في المقاهي القديمة المعروفة في أحياء المدن، لا وجود للنساء. أصلاً المقهى مكان يرتاده قبضايات الأحياء والمتقاعدون والعاطلون عن العمل من الرجال، بعضها يضع مجموعة من الصور التاريخية التي تحدد شخصية رواده. زعماء سياسيون حطوا رحالهم فيه خلال جولاتهم الانتخابية فالتقطت الصور لهم، وأخرى تضع صوراً لمشاهير عبروا عليها يوماً. المقاهي الصيفية في المناطق السياحية كانت تضع صور فنانين وفنانات شهيرات قصدوها أو قدموا حفلات فيها. المهم أن العنصر النسائي يقتصر على هذه الفئة دون سواها. أما مقاهي اليوم العصرية، فروادها من الجنسين، شباب وشابات يغادرون قاعات الدراسة ويقصدون المقهى الأقرب لتمضية وقت فراغ قرروه على حسابهم. دخول العنصر النسائي بات ملحوظاً ولكنه لا يتماثل مع نسبتهن من المجتمع. فإذا افترضنا أن نسبة الإناث مساوية للذكور، يجب أن تكون النسبة موازية لارتياد المقاهي، وهو غير صحيح البتة، إذ إن شريحة الجامعيات والمثقفات هن من يجعلن من المقهى مكاناً مفضلاً، بينما النسبة الأكبر من الإناث لم يعتدن على هذه العادة المستحدثة.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل النساء، أي ربات الأسر ليس لديهن أوقات فراغ أم ماذا؟ إذا أخذنا بيروت أو الرياض نموذجين للمدينة العربية، نرى أن المرأة باتت تملك الكثير من أوقات الفراغ. فقد بات لدى نساء الطبقة الغنية وحتى الأقل من الوسطى، عاملات في الخدمة المنزلية معظمهن من بنغلادش وإثيوبيا والفيليبين وسريلانكا وغيرها. وهؤلاء يتولين العمل المنزلي بما فيه تربية الصغار، ما يعني أن المرأة التي كانت تشرف على رعاية أسرتها قد "انقرضت" أو في "طور الانقراض"، وخصوصاً أن التكنولوجيا وفرت عليهن الكثير من ساعات العمل. ما يعني أن وقت الفراغ بات فائضاً لديهن.
لا يعني ذلك أن المرأة حافظت على وظائفها التقليدية السابقة، إذ إن معظم طلبة الجامعات هن من الإناث، وكذلك السلك التعليمي، مع أن عددهن في التعليم العالي ما زال محدوداً. في البنوك والقطاع الصحي وما شابه من الخدمات، حضور المرأة بات أكثر وضوحاً من وجود الرجل فيها، أي أن نقلة نوعية تحدث دون أن تصل إلى المراتب العليا سواء في السياسة أو غيرها.
اقــرأ أيضاً
المقصود أن المرأة لم تعد تلعب دور الأم فقط، إذ إلى جانب واجباتها هذه، هناك ساعات العمل وبالتالي ساعات الفراغ. الملفت أن الكثير من النساء ابتكرن نظاماً خاصاً يجعل من منازلهن ما يشبه المقاهي، فمن لا يقصدن هذه الأماكن لتمضية وقت فراغهن، يدعون صديقاتهن إلى صبحية مع فطور يستغرق منهن ساعات طويلة. بمعنى أن من لا تتردد مع أترابها على المقهى، وجدت طريقاً آخر لتمضية أوقات الفراغ. على أن هذا التقليد المستحدث لم يعد يقتصر على اللواتي يُسمَّين "سيدات المجتمع"، إذ بات يشمل الفتيات اللواتي يعتمدن تمضية ساعات منزلية في تدخين النرجيلة معاً؛ أي أن فائض الوقت لا يجد طريقاً منتجاً لديهن، مع أن هناك شرائح من النساء يتطوعن للقيام بأعمال الخدمة في دور الرعاية الاجتماعية أو ينضوين في جمعيات تنتقل بين المناطق مع مكتبة جوالة، يقرأن على الطلاب القصص ويشرفن على الأولاد وعلى بعض الأنشطة المفيدة وغيرها من المبادرات.
(باحث وأكاديمي)
السؤال الذي يفرض نفسه: هل النساء، أي ربات الأسر ليس لديهن أوقات فراغ أم ماذا؟ إذا أخذنا بيروت أو الرياض نموذجين للمدينة العربية، نرى أن المرأة باتت تملك الكثير من أوقات الفراغ. فقد بات لدى نساء الطبقة الغنية وحتى الأقل من الوسطى، عاملات في الخدمة المنزلية معظمهن من بنغلادش وإثيوبيا والفيليبين وسريلانكا وغيرها. وهؤلاء يتولين العمل المنزلي بما فيه تربية الصغار، ما يعني أن المرأة التي كانت تشرف على رعاية أسرتها قد "انقرضت" أو في "طور الانقراض"، وخصوصاً أن التكنولوجيا وفرت عليهن الكثير من ساعات العمل. ما يعني أن وقت الفراغ بات فائضاً لديهن.
لا يعني ذلك أن المرأة حافظت على وظائفها التقليدية السابقة، إذ إن معظم طلبة الجامعات هن من الإناث، وكذلك السلك التعليمي، مع أن عددهن في التعليم العالي ما زال محدوداً. في البنوك والقطاع الصحي وما شابه من الخدمات، حضور المرأة بات أكثر وضوحاً من وجود الرجل فيها، أي أن نقلة نوعية تحدث دون أن تصل إلى المراتب العليا سواء في السياسة أو غيرها.
المقصود أن المرأة لم تعد تلعب دور الأم فقط، إذ إلى جانب واجباتها هذه، هناك ساعات العمل وبالتالي ساعات الفراغ. الملفت أن الكثير من النساء ابتكرن نظاماً خاصاً يجعل من منازلهن ما يشبه المقاهي، فمن لا يقصدن هذه الأماكن لتمضية وقت فراغهن، يدعون صديقاتهن إلى صبحية مع فطور يستغرق منهن ساعات طويلة. بمعنى أن من لا تتردد مع أترابها على المقهى، وجدت طريقاً آخر لتمضية أوقات الفراغ. على أن هذا التقليد المستحدث لم يعد يقتصر على اللواتي يُسمَّين "سيدات المجتمع"، إذ بات يشمل الفتيات اللواتي يعتمدن تمضية ساعات منزلية في تدخين النرجيلة معاً؛ أي أن فائض الوقت لا يجد طريقاً منتجاً لديهن، مع أن هناك شرائح من النساء يتطوعن للقيام بأعمال الخدمة في دور الرعاية الاجتماعية أو ينضوين في جمعيات تنتقل بين المناطق مع مكتبة جوالة، يقرأن على الطلاب القصص ويشرفن على الأولاد وعلى بعض الأنشطة المفيدة وغيرها من المبادرات.
(باحث وأكاديمي)