08 مارس 2017
الماء والزيت في المنطقة العربية
نرى اليوم ونسمع عن تحركات عديدة للدول الغربية، باتجاه تهدئة الأوضاع في مناطق النزاع في الشرق الأوسط. فبعد الاتفاق النووي الإيراني، وبعد التصعيد الروسي في سورية، يأتي زمن التهدئة، على ما يبدو. أطراف النزاع اليمني مجتمعون في سويسرا، كذلك الاتفاق بين أطراف النزاع الليبي، وإنهاء الانشقاق بين برلماني طُبرق وطرابلس في المغرب. سبقت ذلك اتفاقيات أميركية روسية لوضع خارطة طريق، لحل المُعضلة السورية، تلاه مؤتمر الرياض لتوحيد تمثيل المعارضة السورية، تبدأ أولى خطواتها بعد أيام. ونشاهد أيضاً، بشيء من الدهشة، بداية تهدئة الوضع في لبنان، بعد مبادرة سعد الحريري، والاتجاه نحو توافق لانتخاب رئيس للجمهورية.
في مقابل ذلك، نرى بعد اعتداءات باريس وسان برناردينو في أميركا، والتي قام بها أصوليون إسلاميون، مشتبهون بالارتباط بتنظيم داعش، نرى تصعيداً للمواقف الغربية، خصوصاً الأميركية باتجاه الحرب على الإرهاب الداعشي فقط، دافعة المملكة العربية السعودية إلى إقامة تحالف إسلامي للحرب ضد الإرهاب، من 34 دولة.
هل هناك تغيير حقيقي بالمواقف الدولية، وما هي المُعطيات الموضوعية التي قد تُفسر أي تغيير؟ أدخل الوطن العربي، منذ خمس سنوات، بحرائق وحروب عدة، بسبب رد أنظمة القمع، المدعومة غربياً، على نداءات الشعوب بالحرية، لكنهم لم يستطيعوا أن يخمدوا شعلة الثورات، ولم يستطع هدا الرد أن يُعيد إلى نفوس الشباب عقدة الخوف من النظام، وهي التي كانت العائق أمام تحرك آبائهم منذ عقود. لم يتدخل الغرب، وخصوصاً أميركا، لإطفاء هذه الحرائق، إلا بمقدار ما يؤمن بقاء حلفائها، ويُحافظ على مصالح إسرائيل، والمثل الأكثر وضوحاً هو انتزاع السلاح الكيميائي السوري. وأعطى دخول العنف الأصولي الديني على خط الحرائق التي أشعلتها الأنظمة هذه نفسها الحُجة الإيديولوجية لقمع شعوبها، وبرّرت، في الوقت نفسه، أمام الرأي العام الغربي، تقاعُس الحكومات الغربية عن الوقوف بجانب التغيير الديمقراطي العربي.
ربما غيّرت نتائج إجرام النظام السوري، أخيراً، بحق شعبه، وكذا وضع ملايين السوريين على طريق الهجرة، ومئات الآلاف إلى أوروبا، على الرغم من كل صعاب الطريق وخطورتها، مُضافاً إليه وصول العنف والإرهاب إلى شوارع المدن الغربية والأميركية، ربما غيرت هذه المستجدات كلها، بعض الشيء، من المعادلة، لصالح محاولة إخماد التطرف الأصولي الديني، عن طريق إطفاء، ولو قدر الممكن، الأزمات الدامية ذات النتائج الاجتماعية المُدمرة على المواطنين، كما نرى في اليمن وسورية وليبيا، وهذا يُفسر الاجتماعات التصالحية الأخيرة، في هذه البلدان.
لا يتحمل الغرب مسؤولياته إلا أمام شعوبه، حكوماته مُنتخبة من شعوبها، وليس من الشعوب
العربية، تُغير سياساتها بمقدار ما تحمي وتُفيد أبناءها. يبدو أنها استنتجت أن القوة العسكرية وحدها لن تحمي شوارع باريس ولندن ونيويورك، بل ما يحميها تخفيف حرارة التناقضات، في الدول المُصدرة لهؤلاء الأصوليين. إعطاء الأمل بالسلام لأهل اليمن أفضل الطرق لإبعاد شبح تغلغل القاعدة أو داعش، كذلك الأمر في ليبيا وحدودها الممتدة آلاف الكيلومترات مع الدول الإفريقية، كذلك في سورية وآلاف قتلاها وملايين مُهجريها.
