05 نوفمبر 2024
تخيّل.. السعودية علمانية
بالتأكيد، يصعب تخيّل ذلك، يصعب أن ترى المملكة السعودية التي قامت على تحالف الدين والنظام الملكي وقد نزعت عنها شرعية الكتاب والسنة والتحفت العلمانية. يصعب أن تتخيل أن المملكة التي تضم مكة المكرمة والمدينة المنورة، أقدس المدن عند زهاء مليار ونصف مليار مسلم، وقد صارت تحكم بقوانين وضعية، تستند إلى قوانين فرنسا أو بريطانيا أو أميركا، وتترك التعزيز والحد والقصاص، تلك القوانين الشرعية التي تحكم السعودية اليوم.
يقول سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، في مقابلة مع قناة أميركية، إن سر الخلاف مع قطر "أننا نريد أن نرى دول المنطقة تحكمها حكومات علمانية، وأن قطر تسعى إلى خلاف ذلك". أعقب هذا التصريح المثير مقال نشره المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني، في صحيفة الرياض، وتحدث عن حاجة الدولة السعودية إلى "شرعية أيديولوجية غير تلك التي كانت أحياناً سبباً للضعف وتكالب الأعداء والتفتت والتفكك في نهاية المطاف"، في إشارة واضحة إلى المذهب السلفي وخط الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي تتبناه السعودية مذهبا ومنهجا للبلاد.
أعقبت هذا وذاك مقالة لجمال خاشقجي في صحيفة الحياة، عنوانها "دكان العلمانية"، حاول فيها أن يرقّع، ما أمكنه، للعتيبة والقحطاني، ما فسّر لكثيرين سبب سماح السلطات السعودية له بالعودة إلى الكتابة والتغريد في غضون الأزمة الخليجية الحالية.
ويبدو أن ما كتبه القحطاني، وما قاله العتيبة، عن العلمانية تركا أثرهما في وسط النخب السعودية، وخصوصا في صفوف التيار السلفي المحافظ، المعروف بقوته وسطوته داخل المجتمع السعودي، فكان لا بد من حملة ترقيع وتخفيف من وطأة هذا الطرق العنيف وشدته، وقد قرع آذان المجتمع السعودي، على الرغم من إشغاله بحصار قطر وتخويفه من بعبع إيران.
منذ اليوم الأول لأزمة حصار قطر، والسؤال الذي كان يلح على كل المتابعين: لماذا؟ ما الذي جرى حتى تتحول قطر، بين ليلة وضحاها، إلى عدو للسعودية، وتُحاصر ويقطع منفذها البري مع العالم؟ كيف تتحوّل قطر التي وقفت بقوة وراء السعودية، خصوصا في عهد الملك سلمان، إرهابية، وهي التي كانت قواتها على الحد الجنوبي السعودي تدافع عن حياض المملكة، بلا منّةٍ ولا فضل.
ليست الأحداث الظاهرة بالضرورة هي الحقائق، وخصوصا في مجال السياسة، فغالبا ما كانت تلك الأحداث تخفي وراءها أمورا أكبر وأخطر مما يظهر على السطح. وبالتالي، يتكشّف حصار قطر، شيئا فشيئا، عن حقائق مرعبة يُراد لها أن تحكم المنطقة.
المؤكّد أن إمارة أبو ظبي تسعى إلى أن تتفرد بقيادة الشرق الأوسط، وأن ترسمه بما يلائمها، وأيضا بما يلائم الولايات المتحدة الأميركية من خلفها، والتي باتت ترى، بحسب دراسات عديدة لمراكز بحثية متخصصة فيها، أن أساس التطرّف في العالم نابع من العقيدة السلفية، وهو المنهج الذي تتبناه المملكة السعودية. ومن هنا بات لزاما أن تغير السعودية أيدولوجيتها الدينية، وهو ما صرح به نواب أميركيون عديدون.
