بين الحين والآخر، يخرج مواطنون مغاربة إلى الشارع وينظّمون وقفات احتجاجية وتظاهرات طلباً لمياه صالحة للشرب. ولعلّ آخر تلك التحركات كانت قبل أيام في إقليم مولاي يعقوب، وسط المغرب، تحديداً في قرية دوار الوداية، عندما تظاهر السكان مطالبين بحقهم في الحصول على "المياه العذبة".
قبل ذلك بأسابيع قليلة، خرج سكان دوار أنفك في قرية أفورار بإقليم أزيلال (شمال) إلى الشارع للاحتجاج، في مسيرة على الدواب، على ما وصفوه بـ"أزمة العطش" التي يقاسون منها. وقد طالبوا المسؤولين المحليين بتوفير المياه لهم، بدلاً من البحث عنها عبر امتطاء الحمير والبغال والانتقال إلى مناطق بعيدة.
اقــرأ أيضاً
وكانت أزمة المياه العذبة قد ظهرت في قرى عدّة، في كلّ من وزان (شمال غرب) وتاونات (شمال) وفكيك (شرق) وصفرو (وسط)، وخصوصاً في زاكورة (جنوب شرق) في صيف عام 2017 عندما خرجت تظاهرات شعبية طالب في خلالها السكان بالمياه الصالحة للشرب، قبل أن يتحوّل بعض تلك التظاهرات إلى مواجهات مع قوات الأمن. وتُعَدّ تظاهرات زاكورة تلك إحدى أكبر الاحتجاجات التي عرفها المغرب بسبب عدم توفّر هذه المادة الحيوية، حتى أنّها سمّيت بـ"أزمة العطش". وقد أعادها محللون إلى أسباب رئيسية عدّة، منها استنزاف كبار المزارعين المياه الجوفية في المنطقة للحصول على مردود جيّد في زراعة البطيخ الأحمر، ومنها عوامل تتعلق بالتغيّرات المناخية، وكذلك بسوء تدبير المياه العذبة في تلك المناطق. وقد وصل صدى احتجاج المواطنين على حرمانهم من المياه العذبة إلى أعلى السلطات في البلاد، وقد تحدّث الملك محمد السادس بنفسه عن الموضوع في أحد خطاباته، فطالب الحكومة والمؤسسات المختصة باتخاذ تدابير عاجلة وإعلان التعبئة لمعالجة الحالات الطارئة المتعلقة بنقص تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب.
الحاج صالح، ربّ أسرة تقطن في ضواحي زاكورة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّهم يعانون في هذه المنطقة من "فقدان المياه العذبة التي لا تصل إلى صنابير المنازل"، مضيفاً أنّ "المعاناة تتضاعف في بعض الأحيان مثل فصل الصيف الذي تكثر في خلاله الحاجة إلى المياه سواء للشرب أو الاستحمام أو لغيرهما". ويلفت إلى أنّ "الأمر يتعلق برحلة عذاب حقيقية عندما يضطر السكان إلى اجتياز مسافات طويلة للوصول إلى مناطق أخرى لجلب المياه، مع ما يستوجبه ذلك من جهد ووقت. فقدان المياه الصالحة للشرب يعسّر الحياة بطريقة لا يمكن لمن لم يعانِ ذلك أن يشعر بها". ويتابع الحاج صالح أنّ "الحياة من دون مياه عذبة تكون شبه مستحيلة، فأفراد الأسرة قد يضطرون إلى الشرب من كأس واحدة، أو أنّهم ينقطعون عن الاستحمام، الأمر الذي يؤثّر سلباً على النظافة الشخصية".
أمّا ربيحة التي تقطن في ضواحي مدينة سلا (غرب) في مجموعة قروية لم تصلها بعد شبكة المياه العذبة، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تضطر مع أبنائها إلى قطع مسافة للحصول على المياه من "السقاية" في مجموعة قروية أخرى، مضيفة أنّ "الوقوف في انتظار دورنا لملء براميلنا أمر يثير الشفقة". ولا تخفي ربيحة أنّها تشاجرت "في أكثر من مرّة مع نساء أخريات بسبب الخلاف حول الأحقية في السقاية بسبب الازدحام ومن التي وصلت قبل الأخرى. والأمور قد تتطوّر أحياناً إلى حدّ التراشق بالبراميل، فتتدخّل القوات العمومية للتهدئة".
