في الوقت الذي تكافح فيه الدول العربية لتكوين احتياطيات من النقد الأجنبي، أو الحفاظ على ما تبقي من احتياطيات قائمة لسد فاتورة الديون الخارجية، نجد أن فاتورة واردات الغذاء من قبل دول المنطقة باتت تستنزف الجزء الأكبر من هذه الاحتياطيات، وحسب الأرقام فإن العرب سيستوردون أغذية بـ 53 مليار دولار بحلول 2020.
تأتي هذه الأرقام في الوقت الذي احتفلت فيه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بيوم الأغذية العالمي في 16 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى تأُسيسها في عام 1945، عندما اجتمع 42 بلدا في مقاطعة كيبيك، بكندا، لتأسيس المنظمة التابعة للأمم المتحدة. وكان الهدف الذي أعلنه المجتمعون وقت التأسيس هو تحرير الإنسانية من الجوع وسوء التغذية، وإدارة نظام الأغذية العالمي بشكل فعال.
وبهذه المناسبة، تنظم أكثر من 150 دولة احتفالات تهدف إلى تعميق الوَعي الدولي بمعاناة الجِياع والمحرومين من الأغذية في العالم، وحث الحكومات في مُختلف أنحاء العالم على اتخاذ تدابير ونظم غذائية وسياسات جادة لمكافحة الجُوع وضمان الأمن الغذائي، ما يجعل هذا اليوم أحد أهم الأيام الاحتفالية في تقويم الأمم المتحدة.
مفهوم مغلوط
مع تعدد التعريفات لمفهوم الأمن الغذائي، والذي يختلف عن مفهوم الاكتفاء الذاتي، وضعت منظمة الأغذية والزراعة تعريفًا للأمن الغذائي، بأنه "حصول جميع السكان في جميع الأوقات على أغذية كافية ومأمونة ومغذية تلبي حاجاتهم وأذواقهم الغذائية لكي يعيشوا حياة ملؤها النشاط والصحة". يتضمن التعريف ثلاثة أبعاد للأمن الغذائي هي توافر الإمدادات، واستقرارها، وإمكانية الحصول عليه، وهو ما يكشف عن خروقات في ثوب الأمن الغذائي العربي.
ورغم الموارد البشرية والإمكانات المالية التي تمتلكها الدول العربية، خاصة النفطية، منها إلا أنها تبقى تعاني جميعها من مشكلة عدم القدرة على تحقيق الأمن الغذائي بمفهومه الذي تعنيه الفاو، والذي انعكس سلباً على معدلات الهجرة بنوعيها، الداخلية والخارجية، وعلى الأمن القومي نظراً لما يحمله انعدام الأمن الغذائي في طياته من أبعاد سياسية وأمنية يمكن استغلالها من قبل الدول المصدرة للغذاء.
ومن ناحية أخرى فإن الأمن الغذائي لا يعني وجود الطعام في الأسواق فحسب، بل إن الموقف الصحيح للأمن الغذائي ينطوي على تساؤل مهم وهو، هل يقدر الناس على شراء الطعام المتوافر في الأسواق؟ وبمعنى آخر هل يمكنهم شراء ما يكفيهم من طعام جيد لهم ولجميع أفراد أسرهم في حدود قدراتهم الشرائية التي قد تتآكل لسبب أو لآخر؟!
فجوة تتسع
بلغ مجموع ما استورده العرب من القمح فقط، مادة إنتاج الخبز، 41 مليون طن، بما يعادل 27% من المتاح للتجارة عالميا، ومن المتوقع زيادة الواردات بنحو 75% على مدى الـ 30 سنة المقبلة، لتصل إلى 71 مليون طن، والمنتج حالياً لا يتعدى 27 مليون طن. كما يستورد العرب 70% من احتياجاتهم من السكر، و60% من الزيوت النباتية، و45% من البقوليات.
وقد تتسع الفجوة الغذائية العربية إلى 53 مليار دولار بحلول 2020، تزيد إلى 60 ملياراً عام 2030 مدفوعة بالزيادة السكانية وشح المياه والتغيرات المناخية.