بالتأكيد إن تغييرا كهذا ينقض الركيزة الثانية التي قامت عليها المملكة السعودية، واستمد حكام آل سعود منها شرعيتهم عقودا. وبالتالي، فإن الدخول إلى هذا المربع هو دخول في حقل ألغام لا يأمن جانبه، ولكن بات لزاما أن تدخله السعودية في عهد محمد بن سلمان، والذي بدأ يمهد له ويهيئ له، عبر مشاريع كمشروع البحر الأحمر، وحصار قطر الذي يبدو، بصدده، أن المطلوب ليس قطر، ولا ال 13 مطلبا التي أعدّتها دول الحصار، قبل أن تلغيها ومن ثم تعيدها، وإنما المطلوب هو الداخل السعودي تحديدا، أي كل صوتٍ معارض، يمكن أن يرفض هذا الحصار المشين. ولعل القائمة السوداء التي توعد بها القحطاني خصوم حصار قطر تعني، بالدرجة الأولى، السعوديين المعارضين لهذا الحصار، وبالتحديد النخب التي ارتأت أن تحتجب عن الظهور، لأنها لا تريد أن تتورّط بهذه العبثية. ومن هنا، فإن تحييد هؤلاء مبكرا سيسهل عملية التغلغل داخل المجتمع بأفكار العلمانية التي يُراد للسعودية أن تدخل حقلها.
لم يكن يوسف العتيبة يشير، في حديثه، إلى مصر أو ليبيا أو سورية، أو حتى اليمن، وإنما كان، في حديثه عن العلمانية، يقصد السعودية. ولأنه يدرك حجم التحدّي، كان لا بد من التواري خلف أسماء دول أخرى، لن تكون ذات يوم إسلامية التوجه، حتى لو حكمها أعتى رجالات الإسلام السياسي، كون العلمانية متغلغلة فيها جدا، تماما كتركيا التي لم تغادر علمانيتها، على الرغم من خمسة عشر عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي.
لقد اتكأ آل سعود عقودا من حكمهم إلى الدين والمذهب الوهابي، إلى التحالف مع الدعاة وعلماء الدين لأخذ الشرعية منهم، لأخذ بيعة الناس. وبالتالي، قد يفتح اللعب في هذه المنطقة الحسّاسة عش الدبابير، فالمجتمع الذي بايع آل سعود على السمع والطاعة إنما بايعهم استنادا إلى أحكام إسلامية، فأي شرعيةٍ ستبقى لهم إن تحللوا من تعاليم الإسلام؟
يقول سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، في مقابلة مع قناة أميركية، إن سر الخلاف مع قطر "أننا نريد أن نرى دول المنطقة تحكمها حكومات علمانية، وأن قطر تسعى إلى خلاف ذلك". أعقب هذا التصريح المثير مقال نشره المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني، في صحيفة الرياض، وتحدث عن حاجة الدولة السعودية إلى "شرعية أيديولوجية غير تلك التي كانت أحياناً سبباً للضعف وتكالب الأعداء والتفتت والتفكك في نهاية المطاف"، في إشارة واضحة إلى المذهب السلفي وخط الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي تتبناه السعودية مذهبا ومنهجا للبلاد.
أعقبت هذا وذاك مقالة لجمال خاشقجي في صحيفة الحياة، عنوانها "دكان العلمانية"، حاول فيها أن يرقّع، ما أمكنه، للعتيبة والقحطاني، ما فسّر لكثيرين سبب سماح السلطات السعودية له بالعودة إلى الكتابة والتغريد في غضون الأزمة الخليجية الحالية.
ويبدو أن ما كتبه القحطاني، وما قاله العتيبة، عن العلمانية تركا أثرهما في وسط النخب السعودية، وخصوصا في صفوف التيار السلفي المحافظ، المعروف بقوته وسطوته داخل المجتمع السعودي، فكان لا بد من حملة ترقيع وتخفيف من وطأة هذا الطرق العنيف وشدته، وقد قرع آذان المجتمع السعودي، على الرغم من إشغاله بحصار قطر وتخويفه من بعبع إيران.