من جهته، يقول با محمد ركيع الذي يسكن في ضواحي منطقة شيشاوة (جنوب) لـ"العربي الجديد" إنّ "مياه الشرب لا تصل إلى السكان على مدى أيام، بسبب الانقطاعات المتتالية من المركز، ونحن نطالب المسؤولين المحليين بضرورة وضع حدّ لهذه الأزمة ومد شبكات إلى صنابير المنازل". يضيف أنّ "انقطاع المياه يحرج الأسر ويجعلها في ضيق، فترضى بحلول مؤقتة من قبيل التزوّد بمياه الصهاريج".
في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد" إنّ "المناطق التي تشتكي من فقدان مياه الشرب هي تلك التي تنتمي إلى ما يسمى المغرب غير النافع، أي تلك البعيدة جداً عن الإنماء الاقتصادي والاجتماعي والتي تعاني هشاشة تنموية وإقصاءً اجتماعياً". تضيف أنّ "عدم حصول السكان على أحد حقوقهم الدستورية والحيوية، من قبيل مياه الشرب، أمر لا يمكن تقبّله في القرن الواحد والعشرين. ومعاناة عدد من سكان المناطق النائية والقروية مع المياه تعود في الأساس إلى كبار الفلاحين الذين يستنزفون المياه لريّ زرعهم بينما يقاسي الفقراء العطش".
اقــرأ أيضاً
وفي حين علت أصوات الناشطين والخبراء والمهتمين مطالبة بضرورة إيجاد الدولة حلولاً لأزمة المياه، تستند الحكومة إلى مخطط استراتيجي يمتدّ إلى عام 2030 لمواجهة مخاطر شحّ المياه. وعلى الرغم من طموح الحكومة لمواجهة أزمة مياه الشرب، فإنّ تقارير دولية تحذّر من مخاطر المستقبل، لا سيّما خريطة الأمم المتحدة لوضع الموارد المائية في العالم التي صنّفت المغرب في خانة الدول التي سوف تعاني تراجعاً كبيراً في الموارد المائية بحلول عام 2025، والتي أوضحت أنّ نصيب الفرد الواحد من المياه يجب أن يكون 1000 متر مكعّب سنوياً بينما نصيب المواطن المغربي هو 720 متراً مكعباً. من جهته، توقّع التقرير السنوي الثاني لمنتدى الحقّ في المياه بالمنطقة العربية، الصادر حديثاً، حصول أزمة مائية غير مسبوقة بالمغرب مستقبلاً، في حال "استمرار السياسة المائية الحالية نفسها"، منتقداً "هيمنة الخصخصة على تدبير توزيع المياه على السكان".
قبل ذلك بأسابيع قليلة، خرج سكان دوار أنفك في قرية أفورار بإقليم أزيلال (شمال) إلى الشارع للاحتجاج، في مسيرة على الدواب، على ما وصفوه بـ"أزمة العطش" التي يقاسون منها. وقد طالبوا المسؤولين المحليين بتوفير المياه لهم، بدلاً من البحث عنها عبر امتطاء الحمير والبغال والانتقال إلى مناطق بعيدة.
وكانت أزمة المياه العذبة قد ظهرت في قرى عدّة، في كلّ من وزان (شمال غرب) وتاونات (شمال) وفكيك (شرق) وصفرو (وسط)، وخصوصاً في زاكورة (جنوب شرق) في صيف عام 2017 عندما خرجت تظاهرات شعبية طالب في خلالها السكان بالمياه الصالحة للشرب، قبل أن يتحوّل بعض تلك التظاهرات إلى مواجهات مع قوات الأمن. وتُعَدّ تظاهرات زاكورة تلك إحدى أكبر الاحتجاجات التي عرفها المغرب بسبب عدم توفّر هذه المادة الحيوية، حتى أنّها سمّيت بـ"أزمة العطش". وقد أعادها محللون إلى أسباب رئيسية عدّة، منها استنزاف كبار المزارعين المياه الجوفية في المنطقة للحصول على مردود جيّد في زراعة البطيخ الأحمر، ومنها عوامل تتعلق بالتغيّرات المناخية، وكذلك بسوء تدبير المياه العذبة في تلك المناطق. وقد وصل صدى احتجاج المواطنين على حرمانهم من المياه العذبة إلى أعلى السلطات في البلاد، وقد تحدّث الملك محمد السادس بنفسه عن الموضوع في أحد خطاباته، فطالب الحكومة والمؤسسات المختصة باتخاذ تدابير عاجلة وإعلان التعبئة لمعالجة الحالات الطارئة المتعلقة بنقص تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب.
