اللقاء مع المخرجين الغزاويين طرزان وناصر عرب في مهرجان كان السينمائي، كان متاحًا لملحق الثقافة، وضروريًا للاقتراب أكثر من وجهة نظر المخرجين الشابين (1988) التي دفعتهما إلى اختيار زاوية غير متوقعة لنقل صورة الحياة في غزّة. عرب ناصر هو الذي أجاب عن أسئلة "ملحق الثقافة" التي بدأت من ذاك التشابه غير المقصود ربما، لاختيار مكان التصوير صالون حلاقة نسائي كما في فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي، "سكر بنات". لكن عرب أبعد فكرة التشابه قائلًا: "الفيلم استعارة عن غزّة المغلقة، وعائلة المافيا ليست مقصودة في حدّ ذاتها. أردنا من خلال ذلك عمل إسقاط لمختلف المشاكل الموجودة في غزّة؛ الاحتلال الإسرائيلي، والتمسّك بالعادات والتقاليد، والفهم الخاطئ للدين، والقمع والتعدي على الحريات، والقوانين القمعية، كلّ هذه الأمور تمثلها العائلة المسلحة. اخترنا التركيز على المرأة لأنها أكثر من يعاني من تشويه صورتها، فعادة ما يتمّ تقديمها وهي محجبة مثلًا، أو ضعيفة أو تلازم بيتها تحت سلطة الرجل المطلقة. لكن المرأة في غزّة، خلاف ذلك، هي قوية ولها شخصيتها ووجهة نظرها وتجيد الكلام والتعبير. وهي صبورة جدًا، هي شعلة مثال لكلّ الناس في غزّة".
الصورة غير المألوفة للمرأة الغزاوية، وكذلك الابتعاد عن ذكر الاحتلال الإسرائيلي مباشرة في الفيلم، كانا من بين الأمور التي طرحها من انتقد الفيلم. ويبدو ان الأخويين ناصر توقعا ذلك منذ لحظة تحضيره، الذي يعني في وجه من وجوهه موافقة ممولي الفيلم على مضمونه. وقد تعرّض المخرجان للضغط، وفقًا لكلامهما، من أجل إعادة النظر في الفيلم، لكنهّما رفضا. يقول عرب ناصر في ذلك : "بشكل عام، انسحب بعض المستثمرين الذين اعتمدنا عليهم لدعم الفيلم، فقد عدّوا أن ما نقدّمه خارج الإطار الوطني، وكان في رأيهم أن الأولوية لتصوير التقتيل والدمار، ولرواية المأساة من منطلق الأحداث الأخيرة (عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، صيف 2014). لكننا لم نوافق، لأن أخبار الحرب ستكون حاضرة على شاشات التلفزيون في النشرات الإخبارية، وحري بنا أن نبرز للعالم حياة الغزاويين، وأن نشير إلى الأسباب التي أوصلتهم إلى هذه الظروف المأساوية. كان المهم بالنسبة إلينا هو أن نحكي عن حياتهم قبل أن يُقتلوا. كلّ العالم يعرف أننا نعيش الحرب في غزّة كلّ سنتين أو ثلاثة، وأنها تُدمّر كلّ مرّة، يشاهد العالم كلّه هذا الدمار عبر وسائل الإعلام. لكنه يجهل كيف يعيش الغزاويون حياتهم اليومية خارج الحروب. العالم لا يرى غزّة إلا كمكان للموت، حيث لا أمل ولا حياة ولا آفاق، هذه الصورة التي يحملها العالم عن غزّة. وكان هذا تحدٍ بالنسبة لنا، لم نغير في السيناريو لأننا نريد أن يرى العالم، صورة الحياة العادية اليومية الفلسطينية في غزّة. هناك لدى الناس كرامة وقوة، بشرٌ يريدون العيش، ويبحثون عن سبل حماية أنفسهم من اليأس، وهذه مقاومة. فالمرأة التي تتجمَّل رغم الظروف السيئة، هي تبحث عن أنوثتها رغم المعاناة. نحن شعب لا يستسلم ولا يرفع الراية البيضاء، يحاول مواصلة المشوار رغم المشاكل التي تفرض نفسها علينا. لا خيار لدينا فنحن شعب يحب الحياة".