اتفاق روسيا والولايات المتحدة، أخيراً، على خارطة الطريق في سورية، والتقارب الجديد بينهما، بشأن خطة مُشتركة، بما فيه قرارات قد تؤخذ في مجلس الأمن، وفشل الروس بتغيير خارطة التوازنات على الأرض، وتراجع أسعار النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد الروسي، وبدء هزيمة عسكرية إيرانية في سورية، على ما يُذكر، كل هذا قد يفتح الطريق، بالطبع، إلى إيقاف الحملة الجوية الروسية مع بداية العام المقبل، وإعطاء نوع من المصداقية للعملية السياسية، والرحيل المُنتظر للأسد. ويمكن القول إن العمل يتم، إذاً، على جبهتين، تزايد وتيرة الحرب والتحالفات ضد داعش والأصوليين الإسلاميين، وتبريد الجبهات الأخرى المفتوحة من الأنظمة ضد شعوبها.
على عكس الحكومات الديمقراطية الغربية، لا تُعير الحكومات العربية أي اهتمام لمآسي شعوبها، لا ترى الدم النازف وآلاف القتلى والمُهجرين، من سورية أو اليمن أو العراق، هذه حكومات بدل أن تلتفت إلى شعوبها لحمايتهم، وتتبع سياسات مُبدعة لذلك، تعمل العكس، أي التوجه المُستمر نحو مزيد من العنف، بحجة مقاتلة الإرهاب، بينما هدفها النهائي البقاء في السلطة، والاستمرار في استعباد ملايين المحرومين والمُعذبين. وحدها أميركا من يُقرر لها ما تعمل، حرباً أم سلماً. لهذا، نرى الجيوش العربية تحارب في اليمن، وتُدمر البُنية التحتية وتقتل الآلاف، وتوصل البلاد إلى ما يشبه المجاعة فقط، انصياعاً للأمر الأميركي، في مواجهة التمدد الإيراني نحو مضيق باب المندب.
تقوم هذه الحكومات نفسها اليوم بتغيير سياساتها، بناءً على "النصائح الأميركية"، مثل تشكيل تحالف إسلامي ضد الإرهاب، أو القبول بهدنة في اليمن لبدء الحل السلمي الذي كان في وسع اليمنيين أنفسهم تصوره وعمله، من دون التدخل السعودي العربي. وفي ليبيا، تنصاع قوات خليفة حفتر للطلب الغربي، بالاتجاه نحو المصالحة الوطنية، وتقبل الجلوس مع من تعتبرهم إسلاميين في طرابلس.
أما التناقضات بين السلطات المُستبدة العربية وشعوبها فستبقى قائمة، وتخفيض حرارة النزاعات التي كانت هذه السلطات أساس نشأتها، برفضها الانصياع لمطالب جماهيرها، سيؤدي من جديد إلى تجدد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية المُطالبة بالحرية. هل ستستطيع الحكومات العربية، حين ذاك، بأسلحتها المُكدسة، والتي كلفتنا مليارات الدولارات، أن تعود إلى العنف المُفرط ضد شعوبها من جديد؟ هذا ممكن، لكنه أقل احتمالاً من السنوات الماضية. وقد لا يبقى الوضع في مصر على حاله، وعودة العملية الديمقراطية الحقيقية، والذي نأمله سلمياً، أمر ممكن، بعد التخلي التدريجي لدول الخليج عن الجنرال عبد الفتاح السيسي، وفشل سياساته الاقتصادية لتحسين الوضع المعاشي للمواطنين.
قد يعيد قادم الأيام إلينا، أيضاً، مركزية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل لم تسكت عن الصفقة الإيرانية الأميركية، إلا بعد أن تأكدت من خلع أنياب الإيرانيين ومخالبهم، وإزالة أي خطر تجاهها، ومع انكفاء حزب الله المتوقع من جديد إلى الداخل اللبناني مُنهكاً، وهو الذي شكل في الماضي الخطر الحقيقي على إسرائيل، بعكس باقي الجيوش العربية، هو ما سيدفعه إلى الدخول والقبول بالعملية السياسة، وهذا قد يدفع إسرائيل منطقياً إلى المُغامرة لإنهاء قوة حزب الله العسكرية، إما بإجباره على تسليم سلاحه للسلطة الشرعية اللبنانية، أو بضربة عسكرية، فإسرائيل لم تترك حزب الله يدخل سورية ويحارب هناك إلا لشيء في نفس يعقوب، هو إنهاء ثورة الشعب السوري، ووقف زحف التغيير الديمقراطي الذي تعتبره إسرائيل خطراً على وجودها مما يمثله من صحوة للأمة. هذا ما يُفسر، اليوم، أيضاً الدعم الإسرائيلي الصارخ للوجود العسكري الروسي في سورية، ووقوف نتنياهو بجانب بوتين ضد تركيا.