الحاج صالح، ربّ أسرة تقطن في ضواحي زاكورة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّهم يعانون في هذه المنطقة من "فقدان المياه العذبة التي لا تصل إلى صنابير المنازل"، مضيفاً أنّ "المعاناة تتضاعف في بعض الأحيان مثل فصل الصيف الذي تكثر في خلاله الحاجة إلى المياه سواء للشرب أو الاستحمام أو لغيرهما". ويلفت إلى أنّ "الأمر يتعلق برحلة عذاب حقيقية عندما يضطر السكان إلى اجتياز مسافات طويلة للوصول إلى مناطق أخرى لجلب المياه، مع ما يستوجبه ذلك من جهد ووقت. فقدان المياه الصالحة للشرب يعسّر الحياة بطريقة لا يمكن لمن لم يعانِ ذلك أن يشعر بها". ويتابع الحاج صالح أنّ "الحياة من دون مياه عذبة تكون شبه مستحيلة، فأفراد الأسرة قد يضطرون إلى الشرب من كأس واحدة، أو أنّهم ينقطعون عن الاستحمام، الأمر الذي يؤثّر سلباً على النظافة الشخصية".
أمّا ربيحة التي تقطن في ضواحي مدينة سلا (غرب) في مجموعة قروية لم تصلها بعد شبكة المياه العذبة، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تضطر مع أبنائها إلى قطع مسافة للحصول على المياه من "السقاية" في مجموعة قروية أخرى، مضيفة أنّ "الوقوف في انتظار دورنا لملء براميلنا أمر يثير الشفقة". ولا تخفي ربيحة أنّها تشاجرت "في أكثر من مرّة مع نساء أخريات بسبب الخلاف حول الأحقية في السقاية بسبب الازدحام ومن التي وصلت قبل الأخرى. والأمور قد تتطوّر أحياناً إلى حدّ التراشق بالبراميل، فتتدخّل القوات العمومية للتهدئة".
من جهته، يقول با محمد ركيع الذي يسكن في ضواحي منطقة شيشاوة (جنوب) لـ"العربي الجديد" إنّ "مياه الشرب لا تصل إلى السكان على مدى أيام، بسبب الانقطاعات المتتالية من المركز، ونحن نطالب المسؤولين المحليين بضرورة وضع حدّ لهذه الأزمة ومد شبكات إلى صنابير المنازل". يضيف أنّ "انقطاع المياه يحرج الأسر ويجعلها في ضيق، فترضى بحلول مؤقتة من قبيل التزوّد بمياه الصهاريج".
في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد" إنّ "المناطق التي تشتكي من فقدان مياه الشرب هي تلك التي تنتمي إلى ما يسمى المغرب غير النافع، أي تلك البعيدة جداً عن الإنماء الاقتصادي والاجتماعي والتي تعاني هشاشة تنموية وإقصاءً اجتماعياً". تضيف أنّ "عدم حصول السكان على أحد حقوقهم الدستورية والحيوية، من قبيل مياه الشرب، أمر لا يمكن تقبّله في القرن الواحد والعشرين. ومعاناة عدد من سكان المناطق النائية والقروية مع المياه تعود في الأساس إلى كبار الفلاحين الذين يستنزفون المياه لريّ زرعهم بينما يقاسي الفقراء العطش".
وفي حين علت أصوات الناشطين والخبراء والمهتمين مطالبة بضرورة إيجاد الدولة حلولاً لأزمة المياه، تستند الحكومة إلى مخطط استراتيجي يمتدّ إلى عام 2030 لمواجهة مخاطر شحّ المياه. وعلى الرغم من طموح الحكومة لمواجهة أزمة مياه الشرب، فإنّ تقارير دولية تحذّر من مخاطر المستقبل، لا سيّما خريطة الأمم المتحدة لوضع الموارد المائية في العالم التي صنّفت المغرب في خانة الدول التي سوف تعاني تراجعاً كبيراً في الموارد المائية بحلول عام 2025، والتي أوضحت أنّ نصيب الفرد الواحد من المياه يجب أن يكون 1000 متر مكعّب سنوياً بينما نصيب المواطن المغربي هو 720 متراً مكعباً. من جهته، توقّع التقرير السنوي الثاني لمنتدى الحقّ في المياه بالمنطقة العربية، الصادر حديثاً، حصول أزمة مائية غير مسبوقة بالمغرب مستقبلاً، في حال "استمرار السياسة المائية الحالية نفسها"، منتقداً "هيمنة الخصخصة على تدبير توزيع المياه على السكان".