05 نوفمبر 2024
العراق.. إعمار على وقع الفساد
انتهى مؤتمر إعمار العراق الذي عقد على مدى أيام ثلاثة في الكويت، من دون أن تصل المنح والاستثمارات، وحتى القروض، إلى المستوى الذي كانت تأمله حكومة بغداد، فمن بين نحو 30 مليار دولار أعلن عنها المؤتمر، لم يحصل العراق على منح غير مستردة سوى مليار وربع المليار تقريبا، وهي منح جاءت في أغلبها من الجمعيات الخيرية الكويتية، والتي أيضا جاءت مشروطة، في وقت كانت بغداد تأمل أن تحصل على منح وقروض تصل إلى مائة مليار دولار أو حتى 88 مليارا، كما أعلن مسؤول عراقي رفيع.
ولم يكن ما جرى في الكويت خارج سياق المألوف والمتوقع، فمن كان يعتقد أن الدول يمكن أن تمنح أموالها أو تستثمرها في بلد يصنف بين الدول العشر الأولى الأعلى فسادا في العالم بحسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية، فهو واهم، إلا أن لمؤتمر الكويت بشأن إعادة إعمار العراق حسنة كبيرة وكبيرة جدا.
لقد أوصل كل من اجتمع في الكويت من دول ومنظمات وجمعيات من مختلف أنحاء العالم رسالة مهمة إلى حكومة بغداد، وهي أن الإعمار لا يمكن أن يتم في ظل الفساد، وأن انفتاح العالم واستثماراته لا يمكن لها أن تدخل بغداد، لتذهب في ثقب أسود كبير اسمه الفساد، هذا الفساد الذي إن أردنا محاكمته محاكمة دقيقة، لقلنا إنه السبب الأول في ظهور كل حركات التطرف في العراق أو في غيره.
منذ العام 2003، أي بعد الغزو الأميركي للعراق، التهم غول الفساد أكثر من ألف مليار دولار ما بين ميزانيات سنوية إلى منح أو قروض إلى مساعدات، بل حوّل هذا الفساد العراقيين إلى أفقر شعب يعيش في أغنى بلد، ومنح قبلة الحياة للعملية السياسية الفاسدة في العراق، فمن خلال الاختلاسات والسرقات تكونت طبقة سياسية في العراق، تفوق ثرواتها ميزانيات دولٍ بأكملها، ما مكّنها من أن تدير المشهد السياسي وتتحكم به عبر أموال يجري بها شراء ذمم تارة، وشراء ولاءات تارة أخرى، وأيضا شراء مليشيات ومرتزقة وأسلحة، وحتى جيوش إن شئت الدقة في أحيان أخرى.
نعم إنه غول الفساد الذي تغول والتهم كل ما من شأنه أن يعيد إلى العراق حيويته المعهودة، غول الفساد الذي جعل من نحو 30% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وأن تشهد البطالة مستوياتٍ لم يسبق لها مثيل، حيث وصلت إلى أكثر من 50% في بعض المدن، ناهيك عن البطالة المقنعة التي تلتهم جزء كبيرا من ميزانية الدولة العراقية.
لقد أسمع العالم كله بلا استثناء حكومة حيدر العبادي وكل المسؤولين في المنطقة الخضراء عبارة واحدة موحدة، وهي أن لا استثمار ولا إعمار في ظل الفساد. وبالتالي، فإن ما أعلنه رئيس الحكومة، حيدر العبادي، قبل نحو ثلاثة أشهر، عن معركة كبرى ضد الفساد، كان يجب أن تكون قد أتت ببعض الثمار، قبل انعقاد مؤتمر الكويت حتى على الأقل يكون هناك بعض من المشاركين من يستبشر خيرا بتلك المعركة، إلا أنه، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، سمعنا وسمع العالم معنا جعجعةً من دون أن يرى طحينا، وتحولت المعركة ضد الفساد إلى شعارات، مجرد شعارات، يمكن لها أن ترتفع نبرتها مع قرب الانتخابات، لكنها حتما ستبقى شعارات.
