النظام يرحب بداعش في دير الزور
هناك حاجة إلى إيلاء اهتمام أكبر بقراءة تنظيم أبو بكر البغدادي وخلافته، من جوانب وأبعاد تليق بمستوى المخاطر، التي يمثلها مهندسو هذا التنظيم، وما دخول "داعش" إلى دير الزور والعمل على اختطافها من الثورة السورية، وجعلها أحد أركان ما تسمى دولة الخلافة في العراق والشام، إلا خطوة يجب التوقف عندها، ودراسة انعكاساتها، على الأقل في الشأن السوري، ومن هو المستفيد الأكبر من حدود هذا التمدد الداعشي.
لعل البعد الإعلامي لدخول داعش مدينة دير الزور سيكون المعامل الأبرز في المرحلة القادمة، خصوصاً بعد أن يستكمل التنظيم مهامه داخل المدينة، ويمسح أية شواهد ثورية فيها، ابتداء من علم الاستقلال وانتهاء بالمناوئين له، وستخرج الأخبار لوسائل الإعلام عن اشتباكات التنظيم مع قوات النظام.
هنا، يجب أن نتوقف عند ما تعنيه هذه الظاهرة الخبرية المتوقع حصولها، والتي سيستغلها النظام، ليرسل رسالة مفادها أنه لم تعد هناك ثورة، وأن النظام السوري يواجه تنظيماً إرهابياً متمدداً على الأراضي السورية، وعلى العالم أن يقف في صف الأسد لمواجهة هذا الخطر.
هذه المسألة لا شك في أنها ستصب، استراتيجياً، في صالح النظام السوري، الذي ما انفك يردد رواية المؤامرة الكونية والإرهاب، الذي يضرب البلاد منذ بداية الثورة السورية. ومن جهة أخرى، يبدو أن الوضع الاقتصادي، الذي سيمنح التنظيم زيادة في موارده المالية، من خلال سيطرته على آبار النفط وحقول الغاز في دير الزور، سيكون العامل الأهم في اندفاعه إلى التوجه شمالاً، في اتجاه محافظة الحسكة، التي باتت قوات النظام معزولة فيها، وكونها تهم البغدادي لدخولها في نطاق الدولة، التي يسعى إليها، وغناها بالموارد الطبيعة والنفطية، وبالدخول إليها ستغدو منطقة الجزيرة والفرات بأكملها تحت سلطة البغدادي بمواردها الاقتصادية والبشرية.
سيكون ثمن الدخول غالياً جداً على التنظيم، وعلى المدينة وسكانها، لوجود أحزاب كردية مسلحة في الحسكة، مناوئة لداعش، ولديها مشاريعها السياسية الخاصة بها. بمعنى أن الصدام الدموي قادم إلى مدينة الحسكة لا محالة، لكن السؤال الأبرز، أين النظام من هذا، وما هو الدور الذي سيلعبه؟
النظام السوري سينسحب بكل سرور، وسيترك الصدام يشتعل ويحرق الأخضر واليابس في المنطقة، لأسبابٍ، أهمها إضعاف القدرة العسكرية للأحزاب الكردية المسلحة، وحصر الأكراد في زاوية طلب الاستعانة به في مواجهة هذا التنظيم، وهنا، سيقوم بملء شروط جديدة على الأكراد، ناهيك عن أهمية تأجيج الروح القومية الكردية على الحدود السورية التركية، الأمر الذي يعرف تماماً أنه يستفز أنقرة.
وجود الكنائس في المدينة، سيوظفه النظام ليثبت للعالم انه المكافح الأول للإرهاب، وأنه صاحب حكم مدني حام للأقليات وقيم العلمانية. ضمن هذه الصورة، لن تذكر الثورة السورية طبعاً، وسيغيب الثوار ودماؤهم التي تريقها داعش.
تأبى حبال المنطق إلا أن تلتف حول عنق النظام السوري، كون الأدلة الميدانية تثبت بوجه قاطع مسؤوليته عن كل ما يجري، واستفادته من كل ما يجري. كيف لا، وهو الخبير على مدى عقود بهندسة الإرهاب واللعب به، وليست أحداث جند الشام ومخيم عين الحلوة في لبنان، واعترافات نواف الفارس، السفير السابق للنظام لدى العراق، عن دور النظام السوري في سفك الدم العراقي، من خلال تمويل مجاميع إرهابية في العراق وقيادتها، بالشيء الجديد. لا غرابة، ولا استغراب، من الدور، الذي يلعبه الأسد في وجود داعش، ومن خلفه ملالي طهران وحكومة المالكي الحليفة لهما.