31 أكتوبر 2024
انسحاب بريطانيا... تداعيات محتملة
فاز المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بفارق بسيط في الأصوات لا يتجاوز 4 %.. حدث تاريخي سيكون له ما بعده ضمن تداعياتٍ لن تتوقف، بالتأكيد، عند الطرفين المعنيين. وتبدو نتيجة الاستفتاء محصلة منتظرة لمسار علاقتهما طوال العقود المنصرمة، ذلك أن لندن احتفظت دائماً بمسافةٍ واضحةٍ حيال الاتحاد، فلم يكن الانشغال بتعزيز هياكله وأدواره الإقليمية والدولية ضمن الأولويات الأساسية لحكوماتها المتعاقبة، بقدر ما كان يهمها الحفاظ على مصالحها الاقتصادية.
لا شك أن نتيجة الاستفتاء تمثل انتصاراً سياسياً كبيراً للمعسكر الرافض للأجانب وسياسات الهجرة المتبعة، ليس فقط في بريطانيا، ولكن، في عموم دول الاتحاد، وهو ما يبدو بمثابة إنعاشٍ للخطاب اليميني المتشدّد الذي يعتبر أن الاتحاد أصبح غير قادرٍ على حماية حدوده وثقافته، في ظل تدفق الأعداد الهائلة من المهاجرين واللاجئين الفارّين من حروب الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن أصبح ذلك على صلةٍ بتصاعد أعمال العنف والإرهاب في أوروبا أخيراً، غير أن النتيجة، في الوقت نفسه، تُظهر مدى الاستقطاب الحاد الذي باتت تشكله علاقة بريطانيا بالاتحاد، ولا مبالغة في القول إنها صارت قضية مجتمعية، تقسم النخبَ والرأيَ العامَ والأجيال والجغرافيةَ البريطانية بكل مكوناتها الاجتماعية والإثنية والثقافية. ولذلك، يُنتظر أن يكون لما حدث ارتدادات داخلية قوية على الصعد كافة، أكثرُها دلالةً احتمالُ إجراء استفتاء ثان في أسكتلندا للاستقلال نهائيا عن المملكة المتحدة، وبوادرُ انعطاف الخطاب السياسي الأوروبي نحو مزيدٍ من الشعبوية اليمينية، وتعميقُ الشروخ الثقافية والهوياتية والاجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا، يمكن اعتبار أحزاب اليمين المتطرف وحركاته أكبر مستفيدٍ من الزلزال البريطاني. ولذلك، لم يتردّد معظمها، عشية ظهور نتيجة الاستفتاء، في الدعوة إلى إجراء استفتاءاتٍ تتوج بانسحاب بلدانها من الاتحاد، لاسيما في فرنسا وهولندا والنمسا، مستغلةً تنامي مشاعر التذمر والكراهية تجاه المهاجرين وتصاعد النزعات الوطنية الضيقة. ويتخوف كثيرون من اقتراب هذه الأحزاب والحركات من دائرة صياغة السياسات الأوروبية المختلفة، وبالتالي، القدرة على التأثير على إعادة جدولة الأولويات وترتيبها، فيما يخص قضايا الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي سيسهم في توسيع هوامش الحركة والمناورة أمامها لتسويق خطابها العنصري المعادي للأجانب. وعلى الرغم من أن بعضهم يراهن على المحور الفرنسي الألماني في إنقاذ سفينة الاتحاد من الغرق، وتجاوز تداعيات الانسحاب البريطاني، إلا أن ذلك يبدو صعباً في ضوء الزخم السياسي والدعائي الذي أضافه الحدث لخطاب اليمين المتطرف.