لا مناص من أن العراق اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء مؤسساته الوطنية، وبسرعةٍ قد تفوق سرعة تفكيك تلك المؤسسات، من خلال المحتل الأميركي عقب الغزو، وهو أمر يتطلب بلا شك قرارات ومعالجات سريعة، تتلخص بدايتها بمحاسبة كل الطبقة السياسية التي أثرت ثراء فاحشا، وتحولت إلى طبقة تعتاش على هذا الفساد، وتمتص في كل يوم مزيدا من دماء الشعب العراقي.
والأمر، وإن كان يبدو صعبا وغير ممكن، بعد أن تحولت هذه الطبقة متحكّمة ومتسيدة ومسيطرة، إلا أنه أمر لا بد منه، ولا بد للعبادي أن يمتلك الشجاعة للمواجهة، وأن يستعين إذا ما تطلب الأمر بالعالم الذي يرغب في الاستثمار في العراق، لما فيه من إمكانات مغرية، ولكنه في الوقت نفسه يخشى من ثقب الفساد الأسود.
لقد استعان العراق بكل العالم من أجل قتال "داعش"، ولم تر حكومة بغداد في ذلك عيبا، بل هو واجب على العالم. ومن هنا، ليس عيبا أيضا أن تستعين بغداد بالعالم، من أجل محاربة حيتان الفساد، فالأمر غاية في الأهمية بالنسبة لمستقبل العراق والملايين من الأجيال المقبلة، إلا إذا كان ملف الفساد سيمس شخصياتٍ تعتبر، في عرف العراق الجديد، خطا أحمر، لا يمكن المساس بها، سواء أكانت هذه الشخصيات دينيةً متنفذةً أو سياسيةً متحكّمة.
إن تسهيل إجراءات الاستثمار وسن القوانين التي تسهم في ذلك يبقى ناقصا إن لم تصاحبه حملة كبيرة على حيتان الفساد والفاسدين. وبغير ذلك، فإن ميزانيات العراق الانفجارية ستبقى نهبا للسرّاق واللصوص، وهم غير بعيدين عن دائرة العبادي، فلقد صدق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في حالة نادرة، عندما وصفهم بأنهم أبرع لصوص عرفهم.
ولم يكن ما جرى في الكويت خارج سياق المألوف والمتوقع، فمن كان يعتقد أن الدول يمكن أن تمنح أموالها أو تستثمرها في بلد يصنف بين الدول العشر الأولى الأعلى فسادا في العالم بحسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية، فهو واهم، إلا أن لمؤتمر الكويت بشأن إعادة إعمار العراق حسنة كبيرة وكبيرة جدا.
لقد أوصل كل من اجتمع في الكويت من دول ومنظمات وجمعيات من مختلف أنحاء العالم رسالة مهمة إلى حكومة بغداد، وهي أن الإعمار لا يمكن أن يتم في ظل الفساد، وأن انفتاح العالم واستثماراته لا يمكن لها أن تدخل بغداد، لتذهب في ثقب أسود كبير اسمه الفساد، هذا الفساد الذي إن أردنا محاكمته محاكمة دقيقة، لقلنا إنه السبب الأول في ظهور كل حركات التطرف في العراق أو في غيره.
منذ العام 2003، أي بعد الغزو الأميركي للعراق، التهم غول الفساد أكثر من ألف مليار دولار ما بين ميزانيات سنوية إلى منح أو قروض إلى مساعدات، بل حوّل هذا الفساد العراقيين إلى أفقر شعب يعيش في أغنى بلد، ومنح قبلة الحياة للعملية السياسية الفاسدة في العراق، فمن خلال الاختلاسات والسرقات تكونت طبقة سياسية في العراق، تفوق ثرواتها ميزانيات دولٍ بأكملها، ما مكّنها من أن تدير المشهد السياسي وتتحكم به عبر أموال يجري بها شراء ذمم تارة، وشراء ولاءات تارة أخرى، وأيضا شراء مليشيات ومرتزقة وأسلحة، وحتى جيوش إن شئت الدقة في أحيان أخرى.