ستعيد الانتفاضة الفلسطينية الحالية الحرارة والسخونة إلى العداء العربي لإسرائيل من جديد، في الوقت التي قد تخفُتُ هذه الحرارة بحروب دول الجوار. هذا سيكون مؤشراً إلى عودة الأمور نحو الاتجاه السليم، أي مركزية القضية الفلسطينية، والتي يجب أن ترتبط بنضال الأمة، من أجل حريتها وكرامتها. وعندما نرى الدعم الشعبي الذي تلقاه فلسطين في كل الساحات العربية (بعكس المواقف الرسمية) يعود لنا الأمل بأن تبقى فلسطين بوصلة النضال العربي ضد الاحتلال، ولكن أيضاً منارته من أجل الحرية كما كانت، وكما يجب أن تكون دائماً.
في مقابل ذلك، نرى بعد اعتداءات باريس وسان برناردينو في أميركا، والتي قام بها أصوليون إسلاميون، مشتبهون بالارتباط بتنظيم داعش، نرى تصعيداً للمواقف الغربية، خصوصاً الأميركية باتجاه الحرب على الإرهاب الداعشي فقط، دافعة المملكة العربية السعودية إلى إقامة تحالف إسلامي للحرب ضد الإرهاب، من 34 دولة.
هل هناك تغيير حقيقي بالمواقف الدولية، وما هي المُعطيات الموضوعية التي قد تُفسر أي تغيير؟ أدخل الوطن العربي، منذ خمس سنوات، بحرائق وحروب عدة، بسبب رد أنظمة القمع، المدعومة غربياً، على نداءات الشعوب بالحرية، لكنهم لم يستطيعوا أن يخمدوا شعلة الثورات، ولم يستطع هدا الرد أن يُعيد إلى نفوس الشباب عقدة الخوف من النظام، وهي التي كانت العائق أمام تحرك آبائهم منذ عقود. لم يتدخل الغرب، وخصوصاً أميركا، لإطفاء هذه الحرائق، إلا بمقدار ما يؤمن بقاء حلفائها، ويُحافظ على مصالح إسرائيل، والمثل الأكثر وضوحاً هو انتزاع السلاح الكيميائي السوري. وأعطى دخول العنف الأصولي الديني على خط الحرائق التي أشعلتها الأنظمة هذه نفسها الحُجة الإيديولوجية لقمع شعوبها، وبرّرت، في الوقت نفسه، أمام الرأي العام الغربي، تقاعُس الحكومات الغربية عن الوقوف بجانب التغيير الديمقراطي العربي.
ربما غيّرت نتائج إجرام النظام السوري، أخيراً، بحق شعبه، وكذا وضع ملايين السوريين على طريق الهجرة، ومئات الآلاف إلى أوروبا، على الرغم من كل صعاب الطريق وخطورتها، مُضافاً إليه وصول العنف والإرهاب إلى شوارع المدن الغربية والأميركية، ربما غيرت هذه المستجدات كلها، بعض الشيء، من المعادلة، لصالح محاولة إخماد التطرف الأصولي الديني، عن طريق إطفاء، ولو قدر الممكن، الأزمات الدامية ذات النتائج الاجتماعية المُدمرة على المواطنين، كما نرى في اليمن وسورية وليبيا، وهذا يُفسر الاجتماعات التصالحية الأخيرة، في هذه البلدان.
لا يتحمل الغرب مسؤولياته إلا أمام شعوبه، حكوماته مُنتخبة من شعوبها، وليس من الشعوب
اتفاق روسيا والولايات المتحدة، أخيراً، على خارطة الطريق في سورية، والتقارب الجديد بينهما، بشأن خطة مُشتركة، بما فيه قرارات قد تؤخذ في مجلس الأمن، وفشل الروس بتغيير خارطة التوازنات على الأرض، وتراجع أسعار النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد الروسي، وبدء هزيمة عسكرية إيرانية في سورية، على ما يُذكر، كل هذا قد يفتح الطريق، بالطبع، إلى إيقاف الحملة الجوية الروسية مع بداية العام المقبل، وإعطاء نوع من المصداقية للعملية السياسية، والرحيل المُنتظر للأسد. ويمكن القول إن العمل يتم، إذاً، على جبهتين، تزايد وتيرة الحرب والتحالفات ضد داعش والأصوليين الإسلاميين، وتبريد الجبهات الأخرى المفتوحة من الأنظمة ضد شعوبها.
