05 نوفمبر 2024
العراق.. المحاصصة باقية وتتمدّد
لا يبدو أن العراق قد وصل بعد إلى مرحلة الخروج من جلباب المحاصصة الطائفية التي طبعت نظامه السياسي عقب الغزو الأميركي عام 2003، على الرغم من أن تلك المحاصصة أدخلت العراق في نفقٍ لا يقود إلا إلى مجهول، فلقد أفقرت أبناء أغنى بلاد الأرض، وأضعفته إلى درجة صار ضابط المنفذ الحدودي الإيراني يرمي بجواز سفر العراقي على الأرض، بل يمكن أن ينزع حزام بنطاله، لينزل ضرباً بالعراقيين العابرين إلى طهران.
ليس هذا فحسب، بل حوّلت تلك المحاصصة العراقيين إلى شعبٍ ناقم على ساسته وعمليتهم السياسية، نقمة لم تعد تقتصر على مكونٍ دون آخر، كما أن هذه النقمة بدأت تتجاوز الشخوص السياسية إلى المرجعيات الدينية، على الرغم مما لها من قيم اعتبارية لدى جزء كبير من العراقيين، وما مظاهرات البصرة التي اندلعت الصيف الماضي إلا دليل على ذلك، فيكفي أنها، ولأول مرة، تمتد يد العراقيين على صورة مرجعياتٍ ورموزٍ دينية، بالحرق والتمزيق.
من هنا، كانت مهمة رئيس الوزراء الجديد، عادل عبد المهدي، ليست سهلةً، وكان لا بد من تغييرٍ يمكن أن يمنح العملية السياسية في العراق عمراً أطول، غير أن واقع الحال ما زال يفيد بأن الأحزاب السياسية التي شكلت العملية السياسية عقب 2003 ترفض أن تغادر مربعها الطائفي الأول، وما زالت مصرّة ومتمسّكة بتوزيعة طائفية للمناصب والوزارات، حتى وإن أظهرت دعمها عادل عبد المهدي، ورغبته في تشكيل حكومة مهنية تتجاوز، ولو بحدود، مربع الطائفية الأول.
تؤكد قراءة في أسماء من تم ترشيحهم للمناصب الوزارية الجديدة أن عبد المهدي فشل في أول اختبار، وهو فرض إرادته على إرادة الأحزاب، فأغلب الأسماء، وإن كانت ظاهرياً غير منتمية لهذا الحزب أو ذاك، إلا أن الكل يعلم أن ترشيحات كثيرين منها كانت حزبية.
ليس هذا فحسب، بل إن رئيس البرلمان العراقي الأسبق، محمود المشهداني، أعلنها، في لقاء تلفزيوني، أن لدى سنة العراق حصة معلومة داخل الكابينة الوزارية، لا تزيد ولا تنقص "نحن لا يهمنا من يأتي لرئاسة الوزراء، يهمنا أن يعطينا حصتنا المتفق عليها منذ تشكيل العملية السياسية"، بحسب ما قال.
والأمر نفسه بالنسبة للأكراد، والأمر نفسه بالنسبة لمكوناتٍ وتشكيلات حزبية أو عرقية أو سياسية أو طائفية أخرى. هكذا ببساطة يتم تشكيل الحكومات في العراق، وهو ما يجعل الجواب على سؤال، لماذا تفشل الحكومات في العراق، سهلاً.
قد يرى بعضهم أن الصورة مشوّشة وضبابية. ولكن هي، إن شئت الدقة، سوداء مظلمة، فلا يمكن؛ والحال كذلك، أن يخرج العراق من عنق الزجاجة، ولا يمكن إلا أن تدخل حكومة عادل عبد المهدي دهاليز الفساد والطائفية والمحاصصة نفسها التي فرضتها العملية السياسية عقب الاحتلال، وهو ما يُؤذن، مرة أخرى، بسيناريو ربما لا يتوقعه أحد، لكنه حتماً سيناريو يدعو إلى التشاؤم.
