05 نوفمبر 2024
الفساد في العراق.. مُحارَب لا يُحارَب
أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، في إطار مسعى الحكومة الجديدة "الناقصة" لمكافحة الفساد، الغول الذي فتك بالعراق والعراقيين، وحوّل البلاد الأغنى إلى واحد من أكثر البلدان بؤساً ومأساوية، ناهيك عن تراكم الديون فوق الديون، على الرغم من أن العراق يصدّر يومياً نحو أربعة ملايين برميل نفط.
وجاء في الأمر الديواني الذي أعلن عنه مكتب رئيس الوزراء أن المجلس سيعمل من أجل الإسراع بإكمال المنظومة القانونية لمكافحة الفساد، ودعوة مجلس النواب ومجلس الدولة لأخذ أدوارهما ومسؤولياتهما في هذا الشأن، باستكمال الإجراءات لإصدار القوانين المقتضية. ونص الأمر على ضرورة الالتزام الصارم بإفصاح المسؤولين المكلفين عن ممتلكاتهم، وخلال أسبوع.
احتل العراق في العام 2018 المرتبة 168 عالمياً، ليكون بين أكثر عشر دول فساداً، وهي المرتبة التي حافظ عليها العراق طوال السنوات التي خلت، ولم تتغير، على الرغم من الوعود الكبيرة والكثيرة التي قطعتها الحكومات المتعاقبة على العراق منذ 2003، والتي رفعت جميعها شعار محاربة الفساد، من دون جدوى.
تفيد تقديرات بأن موازنات العراق منذ العام 2004 بلغت أكثر من ألف مليار دولار، يقابلها تردٍ مرعب وفظيع على مستوى الخدمات في كل القطاعات، حتى أن العراق لم يدخل في التصنيف العالمي حول جودة التعليم، وكذا الحال بالنسبة للقطاع الصحي، ناهيك عن غيابٍ شبه
تام لخدمات أساسية عديدة، منها الماء والكهرباء والرعاية الاجتماعية وحقوق المتقاعدين.
لا يمكن الحديث عن الفساد في العراق، من دون الحديث عن الطبقة السياسية الحاكمة، فالفساد الذي يعم بلاد الرافدين إنما هو نتيجة واقعية ومنطقية لفساد ساسته وحكامه، بل وصل الأمر إلى أن الفساد تحوّل إلى داءٍ مستشرِ دفع شركات ودولا عديدة راغبة بالاستثمار في العراق للهرب، إلا أنها لا يمكن أن تعمل في بلدٍ تحول إلى سلسلة فاسدين، وشلة منتفعين، من أكبر موظف في الدولة إلى أصغر موظف.
لم يعد الفساد في العراق ممارسات فردية، بل تحول إلى فساد ممنهج، تحميه قوى كبيرة داخل المؤسسة الحكومية. وقد تعرّض عديدون ممن كشفوا سرقات في المال العام، حتى وإن كانت صغيرة، للاغتيال، وقيدت جريمة قتلهم ضد مجهول.
ويدرك عادل عبد المهدي حجم التحدّي الذي يواجهه، ويدرك أيضا أن محاربة الفساد تعني من بين ما تعنيه انهيار منظومة العملية السياسية التي جاءت به وبحكومته، وجاءت بمن قبله، ويدرك أكثر أن هذا الفساد اليوم بات برعاية إيران، الدولة الإقليمية الأكثر استفادةً من فساد العراق. وبالتالي، فإنه أيضا يدرك أن محاربة الفساد يجب أن تكون بحدود، وألا تمتد يد القانون إلى الرؤوس الكبيرة، هذا إذا سلمنا جدلا بصدق نيات عبد المهدي في محاربة الفساد.