نعم إنه غول الفساد الذي تغول والتهم كل ما من شأنه أن يعيد إلى العراق حيويته المعهودة، غول الفساد الذي جعل من نحو 30% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وأن تشهد البطالة مستوياتٍ لم يسبق لها مثيل، حيث وصلت إلى أكثر من 50% في بعض المدن، ناهيك عن البطالة المقنعة التي تلتهم جزء كبيرا من ميزانية الدولة العراقية.
لقد أسمع العالم كله بلا استثناء حكومة حيدر العبادي وكل المسؤولين في المنطقة الخضراء عبارة واحدة موحدة، وهي أن لا استثمار ولا إعمار في ظل الفساد. وبالتالي، فإن ما أعلنه رئيس الحكومة، حيدر العبادي، قبل نحو ثلاثة أشهر، عن معركة كبرى ضد الفساد، كان يجب أن تكون قد أتت ببعض الثمار، قبل انعقاد مؤتمر الكويت حتى على الأقل يكون هناك بعض من المشاركين من يستبشر خيرا بتلك المعركة، إلا أنه، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، سمعنا وسمع العالم معنا جعجعةً من دون أن يرى طحينا، وتحولت المعركة ضد الفساد إلى شعارات، مجرد شعارات، يمكن لها أن ترتفع نبرتها مع قرب الانتخابات، لكنها حتما ستبقى شعارات.
لا مناص من أن العراق اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء مؤسساته الوطنية، وبسرعةٍ قد تفوق سرعة تفكيك تلك المؤسسات، من خلال المحتل الأميركي عقب الغزو، وهو أمر يتطلب بلا شك قرارات ومعالجات سريعة، تتلخص بدايتها بمحاسبة كل الطبقة السياسية التي أثرت ثراء فاحشا، وتحولت إلى طبقة تعتاش على هذا الفساد، وتمتص في كل يوم مزيدا من دماء الشعب العراقي.
والأمر، وإن كان يبدو صعبا وغير ممكن، بعد أن تحولت هذه الطبقة متحكّمة ومتسيدة ومسيطرة، إلا أنه أمر لا بد منه، ولا بد للعبادي أن يمتلك الشجاعة للمواجهة، وأن يستعين إذا ما تطلب الأمر بالعالم الذي يرغب في الاستثمار في العراق، لما فيه من إمكانات مغرية، ولكنه في الوقت نفسه يخشى من ثقب الفساد الأسود.
لقد استعان العراق بكل العالم من أجل قتال "داعش"، ولم تر حكومة بغداد في ذلك عيبا، بل هو واجب على العالم. ومن هنا، ليس عيبا أيضا أن تستعين بغداد بالعالم، من أجل محاربة حيتان الفساد، فالأمر غاية في الأهمية بالنسبة لمستقبل العراق والملايين من الأجيال المقبلة، إلا إذا كان ملف الفساد سيمس شخصياتٍ تعتبر، في عرف العراق الجديد، خطا أحمر، لا يمكن المساس بها، سواء أكانت هذه الشخصيات دينيةً متنفذةً أو سياسيةً متحكّمة.
إن تسهيل إجراءات الاستثمار وسن القوانين التي تسهم في ذلك يبقى ناقصا إن لم تصاحبه حملة كبيرة على حيتان الفساد والفاسدين. وبغير ذلك، فإن ميزانيات العراق الانفجارية ستبقى نهبا للسرّاق واللصوص، وهم غير بعيدين عن دائرة العبادي، فلقد صدق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في حالة نادرة، عندما وصفهم بأنهم أبرع لصوص عرفهم.