بدأ أمس الاثنين مسؤولون أميركيون اجتماعات مع نظرائهم الصينيين في أول محادثات مباشرة منذ اتفق الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ الشهر الماضي على هدنة مدتها 90 يوما في حرب تجارية تسببت في اضطرابات شديدة في الأسواق العالمية خاصة "وول ستريت".
وطوال 2018 تناقلت وسائل الإعلام قصة الرسوم الجمركية المتبادلة بين الصين وأميركا، ورصدت تحليلات للحرب التجارية بين البلدين وأثرها على الاقتصاد العالمي، باعتبارها حرباً بين أكبر اقتصادين في العالم.
وسيطرت قضية الحمائية التجارية على فعاليات عالمية شهيرة، أبرزها اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، ومجموعة العشرين، خاصة أن أميركا لم تستهدف دولة فقط برفع الرسوم، لكنها استهدفت مجموعة من أكبر شركائها، وعلى رأسهم الصين، صاحبة النصيب الوافر من الرسوم الأميركية.
في الحرب التجارية ثمة تفاصيل أخرى شُغلنا بها، لكن الاطلاع على الإحصاءات الرسمية الأميركية، يظهر أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين لم تتأثر بشكل كبير، بل قد لا تتأثر مطلقًا عند مقارنة أداء الصادرات والواردات، أو عند رصد محصلة الميزان التجاري خلال عام 2017 والأشهر العشر الأولى من عام 2018.
وإذا ما أسفرت مباحثات ترامب المقبلة، التي أُعلن عنها يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2018، مع الرئيس الصيني، عن اتفاق إيجابي ينهي حالة الاحتقان، فمن المرجح أن تحافظ الصين على فائضها التجاري مع أميركا، على أقل تقدير عند حدود أرقام عام 2017.
الأرقام الأميركية تبين أن قيمة الواردات من الصين خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني - أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بلغت 446.3 مليار دولار، مقابل 412.3 مليار دولار في الفترة المقابلة من 2017، وهو ما يعني أن الواردات الأميركية من الصين شهدت زيادة 34 مليار دولار خلال هذه الفترة، وبنسبة 8.2%.
اقــرأ أيضاً
وحتى إذا ما قارنا أداء الواردات الأميركية من الصين نجد أنها كانت بحدود 505.4 مليارات دولار في 2017، وفي الأشهر العشرة الأولى من 2018 بلغت 446.3 مليار دولار، وهو ما يعني أن أداء الشهرين المتبقيين من 2018 كفيل بأن يحقق زيادة عما كان عليه الوضع في 2017.
الميزان لصالح الصين
والملاحظ كذلك أن أداء الميزان التجاري بين البلدين لا يزال لصالح الصين، ففي الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 بلغ الفائض التجاري لصالح الصين 344 مليار دولار، بينما كان الفائض في 2017 بكامله 375 مليار دولار. إذاً ما زالت نتائج الميزان التجاري لصالح الصين رغم الإجراءات الخاصة بمنع بعض الواردات بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا خلال 2018.
وبتتبع الأرقام الخاصة بالعجز التجاري الأميركي تجاه الصين خلال الفترة من يناير - أكتوبر 2018، نجد أن فبراير/ شباط ومارس/ آذار هما اللذان ظهر فيهما تراجع في قيمة العجز عند 29.2 مليار دولار، و25.8 مليار دولار على التوالي، بعد أن كان 35.9 مليار دولار في يناير من العام نفسه. وهو انخفاض ملحوظ ومؤثر على الصعيد الشهري، فقيمة الانخفاض بين يناير ومارس نحو 10 مليارات دولار.
لكن أداء الأشهر التالية لمارس 2018، يظهر صعود العجز التجاري لدى أميركا تجاه الصين بشكل كبير، حيث وصل في أكتوبر لنحو 43.1 مليار دولار، وهو ما يعني أن بكين استطاعت أن تعيد ترتيب أجندة صادراتها لأميركا بحيث تحافظ على تفوقها التجاري مع الولايات المتحدة، كما يعكس الأمر حقيقة أخرى وهي حاجة السوق الأميركي الماسة والضرورية للسلع الصينية، على الأقل في الأجل القصير.
