل الحقوق والاحترام. وخلصت نتائج بحث احصائي عالمي لقوانين وممارسات العمل المنزليّ أجرته منظمة العمل الدوليّة عام 2009 إلى أنّ "أوضاع عاملات المنازل لا تتحسّن ما لم يتمّ تكريس تحرك محدد وملموس لتحسين الإطار التشريعيّ لهنّ". وأكّدت أن "الآليّات التنظيميّة الجيدة الصياغة مع آليّات التنفيذ الملائمة تُحدث فارقاً هاماً في الحياة اليوميّة لعاملات المنازل". وبحسب تقارير هيومن رايتس ووتش، فإنّ هناك جهوداً لإجراء إصلاحات لتحسين وضع العاملات في البحرين والأردن والكويت ولبنان والسعودية والامارات، لكنّها بطيئة.