انطلقت امتحانات نهاية العام الدراسي في مدارس ليبيا، بمعظمها، فيما لم يتمكّن تلاميذ كثر من الالتحاق بزملائهم وإجراء تلك الامتحانات على خلفية الأحداث الدائرة في مناطق عدّة من البلاد المأزومة
ما زال مئات من التلاميذ في ليبيا يعانون صعوبة في العودة إلى مدارسهم لإجراء امتحانات نهاية العام الدراسي، لا سيّما في العاصمة طرابلس والمدن المجاورة لها التي تشهد منذ ثلاثة أشهر مواجهات مسلحة بين قوات حكومة الوفاق الوطني في البلاد وبين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وقد أقرّت وزارة التعليم في حكومة الوفاق منح التلاميذ النازحين حقّ الالتحاق بأيّ مدرسة قريبة من منطقة نزوحهم لإجراء امتحاناتهم، لكنّ هذا الإجراء لا يسهّل العملية بكاملها، فالمشكلات التي تواجه التلاميذ كثيرة.
يقول المواطن النازح شعبان حجاج لـ"العربي الجديد" إنّ "الوزارة قدّمت حلولاً مؤقتة للمشكلة"، متسائلاً: "ماذا عن جهوزية التلميذ للامتحانات وسط ظروف العيش الصعبة جداً في مناطق النزوح"؟ يضيف حجاج أنّ "ولدَيّ المتقدمَين لامتحانات نهائية في المرحلة الثانوية لم يتمكّنا من التهيّؤ جيّداً لها، فنحن اضطررنا إلى التنقّل بين ثلاثة منازل في نزوحنا وكلها من دون كهرباء". ويتابع حجاج أنّهما "يدرسان ليلاً على ضوء الشموع، ونهاراً وسط الحرّ الشديد، وأنا من جهتي أتابع إجراءات القبول في مدرسة مجاورة. لكنّ اضطرارنا إلى النزوح مجدداً عرقل إجراءات نقلهما إلى مدرسة أخرى". ويطالب الوزارة بمزيد من التسهيلات بالإضافة إلى "إعادة النظر في الامتحانات التي تغطّي المنهج الدراسي كله"، موضحاً أنّ "الدراسة توقّفت في مدارس مناطق النزوح قبل استكمال المنهج". ويسأل من جهة أخرى: "إذا كان الإجراء متاحاً لتلاميذ المرحلة الثانوية، ماذا بخصوص طلاب الجامعات في مناطق النزوح، لا سيّما أنّ الكليات لا تملك كلها فروعاً في مناطق خارج طرابلس"؟
في السياق، أكّد وكيل وزارة التعليم في حكومة الوفاق الوطني، عادل جمعة، توقّف التعليم في مدارس وكليات كثيرة غربي ليبيا بسبب الاشتباكات المسلحة التي تدور هناك. أتى ذلك في خلال مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي في مقرّ الوزارة بطرابلس، وقد أشار إلى "توقّف أكثر من 12 ألف طالب وطالبة عن الدراسة منذ الرابع من إبريل/ نيسان الماضي". وعدّد جمعة المناطق التي توقّفت فيها الدراسة، وهي "غريا وقصر بن غشير والعزيزية وتاجوراء وعين زاره وأبو سليم، وسوق الخميس والسبيعة وسيدي السائح".
يبدو أنّ المشكلات التي أقرّ بها جمعة لا تتوقّف عند حدّ العام الدراسي الحالي بل تمتدّ لتهدّد العام المقبل، فهو كشف أنّ "مخازن الكتب المدرسية التابعة للوزارة احترقت بالكامل وفقدنا 39 مليون نسخة من الكتب المدرسية"، وهو ما يعني تأخّر وصول كتب جديدة للعام الدراسي الجديد في أكتوبر/ تشرين الأوّل المقبل، هذا في حال لم تؤجّل الدراسة لأشهر. وبينما شدّد جمعة على أنّ وزارته سوف تراعي ظروف التلاميذ والطلاب النازحين الذين تعرّضوا إلى التهجير، قال إنّ لجان حصر حجم الخسائر ما زالت تعمل في بعض المناطق المتضررة، لافتاً إلى أنّ كلية العلوم في جامعة غريان تعرّضت إلى التدمير نتيجة القصف الذي تعرّضت إليه المدينة، وبالتالي فإنّ الفصل الدراسي الثاني في الجامعة تعطّل ولن يستطيع الطلاب العودة إلى الكلية وسوف يتمّ تعويض ذلك في فصل دراسي لاحق.
وبهدف تسهيل الاستعداد لامتحانات نهاية العام الدراسي، لا سيّما مع عدم استكمال النازحين مناهج الدراسة، أعلنت وزارة التعليم في بداية مايو/ أيار الماضي إطلاق بوابة "مدارس نت" من خلال موقعها الإلكتروني لعرض نماذج من الأسئلة والأجوبة في المنهج الدراسي كله. لكنّ وردة، وهي تلميذة نازحة في المرحلة الثانوية، لا ترى في ذلك "طريقة مساعدة، فالمواد العلمية تطبيقية بالدرجة الأولى". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الطريقة قد تفيد من يدرس مناهج نظرية، في حين أنّنا نعاني بصورة مضاعفة من الأسئلة المقترحة"، وهو الأمر الذي دفع والدتها إلى الاتفاق مع ثلاثة مدرّسين خصوصيين. وتتساءل الوالدة: "إذا كنت أنا أملك القدرة على الاستعانة بمدرّسين خصوصيين، ماذا بخصوص كثيرين غيري من أولياء الأمور"؟ مضيفة لـ"العربي الجديد" أنّه "يتوجّب على الوزارة تأجيل موعد الامتحانات والبحث عن حلول". كذلك تقترح "إجراء دورة امتحانات ثالثة لتعويض التلاميذ عن الدورة الثانية في حال رسوبهم".
من جهته، يؤكد المواطن النازح إسماعيل أبو بريق لـ"العربي الجديد" أنّ "مشكلتي هي نفسها مشكلة مئات الأسر"، مشيراً إلى "الفوضى الإدارية في مكاتب فروع الوزارة بمناطق النزوح البعيدة عن طرابلس والعاجزة عن تقديم الخدمات الإلكترونية". ويوضح أنّ "ملفات أبنائنا بقيت في المدارس بعد نزوحنا، والوصول إلى ملفاتنا الإلكترونية انطلاقاً من مكاتب فروع الوزارة يواجه مشكلات، لا سيّما مع انقطاع التيار الكهربائي في خلال الدوام الرسمي، في منطقة الخمس شرقي طرابلس على سبيل المثال". ويؤكد أبو بريق أنّ "الازدحام وتعثّر العمل الإداري فرض عليّ السفر إلى طرابلس في أكثر من مرّة للحصول على إثباتات رسمية لمنطقة النزوح".