05 نوفمبر 2024
اللعب الروسي بإدارة أميركية
منذ انطلقت الغارات الروسية في سورية، والتأويل والتحليل الطاغي على هذه الخطوة التي لم تكن متوقعة، ينصب، في أغلبه، على نقطة محورية، تتلخص بخلاف روسي أميركي على آلية معالجة الأزمة السورية، وهو الأمر الذي كان واضحاً منذ اندلعت الثورة السورية، وتطورت إلى صدام مسلح، دُفع إليه الشعب السوري دفعاً، عبر أساليب القمع والإرهاب والقتل التي استخدمها رأس النظام.
الخلاف الروسي الأميركي حيال الأزمة السورية، بالتالي، ليس نتاج اليوم. ولكن، ما الذي تغير حتى دفع الروس بطائراتهم إلى الملعب السوري، بهذه السرعة والمفاجأة، ربما، حتى صار شكل الأزمة المعقدة أصلا، أكثر تعقيداً، وما كان خلافاً كلامياً، وعبر وسائل الإعلام بين موسكو وواشنطن، تحول إلى مواجهة على الأرض، فبعد أن نقل اللاعب الأميركي سلاحه الجوي إلى الأراضي السورية، لدك معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، وليس معاقل الأسد، جاء الدور على اللاعب الروسي، لينقل، هو الآخر، طائراته ودباباته ومدافعه إلى الملعب السوري أيضاً.
نعم، هناك خلاف في وجهات النظر بين موسكو وواشنطن حيال الأزمة السورية، وهو نابع ربما من طبيعة تحالفات كل دولة ومصالحها، لكن الأهم من هذا وذاك، هل كان التدخل الروسي ليتم، لولا وجود ضوء أخضر أميركي؟ لا بد من التأكيد على أن روسيا، وإن سعت إلى استعادة شيء من ماضيها، فإنها تدرك جيداً حدودها التي يمكن أن تلعب فيها، فليس صحيحاً أن موسكو فاجأت واشنطن بتدخلها في سورية، فالمعلوم أن السماء السورية كانت بالكامل تحت الخيمة الجوية الأميركية، منذ انطلقت عمليات القصف الجوي على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية قبل عام. كما أن موسكو تدرك جيداً أن أصول اللعب على الساحة الدولية، ومنها سورية، بحاجة إلى تنسيق، ليس مع الولايات المتحدة وحسب، وإنما حتى مع لاعبين آخرين في المنطقة، وهو ما أعلنت عنه موسكو أنها أبلغت واشنطن وتل أبيب بالضربات الجوية، قبل ساعة من موعدها، وربما تكون موسكو قد أبلغت لاعبين آخرين، قبل موعد الضربات الجوية.
ما يجب التأكيد عليه أنه بتنسيق أو ربما بطلب أو إيعاز أميركي، وليس صحيحاً ما نسمعه ونشاهده من سجال إعلامي بين موسكو وواشنطن حيال هذا التدخل، فالولايات المتحدة الأميركية تملك الخبرة الكافية في ترويض الدب الروسي، ولا يتوهم متوهم أن موسكو اليوم أفضل حالاً من الاتحاد السوفييتي السابق، يوم أن دخلت المستنقع الأفغاني، وخرجت منه متفككة، بالإضافة إلى أسباب أخرى.
وعلى ذكر أفغانستان، لا يمكن التسليم بأن أميركا ورّطت روسيا في سورية على شاكلة ما جرى في أفغانستان، فالحال والواقع مختلف، والدول تتعلم من تجاربها. لن ترسل روسيا قوات برية إلى سورية، ولبعد المسافة أهمية في هذا الإطار، بخلاف أفغانستان المجاورة، وحتى لو أرسلت لن تكون لديها القدرة على إرسال قوات كبيرة، ناهيك عن أن موسكو ليست بهذا الغباء الاستراتيجي ولا تلدغ مرة أخرى من الجحر نفسه. وإذا سلمنا بأن واشنطن اتفقت مع موسكو، أو رتبت لها التدخل في سورية، فما الفائدة المرجوة من ذلك؟ وكيف سينعكس الأمر على خارطة الصراع في الشرق الأوسط عموماً، وسورية خصوصاً؟
بعد أربعة أعوام من انطلاق الثورة السورية وتعقيداتها التي أعقبت هذا الانطلاق، أدركت واشنطن أن سقوط الأسد بات حتمياً، وهذا لم يكن وليد اللحظة، وإنما مبكراً، غير أن العائق أمام تقدم واشنطن خطوة باتجاه إسقاط الأسد كان دوماً في السؤال عن البديل، وما يعنيه هذا الأمر لطفلة أميركا المدللة، إسرائيل. هذا بالإضافة إلى الإصرار الروسي، ومعه الإيراني طبعا، على بقاء الأسد، وعلى الأقل حفظ مصالحهما، حتى بعد رحيله.
أميركا، وبعد عام من انطلاق تحالفها الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وجدت نفسها محكومة بعمليات نوعية جوية، سواء في العراق أو سورية، لم تؤثر كثيراً على هذا التنظيم، كما أن برنامجها السري لتدريب المعارضة السورية لمجابهة تنظيم الدولة فشل. ومن هنا، كانت هناك حاجة للسماح بالتدخل الروسي، لضرب كل أطراف المعارضة، وتحديدا تلك التي لا علاقة بها بتنظيم الدولة، كونها أضعف قدرة وتنظيماً، ومن ثم، بعد إضعاف تلك الأذرع المسلحة، تبدأ المرحلة الثانية من الخطة، والتي تشمل البدء بالدعوة، عبر المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، لمؤتمر تحضره كل الأطراف، المعارضة والنظام، برعاية أممية، ينتهي بتشكيل حكومة انتقالية، بوجود الأسد أو عدم وجوده، وهذا تفصيل ستجري مناقشته حينها.
تستخدم أميركا، اليوم، الذراع الروسية العسكرية، لضرب كل أطراف المعارضة وإضعافها، حتى تجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فواشنطن لا تقوى على القيام بهذا الدور، فهناك رأي عام أميركي يراقب، وهناك كونغرس، وهناك هيئات قانونية، ستكون بالمرصاد لكل خطأ أميركي، في حين يغيب ذلك كله عن الداخل الروسي، فلا برلمان ولا إعلام أو رأيا عاما يمكن أن يحاسب فلاديمير بوتين على ما سيرتكبه من فظائع في سورية.
في العراق، ربما الحال يختلف، فهناك حكومة متعاونة مع واشنطن فيما يتعلق بداعش، وأيضا عشائر سنية انخرط آلاف من أبنائها في معسكرات أميركية في الأنبار لتحرير المناطق من سيطرة داعش، وبالتوازي مع هذه الجهود العسكرية، فإن جهداً دبلوماسياً ظهر، في الفترة الماضية، يسمح بزج السنة، وإشراكهم أكثر في العملية السياسية.