تُعاني الجمعيات الأهلية والخيرية في ليبيا من صعوبات كثيرة قد تعرقل عملها، وخصوصاً أن دورها يعد أساسياً وحيوياً لتعويض الغياب الحكومي ومواجهة التحديات المعيشية ومساعدة المواطنين، في ظل غياب الدعم الرسمي والتبرعات. يقول عضو جمعية التيسير الأهلية الخيرية حسن بركان، إن في ليبيا نحو 100 جهة خيرية تتركز مهامها في دعم المواطنين، وتنتشر في معظم مناطق البلاد، وتحرص على التنسيق في ما بينها على الرغم من الانقسامات التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
ويقول بركان لـ"العربي الجديد": "ما يجعل خدماتنا التطوعية تستمر هي تبرّعات الخيّرين". في الوقت نفسه، يتحدث عن تراجع مستمر في المساعدات بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على المانحين من رجال الأعمال. وبسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والجهات الحكومية المسؤولة عن توفير الخدمات الإنسانية وتوفير الدعم، كصندوق الزكاة وصندوق دعم الزواج وغيرها، يولي المتبرع ثقة كبيرة في أعمال الجمعيات الخيرية، خصوصاً التي أثبتت جدية في العمل.
من جهتها، تعمل نسرين المغربي في ائتلاف ثلاث جمعيات خيرية لرعاية الأطفال المصابين بأمراض السرطان، وهي من بين المتطوعات اللواتي نلن ثقة كبيرة من قبل المتبرعين. تقول لـ"العربي الجديد"، إن جهود الجمعيات الثلاث نجحت في رعاية 126 طفلاً مصاباً بالسرطان عانوا خلال السنوات الماضية من إهمال كبير من قبل الحكومة التي أوفدتهم إلى الأردن للعلاج، ثم تركتهم يواجهون مصيرهم.
وتوضح المغربي أن "المتطوعين استطاعوا توفير ما يكفي من الأمصال الطبية لتأمين علاج هؤلاء الأطفال. لكن في الوقت الحالي، هناك عجز كبير بسبب تراجع المتبرعين، سواء أكانوا رجال أعمال أم أصحاب شركات دواء، التي كانت تعد من أبرز المتبرعين". كما تشير إلى صعوبات أخرى، منها ضعف القدرة على التنقل بين غرب البلاد وشرقها بسبب الخلافات السياسية والانقسام الكبير. وترى أن تراجع التبرعات يهدد استمرار هذا العمل الخيري، مشيرةً إلى أن احتمال توقفه مرجح.
وتشير المغربي إلى أن أوضاع الأطفال تعد من أكثر العوامل التي تدفع الناس إلى التبرع، فيما يرى بركان أن الأموال قد تذهب إلى دعم النازحين من مناطق جنوب طرابلس. لكنه يلفت إلى أن الوسائل الإعلامية تستغل أوضاع النازحين سياسياً، ما يعد عائقاً أمام إقبال المتبرعين على دعم النازحين، لافتاً إلى أن العائلات النازحة تعاني من أوضاع غاية في الصعوبة.
ويقول بركان إن جمعيته تمكنت من توفير الدعم والخدمات لأكثر من 50 أسرة، لكن تراجع التمويل يهدد استمرار العمل. يضيف: "كنا نطمح إلى زيادة عدد العائلات التي ندعمها. أما اليوم، فيبدو أننا مجبرون على تقليص جهودنا".
بدورها، تعتمد دار الأيتام في منطقة أبو هريدة في طرابلس على تبرعات من المحسنين. تقول إنعام، العاملة في الدار، إن "الدعم الحكومي يكاد يكون غير موجود منذ سنوات طويلة. وما يجعل الدار قادرة على رعاية عشرات الأيتام هو تبرع الخيرين". في الوقت نفسه، تلفت إلى تراجع دعم المتبرعين.
وعن أسباب تراجع الدعم، يشير بركان إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، عدا عن أزمة كورونا التي تحولت إلى عبء إضافي. ويوضح أن إقفال الحدود والمطارات ووقف الأنشطة الاقتصادية انعكس سلباً على أوضاع المتبرعين المادية، عدا عن صعوبة وصول المواد الغذائية والأدوية من الخارج.
من جهة ثانية، يلفت مدير جمعية خديجة الكبرى الأهلية، فرج أبو عيشة، إلى إقبال كبير من المتطوعين الشباب على العمل الخيري لتوفير المياه لمناطق أقصى غرب البلاد التي تواجه خطر العطش. لكنه يتحدث بدوره عن تراجع إقبال المتبرعين من أصحاب الحفارات وسيارات نقل المياه بسبب النقص الكبير في الوقود. يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك نقصاً كبيراً في التبرعات لدعم مشروع إنشاء وحدات سكنية للأشخاص المعوقين، مشيراً إلى أنه مشروع توقف في مرحلة متقدمة، علماً أنه كان يمكن أن يأوي أكثر من 150 معوقاً من أربع مدن ليبية.
إلى ذلك، يتحدث المسؤول في فرع صندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف بحكومة الوفاق الوطني، سامي كعال، عن تراجع عدد المتبرعين بسبب عدم الثقة في الجهات الحكومية التي نخرها الفساد، ويطالب بدعم الحكومة لهذا الصندوق وصناديق أخرى، مثل الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي التي لديها استثمارات كثيرة لكنها متوقفة بسبب التردي الأمني في البلاد.
ويوضح أبوعيشة أنه ما زال يحافظ على استمرار عمل المؤسسات الخيرية والأهلية من خلال دعم مؤسسات دولية خيرية توفر مواد طبية وإغاثية، وتشترك مع الجمعيات الخيرية في توزيعها لضمان وصولها إلى مستحقيها.