لكن لا يعني هذا أن أميركا لا يمكنها الاستغناء عن السلع الصينية، وقد يكون ذلك واردًا في الأجل القصير، لكن بإمكان أميركا أن تمارس ما يسمى بسياسة تحويل التجارة بأن تستقدم احتياجاتها من السلع من دول أخرى، وعلى رأسها كوريا الجنوبية، التي لها علاقات قوية مع أميركا، وبخاصة على الصعيد المالي والاقتصادي.
الإحصاءات الأميركية تبين أن كوريا الجنوبية هي أيضًا تحقق فائضًا تجاريًا مع أميركا، ففي الفترة من يناير - أكتوبر 2018، كان الميزان التجاري بين البلدين قد حقق فائضًا يزيد عن 15 مليار دولار لصالح كوريا الجنوبية.
وبطبيعة الحال فاعتبارات الأمن القومي تجعل العلاقة بين أميركا والصين شديدة الحساسية، وقد لا تسمح الأوضاع في أميركا بأن تمتلك الصين أوراق ضغط اقتصادية يمكن أن تغير من موازين القوى بين البلدين. وهو ما حدث بالفعل حينما أوقف ترامب في مارس 2018 صفقة بيع شركة "كوالوكم" الأميركية لصالح شركة "برودكوم" الصينية، بحجة أن الشركة الصينية قد توقف الإنفاق على البحوث والتطوير في الشركة المستحوذ عليها، وهو ما يهدد تكنولوجيا الجيل الخامس للموبايل، وقد وصفت هذه الصفقة بالأضخم في قطاع التكنولوجيا.
ومن هنا نعلم الطريقة التي أدارت بها الصين الأزمة مع ترامب وإدارته، عبر الرسوم الجمركية المفروضة، كان رد فعل الصين يأتي بعد التصرف الأميركي، ويكون مساويًا له في المقدار والأثر، دون تصعيد، من أجل الحفاظ على هذه الحصة من الصادرات للسوق الأميركي، وبقاء هذا الفائض التجاري الذي يزيد عن 350 مليار دولار رغم ما فرض من عقوبات ورفع للرسوم الجمركية من قبل أميركا.
اقــرأ أيضاً
وهذا السبب أيضًا كان دافعًا للصين لتبني مبدأ حرية التجارة في التجمعات الدولية، بل ومن خلال المؤسسات الدولية المعنية بحركة الاقتصاد العالمي، مثل صندوق النقد الدولي، أو اجتماعات مجموعة العشرين، كما لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل وطدت علاقات مع الشركاء الآخرين الذين استهدفتهم إجراءات ترامب برفع الرسوم الجمركية، ليكونوا سندًا للصين في حرصها على تحرير التجارة، والعمل في إطار مبادئ منظمة التجارة العالمية.
لماذا صعدت أميركا؟
بتتبع أداء التجارة السلعية البينية بين أميركا والصين نجد أنها منذ مطلع الألفية الثالثة تشهد تحقيق فائض تجاري لصالح الصين، حيث كان هذا الفائض في عام 2001 بحدود 83 مليار دولار فقط لا غير، وظل الفائض في زيادة مضطردة ليكسر حاجز الـ200 مليار دولار في 2005، حيث بلغ الفائض التجاري الصيني نحو 202 مليار دولار، ثم كسر حاجز الـ300 مليار في 2012، حيث بلغ 315 مليارا، وفي 2017 بلغ الفائض الصيني نحو 375 مليار دولار.
ولعل الإجراءات الأميركية قصد منها عرقلة الواردات من الصين وألا يتجاوز الفائض التجاري لصالح الصين حاجز الـ400 مليار دولار. لأننا نجد أن الفائض على مدار 17 عامًا مضت بلغ زيادة قيمتها 292 مليار دولار.
