كانت الحملات الانتخابية في السابق تشكّل أعراساً للجزائريين، أمّا اليوم، فهي لا تستقطب إلا المتحزّبين والفضوليين، فيما يتخذها قطاع واسع من الشباب فرصة للتسلية والاستهزاء بالسياسيين. فهل هي علامة نضج أم انتكاسة في الوعي؟
مع كلّ انتخابات تنظّمها الحكومة الجزائرية تتجدّد إشاعة تقول، إنّ المواطن الذي لا يحمل بطاقة انتخاب مصادق عليها من طرف مكتب الاقتراع، لا يستطيع أن يستخرج ورقة إدارية من المصالح الحكومية، مثل بطاقة الهوية الوطنية وجواز السفر. هي الإشاعة نفسها التي تنتشر بين الجزائريين في هذه الأيام، لمناسبة الانتخابات التشريعية التي ستجرى يوم الرابع من مايو/ أيار المقبل.
يقول العمّ رمضان الذي لم ينتخب منذ عام 1991: "لم تصدر هذه التعليمة (النصيحة) في أيٍّ من مراسيم الحكومة، مع ذلك فأنا مؤمن بأنّ جهة رسمية أطلقتها، حتى تحمل الناس على الانتخاب، لأنّها خائفة من نسبة مشاركة هزيلة".
يرصد الجامعي وليد ب. تجليات هذا الخوف الحكومي في كثافة الحملات التي تحثّ على المشاركة في المنابر الإعلامية الحكومية والخاصة الموالية للحكومة "فكأنّ الأمر يتعلّق بتحذير المجتمع من وباء صحي داهم" وكذلك في الملصقات التي تحمل شعار الحملة الانتخابية لهذا العام "سمّع صوتك" الذي "بات يقابلنا أينما أدرنا رؤوسنا. وقد أرادت الحكومة أن تصل إلى الشرائح كلها، فاستعانت بوجوه أمازيغية وعربية وشابة ومسنة ومحجبة وسافرة وبيضاء وسمراء". يسأل: "لماذا لا تعترف الحكومة بهذا التعدّد إلا في المفاصل التي تكون محتاجة فيها إليه؟".
اقــرأ أيضاً
مع كلّ انتخابات تنظّمها الحكومة الجزائرية تتجدّد إشاعة تقول، إنّ المواطن الذي لا يحمل بطاقة انتخاب مصادق عليها من طرف مكتب الاقتراع، لا يستطيع أن يستخرج ورقة إدارية من المصالح الحكومية، مثل بطاقة الهوية الوطنية وجواز السفر. هي الإشاعة نفسها التي تنتشر بين الجزائريين في هذه الأيام، لمناسبة الانتخابات التشريعية التي ستجرى يوم الرابع من مايو/ أيار المقبل.
يقول العمّ رمضان الذي لم ينتخب منذ عام 1991: "لم تصدر هذه التعليمة (النصيحة) في أيٍّ من مراسيم الحكومة، مع ذلك فأنا مؤمن بأنّ جهة رسمية أطلقتها، حتى تحمل الناس على الانتخاب، لأنّها خائفة من نسبة مشاركة هزيلة".
يرصد الجامعي وليد ب. تجليات هذا الخوف الحكومي في كثافة الحملات التي تحثّ على المشاركة في المنابر الإعلامية الحكومية والخاصة الموالية للحكومة "فكأنّ الأمر يتعلّق بتحذير المجتمع من وباء صحي داهم" وكذلك في الملصقات التي تحمل شعار الحملة الانتخابية لهذا العام "سمّع صوتك" الذي "بات يقابلنا أينما أدرنا رؤوسنا. وقد أرادت الحكومة أن تصل إلى الشرائح كلها، فاستعانت بوجوه أمازيغية وعربية وشابة ومسنة ومحجبة وسافرة وبيضاء وسمراء". يسأل: "لماذا لا تعترف الحكومة بهذا التعدّد إلا في المفاصل التي تكون محتاجة فيها إليه؟".
