ووفّرت الاستضافة السعودية، مزايا جديدة لـ"المجلس الانتقالي" لم تكن في المتناول عندما كانت قياداته مقيمة في أبوظبي، فعقد الزبيدي، سلسلة لقاءات مع سفراء الدول الكبرى لدى اليمن ووفود أممية، أوصل خلالها جملة من مطالب الانفصاليين، وعلى رأسها التشكيل الفوري لحكومة مناصفة بينهم وبين الشرعية. وخلال وجود الزعماء الانفصاليين في الرياض، واصل "المجلس الانتقالي" خطوات ترسيخ دعائم تمرّده المسلح والإجهاز على ما تبقى من مؤسسات الدولة، فشكّل سبع لجان اقتصادية للإشراف على المرافق السيادية في مختلف القطاعات، وهي قطاع التجارة والصناعة والأسواق، قطاع النفط والمعادن والغاز، قطاع النقل (البري ـ البحري ـ الجوي)، المنطقة الحرة، قطاعا الزراعة والأسماك، قطاع التعليم، قطاع المياه والصرف الصحي. وفي محاكاة للتجربة التي دشنها الحوثيون بصنعاء في الأسابيع الأولى للانقلاب عام 2015 بتشكيل ما سمّيت حينها "اللجان الثورية"، بدأ "المجلس الانتقالي" بالانقضاض على مؤسسات الدولة بذات الأسلوب. بالتالي ستكون لجانه الإشرافية بمثابة عمل وزاري، فيما يقتصر دور مسؤولي الشرعية على توقيع ما يتم إقراره من "المجلس الانتقالي" وتخصيص التمويل لهم، حسبما ذكرت مصادر لـ"العربي الجديد".
وأضافت المصادر، أن "المجلس الانتقالي" نزع كل الصلاحيات من وزارات الشرعية في عدن، وأرسل أيضاً خطابات للمنظمات الدولية، مطالباً بضرورة توقيع الاتفاقيات الصحية والإغاثية مع لجان الإدارة الذاتية، وتسليم أوراق اعتماد الممثلين الجدد أيضاً لقيادتهم وليس لوزارات التخطيط أو الصحة.
وكانت أولى مهام ما وصفت بـ"اللجنة الاقتصادية العليا" في الانتقالي، توجيه طعنة غير متوقعة للحكومة الشرعية، تمثلت بالسطو على 80 مليار ريال يمني من العملة المحلية المطبوعة في روسيا (نحو 320 مليون دولار)، أثناء نقلها من ميناء عدن إلى المصرف المركزي، بعد أن تم الاستيلاء على الإيرادات بأكثر من 30 مليار ريال يمني (نحو مليوني دولار) خلال شهر واحد فقط.
وكما امتلك الشجاعة لتنفيذ عملية بهذا الحجم في حين توجد قياداته داخل السعودية، لم يتورع "الانتقالي" عن الإفصاح عن الأسباب الحقيقية التي دفعته للسطو، إذ كشف في بيان رسمي أن الهدف هو "تجفيف منابع الفساد وتفادي استخدام المال العام في دعم الإرهاب والإضرار بمصالح شعب الجنوب، من قبل بعض قيادات الحكومة اليمنية المتمردة على اتفاق الرياض".
وفي حين حاول "المجلس الانتقالي" التسويق بأن الهدف اقتصادي بحت ويتمثل بـ"الحفاظ على العملة المحلية من التدهور ومنع عملية إغراق السوق بعملة من دون غطاء"، أكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الانتقالي يتجه لقطع رواتب الجيش اليمني الذي يخوض معارك معه في أبين وشبوة". ووصف "الانتقالي" القوات الحكومية المرابطة في أبين بأنها "إرهابية"، مؤكداً في بيانه أنه سطا على الأموال، بهدف "منع استخدامها في دعم الإرهاب والإضرار بمصالحهم"، في إشارة لقطعها عن قوات الجيش. وأضافت المصادر: "يدّعي الانتقالي بأن الشرعية لم تدفع رواتب عناصره لـ6 أشهر في عام 2017 و4 أشهر من العام الحالي، ويحاول مقايضة التحالف بهذا الأمر، خصوصاً بعد إيقاف الإمارات دفع رواتبهم منذ 6 أشهر".
في المقابل، تقف الحكومة اليمنية عاجزة حيال الضربات التي تتلقاها، ومع أنه سبق لها أن أكدت على لسان وزير الخارجية، محمد الحضرمي، مساء أول من أمس السبت، حقها الدستوري وقدرتها في التصدي للتمرد بكافة الوسائل المشروعة عسكرياً وسياسياً وقانونياً، إلا أنها توسلت موقفاً صريحاً من السعودية تجاه ممارسات "المجلس الانتقالي"، باعتبارها الضامن لاتفاق الرياض.
