المُقرئ محمد رفعت... في انتظار مطلع الفجر
يعدّ صوت الشيخ محمد رفعت أحد أبرز الأصوات الرمضانية وأكثرها شعبية، فمنذ افتتحت الإذاعة المصرية عام 1934 بتلاوة: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً..."، وما تيسّر بعدها من سورة الفتح؛ ظلّ صوته الشجي أكثر الأصوات المحببة للجماهير المصرية والعربية، كما كانت لتلاوته اليومية التي تذاع قبل أذان المغرب كل يوم في الإذاعة والتلفزيون نكهة مميزة لشهر رمضان.
يحتفل القراء ومحبو الشيخ محمد رفعت في 9 مايو/ أيار من كل عامٍ بذكراه، وهذا اليوم هو تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته أيضاً؛ فقد ولد سنة 1882، ورحل سنة 1950 في اليوم نفسه، عن عمر 67 عاماً.
ولد محمد رفعت، وهو اسم مركب، في حي المغربلين في القاهرة لأحد التجار ويدعى محمود رفعت، وقيل إن والده كان ضابطاً في البوليس، لكن حفيدة الشيخ نفت ذلك. ولد محمد رفعت مبصراً، ولكن كفّ بصره وهو صغير، قيل في السادسة من عمره وقيل في الثانية عشرة. وقد ألحقه والده وهو صغير بكتاب بشتاك في السيدة زينب، فحفظ القرآن وجوّده وهو في العاشرة من عمره.
توفي والده وهو في سن التاسعة، فوجد نفسه عائلاً لأسرته المكونة من والدته وخالته وأخيه الصغير محرم. وبدلاً من أن يتجه إلى الدراسة في الأزهر الشريف كما كان يخطط أبوه الراحل، اتجه إلى قراءة القرآن وإحياء الحفلات الدينية التي صار يدعى إليها، إذ سرعان ما ذاع صيته وبلغت شهرته مبلغاً جعله يُدعى إلى قراءة القرآن في القاهرة وخارجها، بل جعله من القرّاء المفضلين للملك فاروق نفسه، فضلاً عن كبار زعماء الدولة من السياسيين والبشاوات. وبالرغم من ذلك، كان الشيخ يقاوم الإغراءات المادية التي تعرض عليه بسبب صوته الجميل وشهرته الكبيرة.
اقــرأ أيضاً
جامع فاضل باشا جامع أثري بني في عهد السلطان قلاوون وكان اسمه أولاً على اسم مؤسسه الأمير سيف الدين بشتاك الناصري، ثم تغير اسمه إلى اسم مصطفى فاضل باشا سنة 1881، لكنه الآن يعرف في أوساط الناس حتى الآن باسم "جامع الشيخ محمد رفعت" الذي كان ملازماً له.
وذات مرة طلب كامل الشناوي من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يستمعا إليه قبل صلاة الجمعة في جامع فاضل باشا؛ فقال الشناوي لعبد الوهاب: "سآتيك قبل الصلاة بنصف ساعة لنستمع إليه"، فقال له عبد الوهاب: "إذا أردت فليكن في السابعة صباحاً لأن الناس تتدفق على المسجد مبكراً لتجد لها مكاناً حتى تستمع إلى الشيخ".
عناقيد الكروانات
عمق رفعت موهبته بالدراسة الدينية والفنية؛ فاهتم بشراء التفاسير والكتب التي كان يقرؤها عليه ابنه الأصغر، حسين، إضافة إلى ذلك اهتم بدراسة المقامات الموسيقية، ودرس بيتهوفن وفاغنر وموزارت، واحتفظ في مكتبته بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية، كما تعلم العزف على آلة العود.
كانت علاقته جيدة بفناني عصره وأدبائه؛ مثل محمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وكامل الشناوي وصالح عبد الحي ونجيب الريحاني وبديع خيري، وظل بيته قبلة للفنانين طول عمره. ومن أقوال محمد عبد الوهاب عنه إنه عندما كان صغيراً واستمع إلى صوت الشيخ رفعت يرتّل القرآن بعد صلاة الفجر؛ "كانت البلابل والعصافير وعناقيد الكروانات تسبح كجوقة في خلفية الصوت". كما وصفه عبد الوهاب بأن صوته كان قوياً لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من ثلاثة آلاف شخص في الأماكن المفتوحة. أما عن علاقتهما فيقول عبد الوهاب: "كنت صديقاً له وتحت قدميه، حيث تحولت علاقتي به من صديق إلى خادم".