لم يظهر اهتمام الشارع الجزائري بالحملة الانتخابية، وبالوجوه والاتجاهات التي تطرحها عليه، إلى درجة أنّ كثيراً من المكاتب الانتخابية التي فتحها المرشحون بقيت خالية، إلا منهم وممّن يساندهم، ومن الشباب العاطلين من العمل الذين حملتهم حاجتهم إلى المال، على المشاركة. يعترف محمد س. (27 عاماً) لـ"العربي الجديد" أنّه لا يعرف رئيس الحزب الذي يشارك في حملته، عبر تعليق ملصقاته وحمل شعاراته، ولا يعرف توجهه الفكري والاقتصادي، ولا يحفظ اسمه كاملاً: "كلّ ما في الأمر أنني أتلقّى ألف دينار يومياً (نحو 10 دولارات أميركية) وهو ما يمكّنني من تغيير الجوّ من جهة، والحصول على مبلغ أنفقه على أسرتي في شهر رمضان من جهة ثانية".
يقول محمد، بينما يعلّق لوحة انتخابية ويلتقط "سيلفي" معها حتى يبرهن للحزب أنّه اشتغل بشكل جيّد، إنّه شارك في الحملة الانتخابية مرتين، مع ذلك بقي عاطلاً عن العمل على الرغم من حمله شهادة عليا في الميكانيك: "هذا يدلّ على أنّ الوعود التي تطلقها الأحزاب السياسية في الجزائر، شبيهة بوعود الحكومة، في كونها لا تستعمل إلا خلال الحملة الانتخابية".
في تلك الأثناء يمرّ ثلاثة شبان فيقولون لمحمد: "إنك تتعب نفسك، فلن ننتخب". يردّ: "أنا شخصياً لن أنتخب، لكنني أحلّل النقود (أجعلها حلالاً) التي سأحصل عليها". يسأله أحدهم: "هل التقطت صورة مع هذه اللوحة؟" ثم يمزّقها.
نادرة هي الملصقات الانتخابية التي بقيت سليمة، فهي إمّا تعرّضت للتمزيق وإمّا كتبت عليها شعارات بعضها بذيء. بالقرب من سوق الكنيسة في قلب مدينة تيارت، إلى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة، ترصد "العربي الجديد" شابين، أحدهما يحمل قارورة مليئة بالدهان، والآخر يكتب بالعربية والفرنسية هذه الجمل: "ما تكذبوش علينا"، "كرهنا الوعود، نحبّو التجسيد"، "البلاد راهي مريضة".
يقول حامل القارورة: "أليس من الأولى أن ينزلوا إلى الشارع ليسمعونا عوض أن يخطبوا فينا؟ وبما أنهم لا يرغبون في ذلك، فها نحن نكتب ما نريد أن نقوله فوق ما أرادوا أن يقولوه". يضيف: "آن الأوان أن يعلو صوت المواطن على صوت السياسي".
بدوره، يشير صاحبه إلى معطى يعلن أنّه يدين الطبقة السياسية، موالاةً ومعارضةً: "تأمّل متوسط عمر المرشحين وستجده تجاوز الخمسين، أين الشباب الذين يمثلون 75 في المائة من السكان؟ ولماذا لا تتصدّر المرأة القوائم؟". وكأنه يبرّر "المجزرة" التي اقترفها في حقّ الملصقات فيقول: "هم أهانوا أنفسهم بخيانة شعاراتهم، قبل أن نهينهم نحن".
في هذا السياق، يقول سامي، إنّه بصفته بائع ورود، يحكّم الذوق والجمال في مقاربة هذه الملصقات: "من زاوية تصميمها، فهي بشعة تغصّ بالفوضى اللونية، ومن زاوية تعليقها في أيّ مكان، فهم يشّوهون كثيراً من الجدران". يتساءل: "لماذا لا يكتفي المرشحون بالأماكن التي خصصتها البلدية لتعليق الإعلانات الانتخابية؟ كيف يستطيعون أن يقنعوني أنّهم سيدافعون عن القانون، وقد شرعوا في خرقه قبل أن يصلوا إلى قبّة البرلمان؟".