وإذا ما أضفنا إلى السبب السابق أن الإجراءات الخاصة برفع الرسوم الجمركية من قبل ترامب أحيت بعض الصناعات داخل أميركا، ووفرت لها أجواء اقتصادية مواتية من حيث قدرتها على العمل وتحقيق أرباح، فإن ذلك أيضًا سمح لترامب بتحقيق أهداف أخرى عملت على زيادة شعبيته، وعلى رأسها زيادة فرص العمل بالسوق الأميركي. وتشير الإحصاءات الأميركية إلى أن معدلات البطالة عند أقل معدلاتها منذ ما يزيد على 5 عقود من الزمن، فقد بلغت نسبة البطالة بأميركا 3.7% مطلع أكتوبر 2018.
وطوال 2018 تناقلت وسائل الإعلام قصة الرسوم الجمركية المتبادلة بين الصين وأميركا، ورصدت تحليلات للحرب التجارية بين البلدين وأثرها على الاقتصاد العالمي، باعتبارها حرباً بين أكبر اقتصادين في العالم.
وسيطرت قضية الحمائية التجارية على فعاليات عالمية شهيرة، أبرزها اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، ومجموعة العشرين، خاصة أن أميركا لم تستهدف دولة فقط برفع الرسوم، لكنها استهدفت مجموعة من أكبر شركائها، وعلى رأسهم الصين، صاحبة النصيب الوافر من الرسوم الأميركية.
في الحرب التجارية ثمة تفاصيل أخرى شُغلنا بها، لكن الاطلاع على الإحصاءات الرسمية الأميركية، يظهر أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين لم تتأثر بشكل كبير، بل قد لا تتأثر مطلقًا عند مقارنة أداء الصادرات والواردات، أو عند رصد محصلة الميزان التجاري خلال عام 2017 والأشهر العشر الأولى من عام 2018.
وإذا ما أسفرت مباحثات ترامب المقبلة، التي أُعلن عنها يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2018، مع الرئيس الصيني، عن اتفاق إيجابي ينهي حالة الاحتقان، فمن المرجح أن تحافظ الصين على فائضها التجاري مع أميركا، على أقل تقدير عند حدود أرقام عام 2017.
الأرقام الأميركية تبين أن قيمة الواردات من الصين خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني - أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بلغت 446.3 مليار دولار، مقابل 412.3 مليار دولار في الفترة المقابلة من 2017، وهو ما يعني أن الواردات الأميركية من الصين شهدت زيادة 34 مليار دولار خلال هذه الفترة، وبنسبة 8.2%.
الميزان لصالح الصين
والملاحظ كذلك أن أداء الميزان التجاري بين البلدين لا يزال لصالح الصين، ففي الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 بلغ الفائض التجاري لصالح الصين 344 مليار دولار، بينما كان الفائض في 2017 بكامله 375 مليار دولار. إذاً ما زالت نتائج الميزان التجاري لصالح الصين رغم الإجراءات الخاصة بمنع بعض الواردات بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا خلال 2018.
وبتتبع الأرقام الخاصة بالعجز التجاري الأميركي تجاه الصين خلال الفترة من يناير - أكتوبر 2018، نجد أن فبراير/ شباط ومارس/ آذار هما اللذان ظهر فيهما تراجع في قيمة العجز عند 29.2 مليار دولار، و25.8 مليار دولار على التوالي، بعد أن كان 35.9 مليار دولار في يناير من العام نفسه. وهو انخفاض ملحوظ ومؤثر على الصعيد الشهري، فقيمة الانخفاض بين يناير ومارس نحو 10 مليارات دولار.
لكن أداء الأشهر التالية لمارس 2018، يظهر صعود العجز التجاري لدى أميركا تجاه الصين بشكل كبير، حيث وصل في أكتوبر لنحو 43.1 مليار دولار، وهو ما يعني أن بكين استطاعت أن تعيد ترتيب أجندة صادراتها لأميركا بحيث تحافظ على تفوقها التجاري مع الولايات المتحدة، كما يعكس الأمر حقيقة أخرى وهي حاجة السوق الأميركي الماسة والضرورية للسلع الصينية، على الأقل في الأجل القصير.
لكن لا يعني هذا أن أميركا لا يمكنها الاستغناء عن السلع الصينية، وقد يكون ذلك واردًا في الأجل القصير، لكن بإمكان أميركا أن تمارس ما يسمى بسياسة تحويل التجارة بأن تستقدم احتياجاتها من السلع من دول أخرى، وعلى رأسها كوريا الجنوبية، التي لها علاقات قوية مع أميركا، وبخاصة على الصعيد المالي والاقتصادي.