وتبدأ منظومة الفساد من الكبار، من ساسة وأحزاب ومليشيات ورجال دين ومراجع، الفساد يبدأ بهؤلاء وينتهي بهم، تضاف إليهم اليد الإيرانية التي تريد استمرار هذه المنظومة الفاسدة، كون طهران الأكثر استفادة من ذلك. والفساد في العراق أكبر من أن يحاربه عادل عبد المهدي بمجلس ولجنة عليا، إنه فساد منظومةٍ سياسيةٍ وطبقةٍ حاكمةٍ باتت اليوم تسيطر على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري.
وتفيد تقارير إخبارية بأن عبد المهدي وحكومته يبحثان عن 450 مليار دولار مفقودة من موازنات العراق ما بين 2006 و2018، وهي موازناتٌ كلها بدون حسابات ختامية، بالإضافة إلى أن العام 2014 الذي اختفت فيه أرقام تقدر بمبالغ خيالية من البنك المركزي
العراقي. وإذا علمنا أن العام 2014 كان عام تسليم السلطة من رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، إلى حيدر العبادي الذي جاء بعده، ندرك سبب غياب تلك المبالغ واختفائها من خزينة البنك المركزي العراقي.
يُتهم المالكي الذي كان رئيساً للحكومة وقائدا للقوات المسلحة في العراق، من 2006 وحتى 2014، بأن فترة حكمه كانت الأكثر فساداً في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، ناهيك عن أنها الفترة الأكثر دمويةً أيضا، والتي شهدت تصفيات طائفية قل نظيرها.
لا أحد يأمل من حملة عبد المهدي لمكافحة الفساد في العراق خيراً، فهي في أحسن أحوالها، وكما جرت العادة، ستطيح بعض صغار الفاسدين، بينما ستبقى النخب الفاسدة الكبرى ترتع في خيرات العراق. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما نشرته صحيفة أن سي أر، الهولندية واسعة الانتشار، عن فساد بطله هذه المرة، موفق الربيعي، مستشار الأمن الوطني السابق، وأحد أبرز ساسة عراق ما بعد 2003، حيث ذكرت الصحيفة في تحقيق موسع لها أن الربيعي، ومن خلال شركة تجارية عائدة له، كان وسيطا بين شركة هولندية والعراق، لأجل استخراج غوارق في مياه الخليج العربي قبالة سواحل العراق، صفقة كلفت العراق أكثر من مائة مليون دولار رشاوى فقط، بحسب الصحيفة الهولندية.
أخيراً، يبدو أن محاربة الفساد في العراق أصبحت سلعةً وبضاعة يروجها ويتاجر بها من يرومون تحقيق أهداف مرحلية أو بعيدة، فوحش الفساد تغوّل وابتلع الدولة العراقية، وإذا لم تتحرّر إرادة العراقيين، ويقتلعوا شوكهم بأيديهم، فلا أمل ولا مناص من تشكيل لجنةٍ هنا أو مجلسٍ لمحاربة الفساد هناك.
احتل العراق في العام 2018 المرتبة 168 عالمياً، ليكون بين أكثر عشر دول فساداً، وهي المرتبة التي حافظ عليها العراق طوال السنوات التي خلت، ولم تتغير، على الرغم من الوعود الكبيرة والكثيرة التي قطعتها الحكومات المتعاقبة على العراق منذ 2003، والتي رفعت جميعها شعار محاربة الفساد، من دون جدوى.
تفيد تقديرات بأن موازنات العراق منذ العام 2004 بلغت أكثر من ألف مليار دولار، يقابلها تردٍ مرعب وفظيع على مستوى الخدمات في كل القطاعات، حتى أن العراق لم يدخل في التصنيف العالمي حول جودة التعليم، وكذا الحال بالنسبة للقطاع الصحي، ناهيك عن غيابٍ شبه
لا يمكن الحديث عن الفساد في العراق، من دون الحديث عن الطبقة السياسية الحاكمة، فالفساد الذي يعم بلاد الرافدين إنما هو نتيجة واقعية ومنطقية لفساد ساسته وحكامه، بل وصل الأمر إلى أن الفساد تحوّل إلى داءٍ مستشرِ دفع شركات ودولا عديدة راغبة بالاستثمار في العراق للهرب، إلا أنها لا يمكن أن تعمل في بلدٍ تحول إلى سلسلة فاسدين، وشلة منتفعين، من أكبر موظف في الدولة إلى أصغر موظف.