أمرت الحكومة بوقف النشاطات الرياضية والثقافية طوال أيام الحملة الانتخابية، حتى تسخّر القاعات والملاعب للتجمّعات السياسية، غير أنّ كثيراً من المرشحين عجزوا عن ملء تلك المساحات، فاعتمدوا الجولات الميدانية في الأسواق والمقاهي والساحات العامة، وهو ما يكسر سلطة المنصات، ويجعل الحوار مباشراً بين المرشح والمواطن. هنا تسمع كثيراً من السخرية من الشباب، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإحراج.
في أحد مقاهي مدينة بومرداس (60 كيلومتراً إلى الشرق من الجزائر العاصمة) يطلب أحد رؤساء الأحزاب الصغيرة من الحاضرين أن يصلّوا على النبي، وأن يشربوا ما شاؤوا على حسابه: "نحن اليوم نقدّم لكم عريسنا (المرشح) ونطمع في أن تقدّموا له أصواتكم". يقف شابّ عشريني ويخاطب المتحدث: "غداً ستجري أمّي عملية جراحية في عينيها، وأحتاج عشرين ألف دينار (نحو 200 دولار). يشعر الرجل بالحرج فيخرج المبلغ من جيبه، فيأخذه الشاب ويعلن بعد ذلك أنّه كذب عليه.
لم يتخلّف موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن لعب دور المرآة العاكسة لملامح الواقع، إذ طُمس حضور السياسيين بجرأة الشباب الذين حوّلوا الحملة الانتخابية إلى فرصة للتسلية. يقول المسرحي بوحجر بوتشيش لـ"العربي الجديد" إنّه يرى في ذلك مظهراً من مظاهر عبقرية الشاب الجزائري ونضجه، فهو يتعامل بمبدأ "أضحك عليك قبل أن تضحك عليّ".
يشرح: "لو قدّمت الأحزاب وجوهاً جديرة وبرامج جادّة وانحازت إلى الطرق العصرية في الإعلان لها، لما قوبلت بروح الرفض والاستهزاء، إذ هل يُعقل أن يوزع بعض المرشحين ما يؤكل وما يشرب مقابل الأصوات؟ لقد وزع أحدهم اللبن وآخر الزلابية، وحوّل أحدهم بيته إلى مطعم مجاني، هو الذي لا يعرف مشاكل منطقته لأنه غائب عنها على مدار السنة". يختم: "هذا التوجه البدوي القديم، هو ما جعل ملصقاتهم تمزَّق، أو لا يهتمّ بمشاهدتها غير الأطفال".
اقــرأ أيضاً
يقول محمد، بينما يعلّق لوحة انتخابية ويلتقط "سيلفي" معها حتى يبرهن للحزب أنّه اشتغل بشكل جيّد، إنّه شارك في الحملة الانتخابية مرتين، مع ذلك بقي عاطلاً عن العمل على الرغم من حمله شهادة عليا في الميكانيك: "هذا يدلّ على أنّ الوعود التي تطلقها الأحزاب السياسية في الجزائر، شبيهة بوعود الحكومة، في كونها لا تستعمل إلا خلال الحملة الانتخابية".
في تلك الأثناء يمرّ ثلاثة شبان فيقولون لمحمد: "إنك تتعب نفسك، فلن ننتخب". يردّ: "أنا شخصياً لن أنتخب، لكنني أحلّل النقود (أجعلها حلالاً) التي سأحصل عليها". يسأله أحدهم: "هل التقطت صورة مع هذه اللوحة؟" ثم يمزّقها.
نادرة هي الملصقات الانتخابية التي بقيت سليمة، فهي إمّا تعرّضت للتمزيق وإمّا كتبت عليها شعارات بعضها بذيء. بالقرب من سوق الكنيسة في قلب مدينة تيارت، إلى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة، ترصد "العربي الجديد" شابين، أحدهما يحمل قارورة مليئة بالدهان، والآخر يكتب بالعربية والفرنسية هذه الجمل: "ما تكذبوش علينا"، "كرهنا الوعود، نحبّو التجسيد"، "البلاد راهي مريضة".