خوفاً من الأغاني
وافق الشيخ رفعت على أن يفتتح بث الإذاعة المصرية في 13 مايو/أيار عام 1934 بعد أن أقنعه الشيخ الظواهري شيخ الأزهر بجواز ذلك، لأنه كان يخشى أن يستمع إلى القرآن الكريم رواد المقاهي والحانات إلى جوار الأغاني الخليعة التي تقدمها الإذاعة حسب رؤيته. وقد عرضت عليه كبريات إذاعات العالم تسجيل صوته والاستفادة من شهرته مثل إذاعات لندن وبرلين وباريس، وعُرضت عليه مبالغ طائلة للسفر إلى الهند وغيرها من البلدان، فلم يسافر خارج مصر ولم يقرأ سوى في المسجد النبوي الشريف.
ولكن أحد معجبي الشيخ رفعت ويدعى زكريا مهران باشا، وهو من القوصية في محافظة أسيوط، كان يسجل بعض التلاوات من دون علم الشيخ رفعت، وقد بلغت تسجيلات زكريا 278 أسطوانة تضم 19 سورة مدتها 21 ساعة، هي ما نسمعه الآن! وبعد أن مرض الشيخ وساءت حالته الصحية ذهب زكريا مهران إلى الإذاعة وعرض عليها أن يسلمها ما يملك من تسجيلات للشيخ محمد رفعت بشرط أن يخصصوا معاشاً شهريا للشيخ رفعت.
يحتفل القراء ومحبو الشيخ محمد رفعت في 9 مايو/ أيار من كل عامٍ بذكراه، وهذا اليوم هو تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته أيضاً؛ فقد ولد سنة 1882، ورحل سنة 1950 في اليوم نفسه، عن عمر 67 عاماً.
ولد محمد رفعت، وهو اسم مركب، في حي المغربلين في القاهرة لأحد التجار ويدعى محمود رفعت، وقيل إن والده كان ضابطاً في البوليس، لكن حفيدة الشيخ نفت ذلك. ولد محمد رفعت مبصراً، ولكن كفّ بصره وهو صغير، قيل في السادسة من عمره وقيل في الثانية عشرة. وقد ألحقه والده وهو صغير بكتاب بشتاك في السيدة زينب، فحفظ القرآن وجوّده وهو في العاشرة من عمره.
توفي والده وهو في سن التاسعة، فوجد نفسه عائلاً لأسرته المكونة من والدته وخالته وأخيه الصغير محرم. وبدلاً من أن يتجه إلى الدراسة في الأزهر الشريف كما كان يخطط أبوه الراحل، اتجه إلى قراءة القرآن وإحياء الحفلات الدينية التي صار يدعى إليها، إذ سرعان ما ذاع صيته وبلغت شهرته مبلغاً جعله يُدعى إلى قراءة القرآن في القاهرة وخارجها، بل جعله من القرّاء المفضلين للملك فاروق نفسه، فضلاً عن كبار زعماء الدولة من السياسيين والبشاوات. وبالرغم من ذلك، كان الشيخ يقاوم الإغراءات المادية التي تعرض عليه بسبب صوته الجميل وشهرته الكبيرة.
قبل الصلاة بنصف ساعة
يمثّل جامع فاضل باشا، الواقع في درب الجماميز في السيدة زينب، للشيخ محمد رفعت أهمية خاصة، فقد حفظ القرآن في كتاب "بشتاك" التابع له، ثم بدأ فيه قارئاً محترفاً سنة 1918 وعمره 15 عاماً، وأصبح الناس يتوافدون على هذا الجامع رغبة في سماع الشيخ صاحب الصوت المميز. وقد ظلّ الشيخ رفعت يذهب إلى المسجد يتلو فيه القرآن وفاءً للمكان الذي انطلقت منه شهرته. جامع فاضل باشا جامع أثري بني في عهد السلطان قلاوون وكان اسمه أولاً على اسم مؤسسه الأمير سيف الدين بشتاك الناصري، ثم تغير اسمه إلى اسم مصطفى فاضل باشا سنة 1881، لكنه الآن يعرف في أوساط الناس حتى الآن باسم "جامع الشيخ محمد رفعت" الذي كان ملازماً له.