بيد أن الظروف القاهرة لغزّة تبقى سيدة الموقف، خاصّة وأن الفيلم صوّر إبان الحرب عليها، ولم يكن الأخوان ناصر في غزّة. فكان السؤال عن تأثير تلك الظروف عليهما. لم يوارب عرب ناصر بل قال صراحة :"بعض الناس عدّ ذلك أنانية، لأننا بدأنا التصوير مباشرة أثناء الحرب. وهذه أوّل مرّة اكتشف حجم معاناة أهل غزّة. أنا عشت في غزة أربعة حروب، ولكن هذه الأخيرة عشتها من خارج غزّة وكان وقعها شديدًا. فعندما تكون في الداخل، لا يكون لديك مساحة للتفكير في ما يحدث، فأنت تعيش الحرب كما الجميع. ولكن عندما تتابع الحرب وتشاهدها من الخارج، يختلف الأمر، فتتوقّف عند كلّ شيء، حتى التفاصيل. وجدتني أسأل نفسي كيف يمكن لي أن أحكي عن حياة أهل غزّة؟ كيف كنتُ أعيش هذه الحروب؟ وكيف تحمّلت الظروف؟ انطلاقًا من هذه الأسئلة، حاولت استعادة شيء من قوّة الغزاويين، وحبّهم للحياة من أجل صياغة قصّة تبرز كل ذلك. أردت الحديث عن مليوني شخص يعيشون في مكان مغلق، ويعانون من آلاف المشاكل. أردتها حكاية لا تنطلق من الموت الذي يهدّد الناس في غزّة، بل أن تنطلق من الحياة التي يحاولون الحفاظ عليها. دعونا نصدر منتوجًا ثقافيًا يدعو للحياة، خلافًا لما يعرفه عنا العالم، وما ينتظر رؤيته وسماعه عنا، لنعطي صورة متفائلة لغزّة. فأنا أراها جميلة، وهو ما أردت نقله من خلال ألوان الديكور الزاهية. كأن العالم يفرض علينا ألا نخاطبه إلا من خلال الموت، حتّى السوق العالمية للسينما تنتظر أن تسوّق لها فيلمًا عن الموت الغزاوي. بينما نحن لنا حياة كباقي المجتمعات، ولدينا نساء مثل كلّ نساء العالم".
وبدا احتفاء الصحافة الفرنسية لا النقّاد بالفيلم نافذةً لسؤال عن الجمهور الذي يتوجه إليه الأخوان ناصر، فأجاب عرب :"الفيلم موجه للفلسطيني والعربي والأجنبي. الفيلم موجه للجميع، فنحن لم نقدّم كليشيات ولم نستعطف فيه أيًا كان. فيه وجهة نظر واقعية رغم أن البعض قال إنها مشوّهة. لم نجمّل الحياة في غزّة ولم نقل إنها قبيحة، طرحنا موجّه لكلّ العالم وللفلسطينيين غير المنتبهين لحياتهم أيضًا".
بيد أنّ حضور حركة حماس على هذا النحو في الفيلم، أجفل على ما يبدو بعض المتابعين، فظنّوا الفيلم موجهاً ضدّها وحدها، وهو الأمر الذي نفاه المخرج عرب ناصر صراحة: "انتقدنا كلّ واحد يحاول أن يدمّر الحياة، وليس حماس مقصودة في حدّ ذاتها. تحدّثنا عن حماس وفتح والاحتلال الاسرائيلي والمشاكل وغيرها، نحن ضدّ كل من يريد أن يدمِّر الحياة".
تبقى المرأة الحاضر الطاغي في "متدرّج"، وعند نهاية الفيلم، نرى أن الأخوين قدّما الفيلم هدية للوالدة. يعلّق عرب ناصر قائلًا :"نعم، فأمي فيها كلّ هؤلاء النسوة الحاضرات في الصالون، فيها جانب قوي وآخر ضعيف، تتحدّث عن الدين والسياسة والجنس وكلّ شيء، مثلها مثل المرأة الفرنسية أو غيرها في كلّ أصقاع العالم، المختلف هو الظروف الحياتية فقط".
(كاتبة مغربية)
الصورة غير المألوفة للمرأة الغزاوية، وكذلك الابتعاد عن ذكر الاحتلال الإسرائيلي مباشرة في الفيلم، كانا من بين الأمور التي طرحها من انتقد الفيلم. ويبدو ان الأخويين ناصر توقعا ذلك منذ لحظة تحضيره، الذي يعني في وجه من وجوهه موافقة ممولي الفيلم على مضمونه. وقد تعرّض المخرجان للضغط، وفقًا لكلامهما، من أجل إعادة النظر في الفيلم، لكنهّما رفضا. يقول عرب ناصر في ذلك : "بشكل عام، انسحب بعض المستثمرين الذين اعتمدنا عليهم لدعم الفيلم، فقد عدّوا أن ما نقدّمه خارج الإطار الوطني، وكان في رأيهم أن الأولوية لتصوير التقتيل والدمار، ولرواية المأساة من منطلق الأحداث الأخيرة (عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، صيف 2014). لكننا لم نوافق، لأن أخبار الحرب ستكون حاضرة على شاشات التلفزيون في النشرات الإخبارية، وحري بنا أن نبرز للعالم حياة الغزاويين، وأن نشير إلى الأسباب التي أوصلتهم إلى هذه الظروف المأساوية. كان المهم بالنسبة إلينا هو أن نحكي عن حياتهم قبل أن يُقتلوا. كلّ العالم يعرف أننا نعيش الحرب في غزّة كلّ سنتين أو ثلاثة، وأنها تُدمّر كلّ مرّة، يشاهد العالم كلّه هذا الدمار عبر وسائل الإعلام. لكنه يجهل كيف يعيش الغزاويون حياتهم اليومية خارج الحروب. العالم لا يرى غزّة إلا كمكان للموت، حيث لا أمل ولا حياة ولا آفاق، هذه الصورة التي يحملها العالم عن غزّة. وكان هذا تحدٍ بالنسبة لنا، لم نغير في السيناريو لأننا نريد أن يرى العالم، صورة الحياة العادية اليومية الفلسطينية في غزّة. هناك لدى الناس كرامة وقوة، بشرٌ يريدون العيش، ويبحثون عن سبل حماية أنفسهم من اليأس، وهذه مقاومة. فالمرأة التي تتجمَّل رغم الظروف السيئة، هي تبحث عن أنوثتها رغم المعاناة. نحن شعب لا يستسلم ولا يرفع الراية البيضاء، يحاول مواصلة المشوار رغم المشاكل التي تفرض نفسها علينا. لا خيار لدينا فنحن شعب يحب الحياة".
