تحرير جنوب لبنان: 14 عاماً من التحوّلات

24 مايو 2014
من احتفالات التحرير في مايو/أيار 2000 (أرشيف/فرانس برس/getty)
+ الخط -

توجّت ثلاثة أيام، بين 22 و25 مايو/ أيار 2000، نضالات طويلة للشعب اللبناني في مقاومة إسرائيل. بدأ العمل المقاوم مع "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانيّة"، التي أطلقها الأمين العام للحزب الشيوعي جورج حاوي (اغتيل عام 2005) والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، في 16 سبتمبر/ أيلول 1982، وانتهت مع حزب الله، الذي قاد عملية تحرير الشريط الحدودي.

وصلت الدبابات الإسرائيليّة خلال يونيو/ حزيران 1982 إلى العاصمة بيروت، لتحاصرها لأشهر ثلاثة، قاتل خلالها لبنانيون إلى جانب مقاتلي الثورة الفلسطينية. لم يدخل الجيش الإسرائيلي إلا بعد اتفاق سياسي، لكنه لم يستقر فيها سوى بضعة أيّام، إذ انسحب تحت ضربات جبهة المقاومة. ومنذ بداية عام 1985، انسحب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من عدد من المدن والبلدات، لتتحرر المساحة الأكبر من لبنان، ويُنشئ جيش الاحتلال الشريط الحدودي. وفي العام 2000، تحرر هذا الشريط، ليكون لبنان أول دولة عربية تستعيد أرضها من دون عملية تفاوض مع إسرائيل.

إذاً، حمل حزب الله إرثاً لبنانياً وفلسطينياً في مقاتلة إسرائيل. استفاد من الخبرات العسكرية المتراكمة، ومن الأسلحة أيضاً. أكثر معلومة تعبيراً عن هذا الأمر، هي أن القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية (اغتيل في دمشق عام 2008)، بدأ حياته العسكريّة في حركة "فتح". استطاع الحزب خلال تسعينيات القرن الماضي أن يحوز على قلوب عدد كبير من اللبنانيين. يذكر هؤلاء جيداً، كيف رُفعت أعلام الحزب وصور أمينه العام حسن نصر الله في مناطق مختلفة مذهبياً معه. وأبرز هذه الصور كانت في طرابلس، شمالي لبنان. حينها، لم يكن الانقسام المذهبي قد وصل إلى ذروته.

في العام 2006، استطاع الحزب تعميم هذه الصورة عربياً. رُفعت صور نصر الله في الأزهر بالقاهرة، وفي الجزائر والمغرب إضافة إلى دول الخليج العربي. وبالطبع، رفعت في كل قرية ومدينة سورية. نافست صور نصر الله، صور الرئيس بشار الأسد، مع فارق بسيط: الأولى جرى وضعها طواعية، والثانية وضعت خوفاً ومحاباةً.

هكذا، شكّل حزب الله في هذه المرحلة طليعة الحركات المقاومة حول العالم. بات نموذجاً يُدرس. تبناه اليسار قبل الإسلاميين. تجنّب أي صدام مع تنظيم القاعدة، لا بل بادلها غزلاً، إلى ساحة القتال. إذ شارك مقاتلون من الحزب في حرب البوسنة، كما في أفغانستان، حيت تنتشر الصورة الشهيرة للأمين العام السابق للحزب، عباس الموسوي، مصلّياً إلى جانب مقاتلين من القاعدة.

جاء انسحاب الجيش السوري من لبنان، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليضع حزب الله في ورطة جدية. اضطر إلى أن يتدخل مباشرةً في إدارة الملف اللبناني. بدأ يخسر تدريجياً من رصيده المحلي. في مايو/ أيار 2008، عاشت بيروت أياماً سوداء، عندما سيطر عناصر الحزب على بيروت في عملية "تأديب" للخصوم المحليين. شكلت هذه الحرب الأهلية المصغرة تحوّلاً أساسياً في نظرة الكثيرين إلى الحزب. لكن التحول الأبرز، جاء مع قتال حزب الله إلى جانب نظام البعث في سورية ضد الثورة. رفع الحزب شعارات مختلفة في هذه المعركة. من "الدفاع عن المقامات الشيعيّة"، إلى "قتال التكفيريين" في حرب استباقية "لمنعهم من المجيء إلى لبنان".

خسر حزب الله في ثلاث سنوات من القتال في سورية، إلى جانب النظام، بُعده العربي والإسلامي، والسوري طبعاً. صار الحزب عدواً مذهبياً. ربما كان الأمر منطقياً، لأن الحزب تحوّل من حركة مقاومة وتحرير إلى ميليشيا تأتمر بأوامر إيران، بنظر كثيرين.

أمّا الجنوب اللبناني، فقد تُرك على حاله عملياً. قرى وبلدات معظمها فارغ من سكانه. وضعها الاقتصادي سيئ، ربما ميزتها الوحيدة في الفترة الأخيرة هي استقرارها الأمني. لا يظهر التحرير إلا في صورة الجندي الإسرائيلي القابض على بندقيته بخوف شديد، عند الحدود مع فلسطين المحتلة.​

المساهمون