وذات مرة طلب كامل الشناوي من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يستمعا إليه قبل صلاة الجمعة في جامع فاضل باشا؛ فقال الشناوي لعبد الوهاب: "سآتيك قبل الصلاة بنصف ساعة لنستمع إليه"، فقال له عبد الوهاب: "إذا أردت فليكن في السابعة صباحاً لأن الناس تتدفق على المسجد مبكراً لتجد لها مكاناً حتى تستمع إلى الشيخ".
عمق رفعت موهبته بالدراسة الدينية والفنية؛ فاهتم بشراء التفاسير والكتب التي كان يقرؤها عليه ابنه الأصغر، حسين، إضافة إلى ذلك اهتم بدراسة المقامات الموسيقية، ودرس بيتهوفن وفاغنر وموزارت، واحتفظ في مكتبته بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية، كما تعلم العزف على آلة العود.
كانت علاقته جيدة بفناني عصره وأدبائه؛ مثل محمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وكامل الشناوي وصالح عبد الحي ونجيب الريحاني وبديع خيري، وظل بيته قبلة للفنانين طول عمره. ومن أقوال محمد عبد الوهاب عنه إنه عندما كان صغيراً واستمع إلى صوت الشيخ رفعت يرتّل القرآن بعد صلاة الفجر؛ "كانت البلابل والعصافير وعناقيد الكروانات تسبح كجوقة في خلفية الصوت". كما وصفه عبد الوهاب بأن صوته كان قوياً لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من ثلاثة آلاف شخص في الأماكن المفتوحة. أما عن علاقتهما فيقول عبد الوهاب: "كنت صديقاً له وتحت قدميه، حيث تحولت علاقتي به من صديق إلى خادم".
خوفاً من الأغاني
وافق الشيخ رفعت على أن يفتتح بث الإذاعة المصرية في 13 مايو/أيار عام 1934 بعد أن أقنعه الشيخ الظواهري شيخ الأزهر بجواز ذلك، لأنه كان يخشى أن يستمع إلى القرآن الكريم رواد المقاهي والحانات إلى جوار الأغاني الخليعة التي تقدمها الإذاعة حسب رؤيته. وقد عرضت عليه كبريات إذاعات العالم تسجيل صوته والاستفادة من شهرته مثل إذاعات لندن وبرلين وباريس، وعُرضت عليه مبالغ طائلة للسفر إلى الهند وغيرها من البلدان، فلم يسافر خارج مصر ولم يقرأ سوى في المسجد النبوي الشريف.
تسجيلات زكريا باشا
رفض رفعت أكثر من مرة تسجيل القرآن بصوته، رغم كثرة الإغراءات المادية، خوفاً من أن تقع الأسطوانات في يد مخمور أو فاسد. وعلى كثرة ما كانت تبثه الإذاعة المصرية من صوت الشيخ على الهواء؛ إلا أنها لم تكن تسجل له قراءته، وحين مرض الشيخ لم تجد الإذاعة ما تبثه بصوته. ولكن أحد معجبي الشيخ رفعت ويدعى زكريا مهران باشا، وهو من القوصية في محافظة أسيوط، كان يسجل بعض التلاوات من دون علم الشيخ رفعت، وقد بلغت تسجيلات زكريا 278 أسطوانة تضم 19 سورة مدتها 21 ساعة، هي ما نسمعه الآن! وبعد أن مرض الشيخ وساءت حالته الصحية ذهب زكريا مهران إلى الإذاعة وعرض عليها أن يسلمها ما يملك من تسجيلات للشيخ محمد رفعت بشرط أن يخصصوا معاشاً شهريا للشيخ رفعت.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات