استأجر شاب عربي غرفة في منزل تملكه سيد نرويجية، وكان كطالب يتردد على جامعته يومياً بطبيعة الحال، بينما يمضي وقت فراغه مع أمثاله من الشبان العرب المهاجرين في المقاهي أو في المكتبة. لاحظ الشاب أن السيدة المتقاعدة كانت تمضي أياماً في العناية بحديقتها المنزلية، بينما يجدها في أيام أخرى تخرج مبكرة لثماني ساعات تقريباً ثم تعود إلى بيتها. لم يعبأ، لكن عندما تعرضت للمرض، وأخبرها بأنه لن يذهب إلى الجامعة، وسيبقى معها للسهر على راحتها، أخبرته بعدما شكرته أن لا لزوم لذلك لأن لديها الكثير من الأيام التي تمضيها بالعناية بمرضى في مثل سنها أو أكبر، وأنها ستتصل بالرعاية الاجتماعية كي يرسلوا لها سيدة تهتم بها طيلة مرضها لأن رصيدها كبير، إذ لديها الكثير من الأيام التي ستنفق بعضها خلال مرضها، وعندما تتعافى ستعود إلى ملء رصيدها خلال صحتها احتياطاً لأيام مرضها، أما إذا لم تمرض فستكون راضية على مساعدة أناس هم بحاجة إلى رعاية.
تؤشر القصة السابقة إلى مدى أهمية وجوهرية ملء وقت الفراغ ليس في الدول الاسكندنافية فقط، بل بالنسبة لكل فرد في مجتمع ما، سواء أكان هذا المجتمع فقيراً أم غنياً، متقدماً أم في طور النمو، وسواء أكان صاحب هذا الوقت طفلاً أم مراهقاً أم شاباً أم كهلاً. بهذا المعنى يصبح استثمار الوقت المتوافر عاملاً من عوامل النهوض والتنمية إذا أحسنّا الإفادة منه في تنمية مهارات قد لا تستطيع قيود العمل والدراسة وظروفهما أن تؤمنها لنا في الأيام العادية. إذن لا نتحدث هنا عن فراغ بالمعنى الذي أشار إليه المعجميون العرب عندما تحدثوا عن الخلاء، بقدر ما نتحدث عن نشاط يمكن ممارسته للمتعة، لكنه يفتح على مضاعفة ذخيرتنا في الحياة، ويساهم في دفع مجتمعاتنا ولو خطوة صغيرة إلى الأمام.
يمكن رصد أوضاعنا كأفراد وجماعات من خلال قياس انعكاس كيفية استثمارنا لأوقات الفراغ التي نملكها حتى ولو ادعينا خلاف ذلك على مناحي حياتنا. أي أن الكيفية التي نزجي فيها وقت الفراغ، تحدد ما إذا كنا نعمل على زيادة ترصيد حساباتنا الخاصة والوطنية أم لا.
اقــرأ أيضاً
عندما نتحدث عن أوقات الفراغ لا نتحدث عن حالات فراغ متشابهة ومتماثلة وإن كانت تندرج جميعاً تحت العنوان نفسه. فالفراغ لدى العاملين والموظفين الذين يتحدد دوام عملهم اليومي بثماني ساعات، يختلف عنه لدى المزارعين والصيادين الذين عندما يمارسون مهنهم يخضع وقت فراغهم لعوامل موسمية ترتبط بالعواصف والمطر والثلوج والفراغ من الزراعة والحصاد وغيرها... وكلاهما أي الفلاحين والصيادين، يختلفون كلياً عن المجتمع الصناعي والحرفي المديني والوظيفي المضبوط إلى حد ما بساعات عمل محددة. المجتمع التعليمي هو الأكثر بحثاً ودراسة بما هو الأساتذة والطلاب، سواء أكانوا في المراحل الأساسية أم الثانوية أم الجامعية. وبالطبع يختلف الأمر بين أوقات الفصول الدراسية والفرص السنوية عدا المناسبات والأعياد وما شابه من أيام تعطيل دراسي. إذن تختلف أيام الضغط التعليمي عن أيام توقف الدارسة، وهو ما يؤدي إلى أوقات فراغ تتجاوز الأشهر الثلاثة على كل حال، ما يقود إلى استنزاف ساعات ثمينة لم يجر استغلالها على النحو الأمثل ترفيها ومتعة وفائدة.
*باحث وأكاديمي
تؤشر القصة السابقة إلى مدى أهمية وجوهرية ملء وقت الفراغ ليس في الدول الاسكندنافية فقط، بل بالنسبة لكل فرد في مجتمع ما، سواء أكان هذا المجتمع فقيراً أم غنياً، متقدماً أم في طور النمو، وسواء أكان صاحب هذا الوقت طفلاً أم مراهقاً أم شاباً أم كهلاً. بهذا المعنى يصبح استثمار الوقت المتوافر عاملاً من عوامل النهوض والتنمية إذا أحسنّا الإفادة منه في تنمية مهارات قد لا تستطيع قيود العمل والدراسة وظروفهما أن تؤمنها لنا في الأيام العادية. إذن لا نتحدث هنا عن فراغ بالمعنى الذي أشار إليه المعجميون العرب عندما تحدثوا عن الخلاء، بقدر ما نتحدث عن نشاط يمكن ممارسته للمتعة، لكنه يفتح على مضاعفة ذخيرتنا في الحياة، ويساهم في دفع مجتمعاتنا ولو خطوة صغيرة إلى الأمام.
يمكن رصد أوضاعنا كأفراد وجماعات من خلال قياس انعكاس كيفية استثمارنا لأوقات الفراغ التي نملكها حتى ولو ادعينا خلاف ذلك على مناحي حياتنا. أي أن الكيفية التي نزجي فيها وقت الفراغ، تحدد ما إذا كنا نعمل على زيادة ترصيد حساباتنا الخاصة والوطنية أم لا.
عندما نتحدث عن أوقات الفراغ لا نتحدث عن حالات فراغ متشابهة ومتماثلة وإن كانت تندرج جميعاً تحت العنوان نفسه. فالفراغ لدى العاملين والموظفين الذين يتحدد دوام عملهم اليومي بثماني ساعات، يختلف عنه لدى المزارعين والصيادين الذين عندما يمارسون مهنهم يخضع وقت فراغهم لعوامل موسمية ترتبط بالعواصف والمطر والثلوج والفراغ من الزراعة والحصاد وغيرها... وكلاهما أي الفلاحين والصيادين، يختلفون كلياً عن المجتمع الصناعي والحرفي المديني والوظيفي المضبوط إلى حد ما بساعات عمل محددة. المجتمع التعليمي هو الأكثر بحثاً ودراسة بما هو الأساتذة والطلاب، سواء أكانوا في المراحل الأساسية أم الثانوية أم الجامعية. وبالطبع يختلف الأمر بين أوقات الفصول الدراسية والفرص السنوية عدا المناسبات والأعياد وما شابه من أيام تعطيل دراسي. إذن تختلف أيام الضغط التعليمي عن أيام توقف الدارسة، وهو ما يؤدي إلى أوقات فراغ تتجاوز الأشهر الثلاثة على كل حال، ما يقود إلى استنزاف ساعات ثمينة لم يجر استغلالها على النحو الأمثل ترفيها ومتعة وفائدة.
*باحث وأكاديمي