الإحصاءات الأميركية تبين أن كوريا الجنوبية هي أيضًا تحقق فائضًا تجاريًا مع أميركا، ففي الفترة من يناير - أكتوبر 2018، كان الميزان التجاري بين البلدين قد حقق فائضًا يزيد عن 15 مليار دولار لصالح كوريا الجنوبية.
وبطبيعة الحال فاعتبارات الأمن القومي تجعل العلاقة بين أميركا والصين شديدة الحساسية، وقد لا تسمح الأوضاع في أميركا بأن تمتلك الصين أوراق ضغط اقتصادية يمكن أن تغير من موازين القوى بين البلدين. وهو ما حدث بالفعل حينما أوقف ترامب في مارس 2018 صفقة بيع شركة "كوالوكم" الأميركية لصالح شركة "برودكوم" الصينية، بحجة أن الشركة الصينية قد توقف الإنفاق على البحوث والتطوير في الشركة المستحوذ عليها، وهو ما يهدد تكنولوجيا الجيل الخامس للموبايل، وقد وصفت هذه الصفقة بالأضخم في قطاع التكنولوجيا.
ومن هنا نعلم الطريقة التي أدارت بها الصين الأزمة مع ترامب وإدارته، عبر الرسوم الجمركية المفروضة، كان رد فعل الصين يأتي بعد التصرف الأميركي، ويكون مساويًا له في المقدار والأثر، دون تصعيد، من أجل الحفاظ على هذه الحصة من الصادرات للسوق الأميركي، وبقاء هذا الفائض التجاري الذي يزيد عن 350 مليار دولار رغم ما فرض من عقوبات ورفع للرسوم الجمركية من قبل أميركا.
وهذا السبب أيضًا كان دافعًا للصين لتبني مبدأ حرية التجارة في التجمعات الدولية، بل ومن خلال المؤسسات الدولية المعنية بحركة الاقتصاد العالمي، مثل صندوق النقد الدولي، أو اجتماعات مجموعة العشرين، كما لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل وطدت علاقات مع الشركاء الآخرين الذين استهدفتهم إجراءات ترامب برفع الرسوم الجمركية، ليكونوا سندًا للصين في حرصها على تحرير التجارة، والعمل في إطار مبادئ منظمة التجارة العالمية.
لماذا صعدت أميركا؟
بتتبع أداء التجارة السلعية البينية بين أميركا والصين نجد أنها منذ مطلع الألفية الثالثة تشهد تحقيق فائض تجاري لصالح الصين، حيث كان هذا الفائض في عام 2001 بحدود 83 مليار دولار فقط لا غير، وظل الفائض في زيادة مضطردة ليكسر حاجز الـ200 مليار دولار في 2005، حيث بلغ الفائض التجاري الصيني نحو 202 مليار دولار، ثم كسر حاجز الـ300 مليار في 2012، حيث بلغ 315 مليارا، وفي 2017 بلغ الفائض الصيني نحو 375 مليار دولار.
ولعل الإجراءات الأميركية قصد منها عرقلة الواردات من الصين وألا يتجاوز الفائض التجاري لصالح الصين حاجز الـ400 مليار دولار. لأننا نجد أن الفائض على مدار 17 عامًا مضت بلغ زيادة قيمتها 292 مليار دولار.
وإذا ما أضفنا إلى السبب السابق أن الإجراءات الخاصة برفع الرسوم الجمركية من قبل ترامب أحيت بعض الصناعات داخل أميركا، ووفرت لها أجواء اقتصادية مواتية من حيث قدرتها على العمل وتحقيق أرباح، فإن ذلك أيضًا سمح لترامب بتحقيق أهداف أخرى عملت على زيادة شعبيته، وعلى رأسها زيادة فرص العمل بالسوق الأميركي. وتشير الإحصاءات الأميركية إلى أن معدلات البطالة عند أقل معدلاتها منذ ما يزيد على 5 عقود من الزمن، فقد بلغت نسبة البطالة بأميركا 3.7% مطلع أكتوبر 2018.