تدل كل المؤشرات على أن المحاصصة الطائفية في العراق باقيةٌ وتتمدد، وأن حكومة عبد المهدي، هذا إذا لم يفاجئ الجميع ويقدم استقالته، ستكون امتدادا لما سبقها من حكومات، فالأحزاب التي شكلت العملية السياسية قبل خمسة عشر عاماً، ذاتها، والنواب الذين أفرزتهم تلك الأحزاب في انتخابات 2018 هم أنفسهم مع بعض التعديلات، والوزراء الذين يُفترض أن يكونوا من التكنوقراط تغيرت أشكالهم، ولم تتغير انتماءاتهم الحزبية والطائفية والعرقية، ما يعني أننا أمام حقبةٍ أخرى من حقب الصراع بين الشعب العراقي وطبقته السياسية.
ما يراد للعراق اليوم أن يبقى يدور في الحلقة المفرغة نفسها التي رُسمت له، وأن لا يخرج منها، لأن في ذلك مصلحة لمن شكّل وساهم في تكوين هذه العملية السياسية، وتحديدا القوى الدولية والإقليمية. وهنا يجب الانتباه إلى أن هذه الحكومة الجديدة، والتي ما زالت القوى الحزبية والطائفية تتناقش من أجل ترشيح من تبقوا من وزرائها، تأتي في ظل عقوباتٍ أميركية فرضت على إيران، والكل يعلم أن طهران لم تعد ترى في بغداد إلا امتداداً لها ولسياساتها، بل هي اليوم البوابة الخلفية التي يمكن لإيران من خلالها التحايل على العقوبات الأميركية.
نعم، ستسعى طهران المحاصرة بالعقوبات الأميركية، ومعها واشنطن، ومعها قوى حزبية عراقية، إلى محاولة أن تحقق الحكومة الجديدة استقرارا، ولو في حدّه الأدنى. ولكن، هل سيقبل العراقيون بذلك؟ أمن بلا خدمات؟ أمن بلا وظائف؟ أمن بلا حقوق؟ أمن بلا حريات؟
أعتقد أن الجواب على ذلك يمكن أن نقرأه اليوم في البصرة، أقصى الجنوب العراقي، التي بدأ شبابها قبل أيام، وعلى الرغم مما تعرّضوا له من قمع في الصيف الماضي، استعادة سيرة حراكهم الشعبي ضد الحكومة والأحزاب والمليشيات والتدخلات الخارجية.
ليس هذا فحسب، بل حوّلت تلك المحاصصة العراقيين إلى شعبٍ ناقم على ساسته وعمليتهم السياسية، نقمة لم تعد تقتصر على مكونٍ دون آخر، كما أن هذه النقمة بدأت تتجاوز الشخوص السياسية إلى المرجعيات الدينية، على الرغم مما لها من قيم اعتبارية لدى جزء كبير من العراقيين، وما مظاهرات البصرة التي اندلعت الصيف الماضي إلا دليل على ذلك، فيكفي أنها، ولأول مرة، تمتد يد العراقيين على صورة مرجعياتٍ ورموزٍ دينية، بالحرق والتمزيق.
من هنا، كانت مهمة رئيس الوزراء الجديد، عادل عبد المهدي، ليست سهلةً، وكان لا بد من تغييرٍ يمكن أن يمنح العملية السياسية في العراق عمراً أطول، غير أن واقع الحال ما زال يفيد بأن الأحزاب السياسية التي شكلت العملية السياسية عقب 2003 ترفض أن تغادر مربعها الطائفي الأول، وما زالت مصرّة ومتمسّكة بتوزيعة طائفية للمناصب والوزارات، حتى وإن أظهرت دعمها عادل عبد المهدي، ورغبته في تشكيل حكومة مهنية تتجاوز، ولو بحدود، مربع الطائفية الأول.
تؤكد قراءة في أسماء من تم ترشيحهم للمناصب الوزارية الجديدة أن عبد المهدي فشل في أول اختبار، وهو فرض إرادته على إرادة الأحزاب، فأغلب الأسماء، وإن كانت ظاهرياً غير منتمية لهذا الحزب أو ذاك، إلا أن الكل يعلم أن ترشيحات كثيرين منها كانت حزبية.
