بالرغم من أنّ مجرد ذكر كلمة "كوليرا" يصيب المسؤولين بالهلع، فإن وجود المرض حقيقة أكدتها دعوة الحكومة السودانية مؤخراً لمنظمة الصحة العالمية للتدخل من أجل القضاء على ما تسمّيه الدوائر الرسمية "الإسهالات المائية". ففي تصريح وزير الصحة الاتحادي: "أي جهة أعطت تسمية لا تتوافق مع تسميتنا لا يعني أنّها صحيحة، وإذا أخرجت أي جهة معلومات لمواطنيها لا يعني أنها سبقتنا" في رد على السفارة الأميركية التي حذرت رعاياها من الكوليرا في السودان.
الخبير في مجال الأوبئة عيسى حمودة يؤكد أنّ السودان دولة تستوطن فيها الإسهالات المائية والكوليرا لأسباب بيئية ومناخية، وأخرى اجتماعية وثقافية. كذلك، فإنّ الدول التي تدور فيها النزاعات والطوارئ لفترات طويلة تكون عرضة لتكرار الأمراض والأوبئة، إذ يحدث إهمال في خدمات المياه والصرف الصحي، وتزيد موجات النزوح واللجوء للمدن والحواضر، وتتصدع البني التحتية، ويغيب النظام المعلوماتي الصحي (التقصّي والمتابعة).
تقاس درجة الأوبئة بمقياس معدل خطورة الحالات، الذي يعتمد مقارنة عدد الاصابات بالوفيات، والذي فاق المعدل العالمي الذي نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2014، فقد وصل إلى 5 في المائة في بعض المناطق السودانية، وتضاعف كثيراً في مناطق أخرى.
تذكر الوثائق أنّ العالم قد شهد خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ست موجات وبائية كبرى لـ"الكوليرا" نشأت من حوض البنغال. وتمت محاصرة الوباء بعد ذلك في أماكن توطنه في الهند وبنغلادش، حتى العام 1961 عندما اجتاحت العالم موجة سابعة، عبرت من إندونيسيا إلى الشرق الأقصى، ثم معظم جنوب القارة الآسيوية.
أما في أفريقيا فقد كانت آخر الموجات العظيمة في العام 1985، حين شمل الوباء 12 بلداً أفريقياً من بينها السودان. ويومها، كما اليوم، كانت السلطات الصحية قد أنكرت وجود الكوليرا، متمسكة بمصطلح "إسهال حاد" بينما كان المرض يغزو مدن بورتسودان والخرطوم آتياً من إثيوبيا.
هذه الموجة الثالثة التي تضرب السودان اليوم، وقد جاءت من دولة الجنوب الوليدة، حيث الحرب المشتعلة، وإعلان المجاعة، الأمر الذي زاد من وتيرة هروب المواطنين شمالاً، من دون قدرة على وقف زحفهم من مناطق النيل الأبيض (الجنوب الجديد)، شمالاً، حتى العاصمة، فأُجبر المسؤولون على الاعتراف بالوباء، مع تباين كبير في الأرقام والإحصاءات ما بين الإعلام الرسمي والشعبي.
في وسائل التواصل الاجتماعي كثير من المعلومات والإرشادات، الأمر الذي ساهم كثيراً في نشر الوعي، وتقليص الحالات. ولو كان تدخل الإعلام الرسمي بذات المسؤولية، لما حدث ما حدث من تفاقم للأزمة.
*متخصص في شؤون البيئة
اقــرأ أيضاً
الخبير في مجال الأوبئة عيسى حمودة يؤكد أنّ السودان دولة تستوطن فيها الإسهالات المائية والكوليرا لأسباب بيئية ومناخية، وأخرى اجتماعية وثقافية. كذلك، فإنّ الدول التي تدور فيها النزاعات والطوارئ لفترات طويلة تكون عرضة لتكرار الأمراض والأوبئة، إذ يحدث إهمال في خدمات المياه والصرف الصحي، وتزيد موجات النزوح واللجوء للمدن والحواضر، وتتصدع البني التحتية، ويغيب النظام المعلوماتي الصحي (التقصّي والمتابعة).
تقاس درجة الأوبئة بمقياس معدل خطورة الحالات، الذي يعتمد مقارنة عدد الاصابات بالوفيات، والذي فاق المعدل العالمي الذي نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2014، فقد وصل إلى 5 في المائة في بعض المناطق السودانية، وتضاعف كثيراً في مناطق أخرى.
تذكر الوثائق أنّ العالم قد شهد خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ست موجات وبائية كبرى لـ"الكوليرا" نشأت من حوض البنغال. وتمت محاصرة الوباء بعد ذلك في أماكن توطنه في الهند وبنغلادش، حتى العام 1961 عندما اجتاحت العالم موجة سابعة، عبرت من إندونيسيا إلى الشرق الأقصى، ثم معظم جنوب القارة الآسيوية.
أما في أفريقيا فقد كانت آخر الموجات العظيمة في العام 1985، حين شمل الوباء 12 بلداً أفريقياً من بينها السودان. ويومها، كما اليوم، كانت السلطات الصحية قد أنكرت وجود الكوليرا، متمسكة بمصطلح "إسهال حاد" بينما كان المرض يغزو مدن بورتسودان والخرطوم آتياً من إثيوبيا.
هذه الموجة الثالثة التي تضرب السودان اليوم، وقد جاءت من دولة الجنوب الوليدة، حيث الحرب المشتعلة، وإعلان المجاعة، الأمر الذي زاد من وتيرة هروب المواطنين شمالاً، من دون قدرة على وقف زحفهم من مناطق النيل الأبيض (الجنوب الجديد)، شمالاً، حتى العاصمة، فأُجبر المسؤولون على الاعتراف بالوباء، مع تباين كبير في الأرقام والإحصاءات ما بين الإعلام الرسمي والشعبي.
في وسائل التواصل الاجتماعي كثير من المعلومات والإرشادات، الأمر الذي ساهم كثيراً في نشر الوعي، وتقليص الحالات. ولو كان تدخل الإعلام الرسمي بذات المسؤولية، لما حدث ما حدث من تفاقم للأزمة.
*متخصص في شؤون البيئة