قال مسؤول نفطي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن التوجه الحكومي الحالي يتمثل في حصر عملية تطوير حقل كركوك العملاق، في كوادر وزارة النفط المحلية، وذلك بعد يوم واحد من قرار اتخذته شركة "بي.بي" البريطانية، بالانسحاب وعدم تجديد عقد التنقيب في الحقل الذي يحتل أهمية كبيرة في خارطة الحقول العراقية المنتجة منذ خمسينيات القرن الماضي.
وفي عام 2013، وقّعت شركة النفط البريطانية (بي.بي)، عقدا مع العراق لتطوير حقل كركوك النفطي، لكن العمل لم يبدأ، حيث كان تنظيم "داعش"، حينها، قد اجتاح مساحات واسعة من البلاد، ما أدى إلى تعليق العمل، ليتم استئناف العمل بعد عام 2017 وانتهي مع نهاية العام الماضي، ضمن عقد بلغت قيمته 100 مليون دولار.
وأبلغ مسؤول في وزارة النفط العراقية في مديرية العمليات المتقدمة بالوزارة، "العربي الجديد"، أن الشركة أخطرت الجانب العراقي عدم رغبتها في تجديد العقد، ولا يمكن اعتبار ما جرى انسحابا، مبينا أن هناك توجها بأن تتولى الكوادر المحلية العراقية مسؤولية تطوير الحقل ورفع وتيرة إنتاجه ضمن شركة التنقيب الوطنية.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن "شركة النفط البريطانية "بي.بي"، اعتبرت أن ما توصلت إليه من نتائج غير مشجعة على مستوى تجديد عقدها مرة أخرى، ولدينا تحفظات على ذلك، ونعتقد أن هناك جانبا أمنيا في عدم الرغبة في الاستمرار".
وحقل كركوك يعتبر خامس أكبر حقل في العالم من حيث حجم الاحتياطي النفطي الموجود فيه، وتبلغ مساحته 96 كم طولا وبعرض 4 كيلومترا مربعة، ويقع بالقرب من نهر الزاب الصغير شمال غرب مدينة كركوك، ويقدر إنتاج البئر الواحدة بنحو 35 ألف برميل يوميا.
ويحتوي الحقل على عشرات الآبار، ويعتبر منذ خمسينيات القرن الماضي أحد أبرز حقول النفط المنتجة في البلاد، وهو من بين أربعة حقول رئيسية في كركوك إلى جانب جمبور وباي حسن وخباز، ويبلغ مجموع احتياطي الحقول الأربعة نحو 13 مليار برميل، بما يعادل نحو 12 بالمائة من إجمالي الاحتياطي العراقي من الذهب الأسود.
لكن الخبير النفطي في كركوك، أحمد الجاف، قال لـ"العربي الجديد"، إن الشركة البريطانية اعتمدت أرقاما وبيانات ميدانية تشير إلى انخفاض إنتاج البئر النفطي في الحقل، حتى في تلك التي تم حفرها داخله على سبيل التجربة وقياس التدفق النفطي في الأشهر الماضية"، لافتا إلى أن الخام في كركوك يعتبر قريبا نسبيا من سطح الأرض، ولكن الكميات محدودة مقارنة بنفط البصرة أو ميسان، وهو ما جعل الشركة تعزف عن عملية تجديد العقد مرة أخرى، وقد يكون للأوضاع الأمنية غير المستقرة دور في ذلك.
ويعاني العراق من اضطرابات أمنية خلال الفترة الأخيرة، وتحديدا عقب اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد، برفقة القيادي في الحشد أبو مهدي المهندس، يوم 3 يناير/كانون الثاني الجاري، ما دفع حكومة بغداد إلى مطالبة القوات الأجنبية بمغادرة بلادها وما تبع ذلك من تصعيد أميركي، قبل أن تهدأ الأمور في الآونة الأخيرة.
وشدد الجاف على أن "الحقل من ناحية واقعية يعتبر من الحقول المنتجة على المدى المتوسط للعراق بوتيرة واحدة"، لافتا إلى أن تسليم الشركة نتائج مسوحاتها للعراق سيكون منطلقا لمواصلة عملية تطويره من قبل العراقيين أنفسهم وبكفاءات لا تقل عن الشركة البريطانية.
واعتبر الخبير النفطي أن "العقد الممنوح بالأساس لشركة بي.بي كان حلقة زائدة وتخبطا من حكومة نوري المالكي السابقة، ووزيره حسين الشهرستاني، مهندس جولات التراخيص النفطية سيئة الذكر"، على حد تعبيره.
المهندس النفطي في شركة نفط الشمال العراقية الحكومية، علي عباس، قال لـ"العربي الجديد"، إن "العقد الذي أبرم مع الشركة البريطانية كان يهدف إلى رفع إنتاج شركة نفط الشمال إلى 1.5 مليون برميل يوميا، ولا يمكن التسليم بنتائج ما توصلت إليه الشركة من أن الحقل لم يعد مشجعا، ونرى أن استلام شركة نفط الشمال العمل بالحقل سيرفع الإنتاج فيه، وهذا الأمر سيكون على مراحل وفق ما خططت له وزارة النفط".
وأكد عباس أنه بسبب توقّف التصدير عبر حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي بفعل تضرر شبكات أنابيب النقل بهجمات إرهابية في السنوات الماضية، تعتبر المرحلة الحالية عملية تطوير حقول وبنى تحتية حتى يتم استعادة عملية التصدير بكامل طاقتها، وخلال ذلك يمكن الجزم بصحة نتائج مسوحات بي.بي من عدمه.
والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويعتمد بأكثر من 90 في المائة من ميزانية الدولة البالغة 112 مليار دولار في 2019، على عائدات النفط.
وتسعى بغداد إلى تطوير حقول النفط من أجل زيادة إيراداتها المالية من هذا القطاع المهم. وحسب بيانات رسمية، بلغ المعدل اليومي لصادرات البلاد النفطية 3.5 ملايين برميل يومياً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ارتفاعاً من 3.477 ملايين برميل يومياً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبلغ إجمالي صادرات البلاد النفطية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 102.05 مليون برميل من الحقول النفطية في وسط العراق وجنوبه، بينما بلغ حجم الصادرات من حقول كركوك (شمال) عبر ميناء جيهان التركي، 2.381 مليون برميل.