بيد أن الظروف القاهرة لغزّة تبقى سيدة الموقف، خاصّة وأن الفيلم صوّر إبان الحرب عليها، ولم يكن الأخوان ناصر في غزّة. فكان السؤال عن تأثير تلك الظروف عليهما. لم يوارب عرب ناصر بل قال صراحة :"بعض الناس عدّ ذلك أنانية، لأننا بدأنا التصوير مباشرة أثناء الحرب. وهذه أوّل مرّة اكتشف حجم معاناة أهل غزّة. أنا عشت في غزة أربعة حروب، ولكن هذه الأخيرة عشتها من خارج غزّة وكان وقعها شديدًا. فعندما تكون في الداخل، لا يكون لديك مساحة للتفكير في ما يحدث، فأنت تعيش الحرب كما الجميع. ولكن عندما تتابع الحرب وتشاهدها من الخارج، يختلف الأمر، فتتوقّف عند كلّ شيء، حتى التفاصيل. وجدتني أسأل نفسي كيف يمكن لي أن أحكي عن حياة أهل غزّة؟ كيف كنتُ أعيش هذه الحروب؟ وكيف تحمّلت الظروف؟ انطلاقًا من هذه الأسئلة، حاولت استعادة شيء من قوّة الغزاويين، وحبّهم للحياة من أجل صياغة قصّة تبرز كل ذلك. أردت الحديث عن مليوني شخص يعيشون في مكان مغلق، ويعانون من آلاف المشاكل. أردتها حكاية لا تنطلق من الموت الذي يهدّد الناس في غزّة، بل أن تنطلق من الحياة التي يحاولون الحفاظ عليها. دعونا نصدر منتوجًا ثقافيًا يدعو للحياة، خلافًا لما يعرفه عنا العالم، وما ينتظر رؤيته وسماعه عنا، لنعطي صورة متفائلة لغزّة. فأنا أراها جميلة، وهو ما أردت نقله من خلال ألوان الديكور الزاهية. كأن العالم يفرض علينا ألا نخاطبه إلا من خلال الموت، حتّى السوق العالمية للسينما تنتظر أن تسوّق لها فيلمًا عن الموت الغزاوي. بينما نحن لنا حياة كباقي المجتمعات، ولدينا نساء مثل كلّ نساء العالم".
وبدا احتفاء الصحافة الفرنسية لا النقّاد بالفيلم نافذةً لسؤال عن الجمهور الذي يتوجه إليه الأخوان ناصر، فأجاب عرب :"الفيلم موجه للفلسطيني والعربي والأجنبي. الفيلم موجه للجميع، فنحن لم نقدّم كليشيات ولم نستعطف فيه أيًا كان. فيه وجهة نظر واقعية رغم أن البعض قال إنها مشوّهة. لم نجمّل الحياة في غزّة ولم نقل إنها قبيحة، طرحنا موجّه لكلّ العالم وللفلسطينيين غير المنتبهين لحياتهم أيضًا".
بيد أنّ حضور حركة حماس على هذا النحو في الفيلم، أجفل على ما يبدو بعض المتابعين، فظنّوا الفيلم موجهاً ضدّها وحدها، وهو الأمر الذي نفاه المخرج عرب ناصر صراحة: "انتقدنا كلّ واحد يحاول أن يدمّر الحياة، وليس حماس مقصودة في حدّ ذاتها. تحدّثنا عن حماس وفتح والاحتلال الاسرائيلي والمشاكل وغيرها، نحن ضدّ كل من يريد أن يدمِّر الحياة".
تبقى المرأة الحاضر الطاغي في "متدرّج"، وعند نهاية الفيلم، نرى أن الأخوين قدّما الفيلم هدية للوالدة. يعلّق عرب ناصر قائلًا :"نعم، فأمي فيها كلّ هؤلاء النسوة الحاضرات في الصالون، فيها جانب قوي وآخر ضعيف، تتحدّث عن الدين والسياسة والجنس وكلّ شيء، مثلها مثل المرأة الفرنسية أو غيرها في كلّ أصقاع العالم، المختلف هو الظروف الحياتية فقط".
(كاتبة مغربية)