ليس هذا فحسب، بل إن رئيس البرلمان العراقي الأسبق، محمود المشهداني، أعلنها، في لقاء تلفزيوني، أن لدى سنة العراق حصة معلومة داخل الكابينة الوزارية، لا تزيد ولا تنقص "نحن لا يهمنا من يأتي لرئاسة الوزراء، يهمنا أن يعطينا حصتنا المتفق عليها منذ تشكيل العملية السياسية"، بحسب ما قال.
والأمر نفسه بالنسبة للأكراد، والأمر نفسه بالنسبة لمكوناتٍ وتشكيلات حزبية أو عرقية أو سياسية أو طائفية أخرى. هكذا ببساطة يتم تشكيل الحكومات في العراق، وهو ما يجعل الجواب على سؤال، لماذا تفشل الحكومات في العراق، سهلاً.
قد يرى بعضهم أن الصورة مشوّشة وضبابية. ولكن هي، إن شئت الدقة، سوداء مظلمة، فلا يمكن؛ والحال كذلك، أن يخرج العراق من عنق الزجاجة، ولا يمكن إلا أن تدخل حكومة عادل عبد المهدي دهاليز الفساد والطائفية والمحاصصة نفسها التي فرضتها العملية السياسية عقب الاحتلال، وهو ما يُؤذن، مرة أخرى، بسيناريو ربما لا يتوقعه أحد، لكنه حتماً سيناريو يدعو إلى التشاؤم.
تدل كل المؤشرات على أن المحاصصة الطائفية في العراق باقيةٌ وتتمدد، وأن حكومة عبد المهدي، هذا إذا لم يفاجئ الجميع ويقدم استقالته، ستكون امتدادا لما سبقها من حكومات، فالأحزاب التي شكلت العملية السياسية قبل خمسة عشر عاماً، ذاتها، والنواب الذين أفرزتهم تلك الأحزاب في انتخابات 2018 هم أنفسهم مع بعض التعديلات، والوزراء الذين يُفترض أن يكونوا من التكنوقراط تغيرت أشكالهم، ولم تتغير انتماءاتهم الحزبية والطائفية والعرقية، ما يعني أننا أمام حقبةٍ أخرى من حقب الصراع بين الشعب العراقي وطبقته السياسية.
ما يراد للعراق اليوم أن يبقى يدور في الحلقة المفرغة نفسها التي رُسمت له، وأن لا يخرج منها، لأن في ذلك مصلحة لمن شكّل وساهم في تكوين هذه العملية السياسية، وتحديدا القوى الدولية والإقليمية. وهنا يجب الانتباه إلى أن هذه الحكومة الجديدة، والتي ما زالت القوى الحزبية والطائفية تتناقش من أجل ترشيح من تبقوا من وزرائها، تأتي في ظل عقوباتٍ أميركية فرضت على إيران، والكل يعلم أن طهران لم تعد ترى في بغداد إلا امتداداً لها ولسياساتها، بل هي اليوم البوابة الخلفية التي يمكن لإيران من خلالها التحايل على العقوبات الأميركية.
نعم، ستسعى طهران المحاصرة بالعقوبات الأميركية، ومعها واشنطن، ومعها قوى حزبية عراقية، إلى محاولة أن تحقق الحكومة الجديدة استقرارا، ولو في حدّه الأدنى. ولكن، هل سيقبل العراقيون بذلك؟ أمن بلا خدمات؟ أمن بلا وظائف؟ أمن بلا حقوق؟ أمن بلا حريات؟
أعتقد أن الجواب على ذلك يمكن أن نقرأه اليوم في البصرة، أقصى الجنوب العراقي، التي بدأ شبابها قبل أيام، وعلى الرغم مما تعرّضوا له من قمع في الصيف الماضي، استعادة سيرة حراكهم الشعبي ضد الحكومة والأحزاب والمليشيات والتدخلات الخارجية.