لذلك، كان دالا حديثُ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، حين أكد على ضرورة انكباب الاتحاد،
بعد خروج بريطانيا، على أولويات الأمن والدفاع وحماية الحدود، في إشارةٍ إلى التحدّي البالغ الذي أضحت تمثله قضايا الهجرة واللاجئين والهوية والإرهاب، في اشتباكها متعدّد الأوجه مع واقع أوروبي متغير. ما يشير، بشكل أو بآخر، إلى أن نتيجة الاستفتاء قد تفتح المجال أمام تحوّل نوعي في إدراك النخب والمجتمعات الأوروبية هذه القضايا وتحولاتها المقبلة، مع تنامي خيبة أملٍ واسعةٍ في أوساط الطبقات الوسطى والفقيرة، جرّاء عجز الطبقة السياسية التقليدية في أوروبا عن مواكبة المتغيرات المجتمعية الكبرى، وتقديم إجاباتٍ مقنعةٍ إزاء ما تفرزه من أسئلةٍ مستجدة. ومن هنا، يصبح تصويت أغلبية البريطانيين لفائدة مغادرة الاتحاد بمثابة حكمٍ بإخفاق الأخير في ردم الهوة بين مؤسساته وأجهزته وسياساته الأمنية والاقتصادية، وبين تطلعات المواطن الأوروبي وانشغالاته المختلفة، فلا يخفى، مثلاً، أن اعتماد العملة الموحدة (اليورو) كانت له تبعات سلبية، تمثلت في الإضرار بالقدرة الشرائية لفئات كثيرة، وإفرازِ تفاوتاتٍ صارخة بين البلدان الأوروبية في قدرتها على استيعابٍ سلسٍ وهادئ لهذا الاعتماد وامتداداته الاجتماعية.
على الساحة الدولية، ستُلقي نتيجة الاستفتاء بظلالها على ملفاتٍ حيويةٍ كثيرة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط الغارقة في نزاعاتها وحروبها. ففضلاً عن أن ما حدث ربما ينعش حنينَ بريطانيا إلى غابر أمجادها، حين كانت قوة دولية عظمى تتحكّم في لعبة المصالح الكبرى، فإنه قد يفضي، أيضا، إلى تعزيز المحور الأميركي البريطاني، مع تزايد حظوظ فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسعي بوريس جونسون (أحد داعمي انفصال بريطانيا عن الاتحاد) لخلافة رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون، وخصوصاً فيما يتعلق بدعم الكيان الصهيوني في مخططاته وجرائمه، والالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، والاستمرار في لعبة خلط الأوراق في المنطقة، تمهيدا لتفكيكها وإعادة صناعة خرائطها، هذا في مقابل تقلص محتمل لدور الاتحاد الأوروبي في هذه الملفات، إذ من المرجّح أن ينشغل بترتيب بيته الداخلي بعد خروج بريطانيا، وبالتالي، احتمال تراجع تأثيره، مع الوقت، في معادلات القوة والنفوذ في المنطقة.
مؤكد أن الاتحاد الأوروبي يواجه تحدياً كبيرا بشأن مستقبله ومصيره، في ضوء الرجة الكبرى التي أحدثتها نتيجة الاستفتاء. وعلى الرغم من أن هناك احتمالا لتنظيم استفتاء ثان، استنادا إلى أحد القوانين الذي يُلزم الحكومة بإجرائه، إذا سجلت نتائج التصويت، لصالح البقاء أو الخروج، أقل من 60 %، وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء الأول أقل من 75%، إلا أن ذلك قد لا يغير من واقع الأمر شيئاً، فما حدث وضع فعلاً الاتحاد أمام مرحلة مفصلية.