منذ اليوم الأول لأزمة حصار قطر، والسؤال الذي كان يلح على كل المتابعين: لماذا؟ ما الذي جرى حتى تتحول قطر، بين ليلة وضحاها، إلى عدو للسعودية، وتُحاصر ويقطع منفذها البري مع العالم؟ كيف تتحوّل قطر التي وقفت بقوة وراء السعودية، خصوصا في عهد الملك سلمان، إرهابية، وهي التي كانت قواتها على الحد الجنوبي السعودي تدافع عن حياض المملكة، بلا منّةٍ ولا فضل.
ليست الأحداث الظاهرة بالضرورة هي الحقائق، وخصوصا في مجال السياسة، فغالبا ما كانت تلك الأحداث تخفي وراءها أمورا أكبر وأخطر مما يظهر على السطح. وبالتالي، يتكشّف حصار قطر، شيئا فشيئا، عن حقائق مرعبة يُراد لها أن تحكم المنطقة.
المؤكّد أن إمارة أبو ظبي تسعى إلى أن تتفرد بقيادة الشرق الأوسط، وأن ترسمه بما يلائمها، وأيضا بما يلائم الولايات المتحدة الأميركية من خلفها، والتي باتت ترى، بحسب دراسات عديدة لمراكز بحثية متخصصة فيها، أن أساس التطرّف في العالم نابع من العقيدة السلفية، وهو المنهج الذي تتبناه المملكة السعودية. ومن هنا بات لزاما أن تغير السعودية أيدولوجيتها الدينية، وهو ما صرح به نواب أميركيون عديدون.
بالتأكيد إن تغييرا كهذا ينقض الركيزة الثانية التي قامت عليها المملكة السعودية، واستمد حكام آل سعود منها شرعيتهم عقودا. وبالتالي، فإن الدخول إلى هذا المربع هو دخول في حقل ألغام لا يأمن جانبه، ولكن بات لزاما أن تدخله السعودية في عهد محمد بن سلمان، والذي بدأ يمهد له ويهيئ له، عبر مشاريع كمشروع البحر الأحمر، وحصار قطر الذي يبدو، بصدده، أن المطلوب ليس قطر، ولا ال 13 مطلبا التي أعدّتها دول الحصار، قبل أن تلغيها ومن ثم تعيدها، وإنما المطلوب هو الداخل السعودي تحديدا، أي كل صوتٍ معارض، يمكن أن يرفض هذا الحصار المشين. ولعل القائمة السوداء التي توعد بها القحطاني خصوم حصار قطر تعني، بالدرجة الأولى، السعوديين المعارضين لهذا الحصار، وبالتحديد النخب التي ارتأت أن تحتجب عن الظهور، لأنها لا تريد أن تتورّط بهذه العبثية. ومن هنا، فإن تحييد هؤلاء مبكرا سيسهل عملية التغلغل داخل المجتمع بأفكار العلمانية التي يُراد للسعودية أن تدخل حقلها.
لم يكن يوسف العتيبة يشير، في حديثه، إلى مصر أو ليبيا أو سورية، أو حتى اليمن، وإنما كان، في حديثه عن العلمانية، يقصد السعودية. ولأنه يدرك حجم التحدّي، كان لا بد من التواري خلف أسماء دول أخرى، لن تكون ذات يوم إسلامية التوجه، حتى لو حكمها أعتى رجالات الإسلام السياسي، كون العلمانية متغلغلة فيها جدا، تماما كتركيا التي لم تغادر علمانيتها، على الرغم من خمسة عشر عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي.
لقد اتكأ آل سعود عقودا من حكمهم إلى الدين والمذهب الوهابي، إلى التحالف مع الدعاة وعلماء الدين لأخذ الشرعية منهم، لأخذ بيعة الناس. وبالتالي، قد يفتح اللعب في هذه المنطقة الحسّاسة عش الدبابير، فالمجتمع الذي بايع آل سعود على السمع والطاعة إنما بايعهم استنادا إلى أحكام إسلامية، فأي شرعيةٍ ستبقى لهم إن تحللوا من تعاليم الإسلام؟