في عام 1960، أعلن جواهر آل نهرو في خطاب له "أن العلم وحده قادر على حل مشاكل الجوع والفقر"، وترجمةً لما جاء في خطابه، وُضعت منظومة تعليميّة وعلمية شملت تشييد العشرات من مراكز الأبحاث وكليات الهندسة، ساهمت على مدى العقود الخمسة الأخيرة في تغيير صورة البلاد في أذهان العالم من بلد سحرة الأفاعي وراكبي الفيلة إلى أكبر مصنعٍ للعلماء والمهندسين.
مثّل هذا التحوّل مخاضاً عسيراً ترصده الصحافية البريطانية ذات الأصول الهندية المتخصصة في مجال العلوم والتقنية، أنجيلا سايني (1980)، بعمل استقصائيّ تتبعت من خلاله تطور العلوم في بلدها الأصليّ، وخصوصية هذا التحوّل، لتضمّه في كتاب "أمّة من العباقرة" الذي ترجمه المصري طارق راشد عليان، وصدر أخيراً عن سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت.
في عملها الذي جاء في تسعة فصول ومقدمة، ترصد سايني المغامرات الأولى للعلماء الهنود في مجال الفضاء، وحرصهم على التقيّد بمبدأ الفيزيائي أوديبي راو الذي أعلن أكثر من مرة في المحافل العلميّة الدوليّة "إننا لا نحلم بالتنافس مع الأمم المتقدمة في مجال استكشاف القمر، لكننا نريد أن نؤدي دوراً فعّالاً باكتساب التقنيات المتقدمة وتطبيقها لحل المشاكل الواقعيّة للإنسان الهندي".
غير أن هذا الوضع النموذجي، بدأت تطرأ عليه العديد من المتغيرات. فقد دفعت صرامة المنظومة التعليميّة في البلاد، ومواجهة ظروف العيش القاسية، الكثير من العلماء إلى الهجرة، والمساهمة في بناء شركات البرمجيات والحواسيب خارج بلادهم.
تلاحظ سايني أن ذلك هو المخرج الوحيد لمليوني مهندس يتخرّجون سنوياً من الجامعات في الهند. أمّا من اختار منهم البقاء في الهند فعليه أن يتحمّل الفقر، أو أن يعيش في مجتمعات الأغنياء المسوّرة، والمخفورة بدوريات الأمن لحراستها من أبناء الطبقة الفقيرة، ويبقى ثلث أبناء الهند أُميّين وفقراء، وخارج دائرة كل ما استطاعت بناءه منظومة نهرو العلميّة وحققه لاحقاً مهندسو البرمجيات.
يفسر أحد مؤسسي شركات البرمجات الكبرى في الهند، ناريانا موثي، هذا الوضع/ المفارقة في إجابة على سؤال لسايني: "إننا أبناء ثقافتين؛ نعمل في العالم الثالث، ونحاول أن نُرضي أكثر زبائن الدول المتقدمة طلباً وإلحاحاً".
لا تحاول سايني إظهار تبعات هذا التناقض، بقدر محاولتها تتبع مراحل ولادة العالم الهنديّ والجهد الذي يبذله لاجتياز العقبات التي تواجهه.
لقد أنجزت سايني عملها بأسلوب الحكاية الشائقة، التي سردت فيها من خلال تطوّر العلم قصة الهند الحديثة، وغفلت عن أن أغلبية الهنود لا زالوا من الفقراء.