لا شك أن نتيجة الاستفتاء تمثل انتصاراً سياسياً كبيراً للمعسكر الرافض للأجانب وسياسات الهجرة المتبعة، ليس فقط في بريطانيا، ولكن، في عموم دول الاتحاد، وهو ما يبدو بمثابة إنعاشٍ للخطاب اليميني المتشدّد الذي يعتبر أن الاتحاد أصبح غير قادرٍ على حماية حدوده وثقافته، في ظل تدفق الأعداد الهائلة من المهاجرين واللاجئين الفارّين من حروب الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن أصبح ذلك على صلةٍ بتصاعد أعمال العنف والإرهاب في أوروبا أخيراً، غير أن النتيجة، في الوقت نفسه، تُظهر مدى الاستقطاب الحاد الذي باتت تشكله علاقة بريطانيا بالاتحاد، ولا مبالغة في القول إنها صارت قضية مجتمعية، تقسم النخبَ والرأيَ العامَ والأجيال والجغرافيةَ البريطانية بكل مكوناتها الاجتماعية والإثنية والثقافية. ولذلك، يُنتظر أن يكون لما حدث ارتدادات داخلية قوية على الصعد كافة، أكثرُها دلالةً احتمالُ إجراء استفتاء ثان في أسكتلندا للاستقلال نهائيا عن المملكة المتحدة، وبوادرُ انعطاف الخطاب السياسي الأوروبي نحو مزيدٍ من الشعبوية اليمينية، وتعميقُ الشروخ الثقافية والهوياتية والاجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا، يمكن اعتبار أحزاب اليمين المتطرف وحركاته أكبر مستفيدٍ من الزلزال البريطاني. ولذلك، لم يتردّد معظمها، عشية ظهور نتيجة الاستفتاء، في الدعوة إلى إجراء استفتاءاتٍ تتوج بانسحاب بلدانها من الاتحاد، لاسيما في فرنسا وهولندا والنمسا، مستغلةً تنامي مشاعر التذمر والكراهية تجاه المهاجرين وتصاعد النزعات الوطنية الضيقة. ويتخوف كثيرون من اقتراب هذه الأحزاب والحركات من دائرة صياغة السياسات الأوروبية المختلفة، وبالتالي، القدرة على التأثير على إعادة جدولة الأولويات وترتيبها، فيما يخص قضايا الأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي سيسهم في توسيع هوامش الحركة والمناورة أمامها لتسويق خطابها العنصري المعادي للأجانب. وعلى الرغم من أن بعضهم يراهن على المحور الفرنسي الألماني في إنقاذ سفينة الاتحاد من الغرق، وتجاوز تداعيات الانسحاب البريطاني، إلا أن ذلك يبدو صعباً في ضوء الزخم السياسي والدعائي الذي أضافه الحدث لخطاب اليمين المتطرف.
لذلك، كان دالا حديثُ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، حين أكد على ضرورة انكباب الاتحاد،
على الساحة الدولية، ستُلقي نتيجة الاستفتاء بظلالها على ملفاتٍ حيويةٍ كثيرة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط الغارقة في نزاعاتها وحروبها. ففضلاً عن أن ما حدث ربما ينعش حنينَ بريطانيا إلى غابر أمجادها، حين كانت قوة دولية عظمى تتحكّم في لعبة المصالح الكبرى، فإنه قد يفضي، أيضا، إلى تعزيز المحور الأميركي البريطاني، مع تزايد حظوظ فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسعي بوريس جونسون (أحد داعمي انفصال بريطانيا عن الاتحاد) لخلافة رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون، وخصوصاً فيما يتعلق بدعم الكيان الصهيوني في مخططاته وجرائمه، والالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، والاستمرار في لعبة خلط الأوراق في المنطقة، تمهيدا لتفكيكها وإعادة صناعة خرائطها، هذا في مقابل تقلص محتمل لدور الاتحاد الأوروبي في هذه الملفات، إذ من المرجّح أن ينشغل بترتيب بيته الداخلي بعد خروج بريطانيا، وبالتالي، احتمال تراجع تأثيره، مع الوقت، في معادلات القوة والنفوذ في المنطقة.
مؤكد أن الاتحاد الأوروبي يواجه تحدياً كبيرا بشأن مستقبله ومصيره، في ضوء الرجة الكبرى التي أحدثتها نتيجة الاستفتاء. وعلى الرغم من أن هناك احتمالا لتنظيم استفتاء ثان، استنادا إلى أحد القوانين الذي يُلزم الحكومة بإجرائه، إذا سجلت نتائج التصويت، لصالح البقاء أو الخروج، أقل من 60 %، وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء الأول أقل من 75%، إلا أن ذلك قد لا يغير من واقع الأمر شيئاً، فما حدث وضع فعلاً الاتحاد أمام مرحلة مفصلية.