لم يعد الفساد في العراق ممارسات فردية، بل تحول إلى فساد ممنهج، تحميه قوى كبيرة داخل المؤسسة الحكومية. وقد تعرّض عديدون ممن كشفوا سرقات في المال العام، حتى وإن كانت صغيرة، للاغتيال، وقيدت جريمة قتلهم ضد مجهول.
ويدرك عادل عبد المهدي حجم التحدّي الذي يواجهه، ويدرك أيضا أن محاربة الفساد تعني من بين ما تعنيه انهيار منظومة العملية السياسية التي جاءت به وبحكومته، وجاءت بمن قبله، ويدرك أكثر أن هذا الفساد اليوم بات برعاية إيران، الدولة الإقليمية الأكثر استفادةً من فساد العراق. وبالتالي، فإنه أيضا يدرك أن محاربة الفساد يجب أن تكون بحدود، وألا تمتد يد القانون إلى الرؤوس الكبيرة، هذا إذا سلمنا جدلا بصدق نيات عبد المهدي في محاربة الفساد.
وتبدأ منظومة الفساد من الكبار، من ساسة وأحزاب ومليشيات ورجال دين ومراجع، الفساد يبدأ بهؤلاء وينتهي بهم، تضاف إليهم اليد الإيرانية التي تريد استمرار هذه المنظومة الفاسدة، كون طهران الأكثر استفادة من ذلك. والفساد في العراق أكبر من أن يحاربه عادل عبد المهدي بمجلس ولجنة عليا، إنه فساد منظومةٍ سياسيةٍ وطبقةٍ حاكمةٍ باتت اليوم تسيطر على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري.
وتفيد تقارير إخبارية بأن عبد المهدي وحكومته يبحثان عن 450 مليار دولار مفقودة من موازنات العراق ما بين 2006 و2018، وهي موازناتٌ كلها بدون حسابات ختامية، بالإضافة إلى أن العام 2014 الذي اختفت فيه أرقام تقدر بمبالغ خيالية من البنك المركزي
يُتهم المالكي الذي كان رئيساً للحكومة وقائدا للقوات المسلحة في العراق، من 2006 وحتى 2014، بأن فترة حكمه كانت الأكثر فساداً في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، ناهيك عن أنها الفترة الأكثر دمويةً أيضا، والتي شهدت تصفيات طائفية قل نظيرها.
لا أحد يأمل من حملة عبد المهدي لمكافحة الفساد في العراق خيراً، فهي في أحسن أحوالها، وكما جرت العادة، ستطيح بعض صغار الفاسدين، بينما ستبقى النخب الفاسدة الكبرى ترتع في خيرات العراق. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما نشرته صحيفة أن سي أر، الهولندية واسعة الانتشار، عن فساد بطله هذه المرة، موفق الربيعي، مستشار الأمن الوطني السابق، وأحد أبرز ساسة عراق ما بعد 2003، حيث ذكرت الصحيفة في تحقيق موسع لها أن الربيعي، ومن خلال شركة تجارية عائدة له، كان وسيطا بين شركة هولندية والعراق، لأجل استخراج غوارق في مياه الخليج العربي قبالة سواحل العراق، صفقة كلفت العراق أكثر من مائة مليون دولار رشاوى فقط، بحسب الصحيفة الهولندية.
أخيراً، يبدو أن محاربة الفساد في العراق أصبحت سلعةً وبضاعة يروجها ويتاجر بها من يرومون تحقيق أهداف مرحلية أو بعيدة، فوحش الفساد تغوّل وابتلع الدولة العراقية، وإذا لم تتحرّر إرادة العراقيين، ويقتلعوا شوكهم بأيديهم، فلا أمل ولا مناص من تشكيل لجنةٍ هنا أو مجلسٍ لمحاربة الفساد هناك.