وقد دشّن "المجلس الانتقالي" أواخر الأسبوع الماضي، موجة تمرّد مسلح وحرب عصابات ضد الحكومة الشرعية في محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، التي تم دحرهم منها أواخر شهر أغسطس/آب الماضي. في السياق نفّذ "الانتقالي"، كمائن عدة للقوات الحكومية في شبوة، يوم الخميس الماضي، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، كما أعلن سيطرته على بعض المدن الثانوية، لإرباك قوات الجيش الوطني المرابطة في شقرة وتخفيف الضغط على جبهات أبين.
ويبدو أن شبوة ستتحول إلى ساحة صراع جديدة خلال الأيام القادمة بين الشرعية والانفصاليين، مع دعوة "الانتقالي"، يوم الجمعة الماضي، من أسماهم بـ"أحرار المحافظة إلى مقاومة الاعتداءات الحكومية نحو تحريرها وتطهيرها من عصابات البطش والإجرام والمشاريع المشبوهة، لتعود إلى الحضن الجنوبي وضمن الإدارة الذاتية الجنوبية التي تم الإعلان عنها في العاصمة عدن".
وتعود جذور أزمة التمرّد الجديد في شبوة البعيدة إلى قيام قائد "النخبة الشبوانية" المدعومة إماراتياً، يوم الخميس الماضي، بإطلاق دعوة لاجتماع يدعو للكفاح المسلح ضد الشرعية وحشد مقاتلين موالين لـ"الانتقالي" في مديرية جردان، لكن القوات الحكومية أقرّت حينها منع أي فعاليات مسلحة لمليشيات خارجة عن القانون، وأمرت بإحضار المطلوبين. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن عناصر "الانتقالي" تصدّت للحملة الأمنية الحكومية، وهو ما تطور لملاحقات واشتباكات أسفرت عن إصابات في صفوف القوات الحكومية، فضلاً عن مقتل أحد العناصر القبلية الموالية لـ"الانتقالي".
واستغل رجل الدين السلفي المقيم في أبوظبي، هاني بن بريك، الحادثة، وأعلن في تغريدة على موقع "تويتر"، أن ما بعد مقتل أحد عناصرهم ليس كما قبله في شبوة، في إشارة إلى موجة تصعيد مسلح ضد الشرعية. وبالفعل، تطورت الأحداث سريعاً، فامتدت الاضطرابات من مديرية جردان إلى نصاب، مع سيطرة مسلحين موالين لـ"الانتقالي" على مركز مديرية نصاب ومقار حكومية. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، تجدد الاشتباكات بين القوات الحكومية والمليشيا الموالية لـ"الانتقالي" في نصاب، فجر أمس الأحد، وسُمع دوي انفجارات، وسط تحشيد الانفصاليين للعشرات من المقاتلين الجدد.
ولا يبدو أن الاضطرابات في شبوة ستقتصر على تنفيذ هجمات مسلحة ضد القوات الحكومية التي يتهمها المجلس الانتقالي بـ"الأخونة"، كوصف دأب على إطلاقه ضد كل مناهضيه، فالمحافظ فرج سالمين البحسني، المعروف بمقارعته للانفصاليين والإمارات، تحوّل على الأرجح إلى هدف لحلفاء أبوظبي، وذلك بعد الإعلان أخيراً عن نجاته من محاولة اغتيال، هي الثانية منذ مطلع مايو/أيار الماضي.
وتشكل شبوة مطمعاً رئيسياً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، نظراً لما تمتلكه من ثروات نفطية وغازية، لكن للوصول إليها، يجب عليه اجتياز مدينة شقرة التي باتت من أهم القواعد العسكرية للقوات الحكومية التي تم دحرها من عدن في أغسطس الماضي، فضلاً عن بدئه عملية تجنيد جديدة خلال الأشهر الماضية. لن يكون الأمر سهلاً بالنسبة لـ"الانتقالي"، وفقاً لمراقبين، لأن الطبيعة الصحراوية لمعارك أبين، التي ظلت مسرحاً لمعارك استنزاف طيلة الشهر الماضي، ستبتلع الكثير من مقدرات حلفاء الإمارات قبل الانتقال للخطوة التالية. ومن أجل ذلك، سيكون من المؤكد، اقتصار عمليات "الانتقالي" في شبوة على المناوشات وحروب العصابات، نظراً لاستحالة إمداد الموالين له بسلاح نوعي ثقيل من طراز الصواريخ الحرارية التي قدمتها الإمارات لهم، كما أن الاغتيالات قد تظهر كسلاح جديد ضد القيادات العسكرية والأمنية.