يقول حامل القارورة: "أليس من الأولى أن ينزلوا إلى الشارع ليسمعونا عوض أن يخطبوا فينا؟ وبما أنهم لا يرغبون في ذلك، فها نحن نكتب ما نريد أن نقوله فوق ما أرادوا أن يقولوه". يضيف: "آن الأوان أن يعلو صوت المواطن على صوت السياسي".
بدوره، يشير صاحبه إلى معطى يعلن أنّه يدين الطبقة السياسية، موالاةً ومعارضةً: "تأمّل متوسط عمر المرشحين وستجده تجاوز الخمسين، أين الشباب الذين يمثلون 75 في المائة من السكان؟ ولماذا لا تتصدّر المرأة القوائم؟". وكأنه يبرّر "المجزرة" التي اقترفها في حقّ الملصقات فيقول: "هم أهانوا أنفسهم بخيانة شعاراتهم، قبل أن نهينهم نحن".
في هذا السياق، يقول سامي، إنّه بصفته بائع ورود، يحكّم الذوق والجمال في مقاربة هذه الملصقات: "من زاوية تصميمها، فهي بشعة تغصّ بالفوضى اللونية، ومن زاوية تعليقها في أيّ مكان، فهم يشّوهون كثيراً من الجدران". يتساءل: "لماذا لا يكتفي المرشحون بالأماكن التي خصصتها البلدية لتعليق الإعلانات الانتخابية؟ كيف يستطيعون أن يقنعوني أنّهم سيدافعون عن القانون، وقد شرعوا في خرقه قبل أن يصلوا إلى قبّة البرلمان؟".
أمرت الحكومة بوقف النشاطات الرياضية والثقافية طوال أيام الحملة الانتخابية، حتى تسخّر القاعات والملاعب للتجمّعات السياسية، غير أنّ كثيراً من المرشحين عجزوا عن ملء تلك المساحات، فاعتمدوا الجولات الميدانية في الأسواق والمقاهي والساحات العامة، وهو ما يكسر سلطة المنصات، ويجعل الحوار مباشراً بين المرشح والمواطن. هنا تسمع كثيراً من السخرية من الشباب، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإحراج.
في أحد مقاهي مدينة بومرداس (60 كيلومتراً إلى الشرق من الجزائر العاصمة) يطلب أحد رؤساء الأحزاب الصغيرة من الحاضرين أن يصلّوا على النبي، وأن يشربوا ما شاؤوا على حسابه: "نحن اليوم نقدّم لكم عريسنا (المرشح) ونطمع في أن تقدّموا له أصواتكم". يقف شابّ عشريني ويخاطب المتحدث: "غداً ستجري أمّي عملية جراحية في عينيها، وأحتاج عشرين ألف دينار (نحو 200 دولار). يشعر الرجل بالحرج فيخرج المبلغ من جيبه، فيأخذه الشاب ويعلن بعد ذلك أنّه كذب عليه.
لم يتخلّف موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن لعب دور المرآة العاكسة لملامح الواقع، إذ طُمس حضور السياسيين بجرأة الشباب الذين حوّلوا الحملة الانتخابية إلى فرصة للتسلية. يقول المسرحي بوحجر بوتشيش لـ"العربي الجديد" إنّه يرى في ذلك مظهراً من مظاهر عبقرية الشاب الجزائري ونضجه، فهو يتعامل بمبدأ "أضحك عليك قبل أن تضحك عليّ".
يشرح: "لو قدّمت الأحزاب وجوهاً جديرة وبرامج جادّة وانحازت إلى الطرق العصرية في الإعلان لها، لما قوبلت بروح الرفض والاستهزاء، إذ هل يُعقل أن يوزع بعض المرشحين ما يؤكل وما يشرب مقابل الأصوات؟ لقد وزع أحدهم اللبن وآخر الزلابية، وحوّل أحدهم بيته إلى مطعم مجاني، هو الذي لا يعرف مشاكل منطقته لأنه غائب عنها على مدار السنة". يختم: "هذا التوجه البدوي القديم، هو ما جعل ملصقاتهم تمزَّق، أو لا يهتمّ بمشاهدتها غير الأطفال".