الجوع والخوف
في سورية، أدى الصراع الدائر إلى نزوح أعداد كبيرة من الناس وانتشار الجوع وسوء التغذية. ومن أصل 13.5 مليون سوري يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، يوجد 9.4 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب أرقام منظمة الفاو في 2016 والتي تتوقع أن يؤدي استمرار الأزمة إلى تدهور أكثر.
ومصر، التي تخطى عدد سكانها المائة مليون نسمة قبل أسابيع، تستورد 60% من احتياجاتها من القمح، وزادت وارداته إلى 12 مليون طن عام 2016، وأصبحت أكبر مستورد في العالم. وتستورد كذلك 50% من الذرة و92% من زيوت الطعام، و70% من الفول، و98% من العدس، ووصل إجمالي الفجوة الغذائية إلى 70% بمبلغ 7 مليارات دولار، وفقاً للإحصائيات الرسمية.
والسعودية التي حققت الاكتفاء الذاتي من القمح لثلاثة عقود، وضعت خطة في يناير/كانون الثاني 2008 لخفض إنتاجها المحلي من القمح بنسبة 12.5% سنويا حتى تعتمد كليا على الواردات. وفي 2016 أعلنت المؤسسة العامة للحبوب في المملكة أن كميات القمح التي تم استيرادها خلال 2016 بلغت 3.1 ملايين طن، وذلك بعد التوقف عن شراء القمح المنتج محلياً بنهاية 2015.
وتُشير التوقعات إلى أن المملكة وبحلول 2025 سيرتفع طلبها على القمح ليصل إلى 4.5 ملايين طن مدفوعًا بالنمو السكاني، لتُصبح المملكة واحدة من أكبر عشر دول تستورد القمح عالميا.
وفي اليمن، حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مطلع العام من مجاعة في البلاد، وقال إن 14 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية، نصفهم يعيشون انعداما من الأمن الغذائي، وأن مليوني شخص على الأقل في حاجة إلى مساعدة غذائية طارئة للبقاء على قيد الحياة، وهم مشرّدون داخل اليمن بسبب الحرب.
وقال المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، إن الإنسانية لم تعد موجودة في اليمن، وأن هناك طفلا لا يتجاوز العاشرة يموت كل 10 دقائق لأسباب يمكن تلافيها، وأن 2.2 مليون طفل يمني يعانون سوء التغذية.
الاستثمار في السودان
في ظل هذا الواقع المرير، أطلق الرئيس السوداني، عمر البشير، مبادرة "منظومة الأمن الغذائي العربي" لسد فجوة الغذاء العربي خلال القمة الاقتصادية العربية بالعاصمة السعودية الرياض في 2013، بحيث يوفر السودان الأراضي الصالحة للاستثمار الزراعي، وتلتزم الدول العربية بتوفير التمويل اللازم.
ويمتلك السودان مقومات زراعية تجعله سلة غذاء العالم العربي، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة من الغابات بحوالي 52 مليون فدان، كما تمتلك 102 مليون رأس من الماشية، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد على 400 مليار متر مكعب، ورغم هذه الإمكانات لم تبدأ الدول العربية الطريق إلى الأمن الغذائي العربي بعد!
الفرص المهدورة
لا يتعدى الإنفاق على البحوث الزراعية 1% من قيمة الإنتاج الزراعي في الدول العربية، وبذا فهي تعاني من تخلف في معدل إنتاجية الحبوب الاستراتيجية، القمح والأرز والذرة، بلغ 1.6 طن للهكتار، في مقابل 3.6 أطنان للهكتار هو المعدل العالمي، بنسبة عجز 44%.
ورغم أن 50% من الزيادة في إنتاجية المحاصيل ترجع إلى استخدام البذور عالية الإنتاج، وهي تكنولوجية غير مكلفة، لكن الدول العربية تعاني عجزًا في إنتاج التقاوي بلغ 80% من الاحتياجات. ورغم أن استثمارات 5 مليارات دولار فقط في مجال تكنولوجيا البذور يمكن أن يزيد إنتاج هذه الحبوب إلى الضعف، ليتحقق الاكتفاء الذاتي، لكنها لا تفعل!