على عكس الحكومات الديمقراطية الغربية، لا تُعير الحكومات العربية أي اهتمام لمآسي شعوبها، لا ترى الدم النازف وآلاف القتلى والمُهجرين، من سورية أو اليمن أو العراق، هذه حكومات بدل أن تلتفت إلى شعوبها لحمايتهم، وتتبع سياسات مُبدعة لذلك، تعمل العكس، أي التوجه المُستمر نحو مزيد من العنف، بحجة مقاتلة الإرهاب، بينما هدفها النهائي البقاء في السلطة، والاستمرار في استعباد ملايين المحرومين والمُعذبين. وحدها أميركا من يُقرر لها ما تعمل، حرباً أم سلماً. لهذا، نرى الجيوش العربية تحارب في اليمن، وتُدمر البُنية التحتية وتقتل الآلاف، وتوصل البلاد إلى ما يشبه المجاعة فقط، انصياعاً للأمر الأميركي، في مواجهة التمدد الإيراني نحو مضيق باب المندب.
تقوم هذه الحكومات نفسها اليوم بتغيير سياساتها، بناءً على "النصائح الأميركية"، مثل تشكيل تحالف إسلامي ضد الإرهاب، أو القبول بهدنة في اليمن لبدء الحل السلمي الذي كان في وسع اليمنيين أنفسهم تصوره وعمله، من دون التدخل السعودي العربي. وفي ليبيا، تنصاع قوات خليفة حفتر للطلب الغربي، بالاتجاه نحو المصالحة الوطنية، وتقبل الجلوس مع من تعتبرهم إسلاميين في طرابلس.
أما التناقضات بين السلطات المُستبدة العربية وشعوبها فستبقى قائمة، وتخفيض حرارة النزاعات التي كانت هذه السلطات أساس نشأتها، برفضها الانصياع لمطالب جماهيرها، سيؤدي من جديد إلى تجدد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية المُطالبة بالحرية. هل ستستطيع الحكومات العربية، حين ذاك، بأسلحتها المُكدسة، والتي كلفتنا مليارات الدولارات، أن تعود إلى العنف المُفرط ضد شعوبها من جديد؟ هذا ممكن، لكنه أقل احتمالاً من السنوات الماضية. وقد لا يبقى الوضع في مصر على حاله، وعودة العملية الديمقراطية الحقيقية، والذي نأمله سلمياً، أمر ممكن، بعد التخلي التدريجي لدول الخليج عن الجنرال عبد الفتاح السيسي، وفشل سياساته الاقتصادية لتحسين الوضع المعاشي للمواطنين.
قد يعيد قادم الأيام إلينا، أيضاً، مركزية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل لم تسكت عن الصفقة الإيرانية الأميركية، إلا بعد أن تأكدت من خلع أنياب الإيرانيين ومخالبهم، وإزالة أي خطر تجاهها، ومع انكفاء حزب الله المتوقع من جديد إلى الداخل اللبناني مُنهكاً، وهو الذي شكل في الماضي الخطر الحقيقي على إسرائيل، بعكس باقي الجيوش العربية، هو ما سيدفعه إلى الدخول والقبول بالعملية السياسة، وهذا قد يدفع إسرائيل منطقياً إلى المُغامرة لإنهاء قوة حزب الله العسكرية، إما بإجباره على تسليم سلاحه للسلطة الشرعية اللبنانية، أو بضربة عسكرية، فإسرائيل لم تترك حزب الله يدخل سورية ويحارب هناك إلا لشيء في نفس يعقوب، هو إنهاء ثورة الشعب السوري، ووقف زحف التغيير الديمقراطي الذي تعتبره إسرائيل خطراً على وجودها مما يمثله من صحوة للأمة. هذا ما يُفسر، اليوم، أيضاً الدعم الإسرائيلي الصارخ للوجود العسكري الروسي في سورية، ووقوف نتنياهو بجانب بوتين ضد تركيا.
ستعيد الانتفاضة الفلسطينية الحالية الحرارة والسخونة إلى العداء العربي لإسرائيل من جديد، في الوقت التي قد تخفُتُ هذه الحرارة بحروب دول الجوار. هذا سيكون مؤشراً إلى عودة الأمور نحو الاتجاه السليم، أي مركزية القضية الفلسطينية، والتي يجب أن ترتبط بنضال الأمة، من أجل حريتها وكرامتها. وعندما نرى الدعم الشعبي الذي تلقاه فلسطين في كل الساحات العربية (بعكس المواقف الرسمية) يعود لنا الأمل بأن تبقى فلسطين بوصلة النضال العربي ضد الاحتلال، ولكن أيضاً منارته من أجل الحرية كما كانت، وكما يجب أن تكون دائماً.