لا يستطيع أحد أن يفسر جرأة النظام المصري وتسرّعه في التوقيع على اتفاق مبادئ بشأن سد النهضة مع إثيوبيا، خاصة أن حق مصر في مياه النيل ثابت، لا يحتاج لتوقيع اتفاقيات إضافية، ومستقر عبر التاريخ، وبذلك تستطيع إثيوبيا استقبال التمويل الأجنبي وإنجاز السد الكارثي.
وغني عن الإحاطة أن مياه النيل تروي ثمانية ملايين فدان في مصر وتطعم وتسقي 90 مليون مصري، وتستخدم كذلك في الصناعة والملاحة الداخلية التجارية منها والسياحية، إلى جانب استخدامها في توليد الطاقة الكهربائية، وليس لمصر مصدر للمياه غيره.
ولا يستطيع أحد من الخبراء أن يقدر حجم الخسائر التي ستلحق بدول المصب، خاصة مصر، في ضوء غياب تفاصيل الاتفاقية حتى على أعضاء الوفد المصري الذين أقرّوا جهلهم بتفاصيل الاتفاقية، ما يذكرنا باتفاقية كامب ديفيد التي عقدها السادات مع إسرائيل، والتي لم تتضح أسرارها كاملةً حتى الآن.
غير أننا نستطيع أن نتنبأ ببعض هذه الخسائر في ضوء ما صرح به عبد الفتاح السيسي نفسه في مدينة الإسماعيلية في 10 أغسطس/آب 2014، عندما توقع نقص عشرة مليارات من أمتار المياه المكعبة في اتفاق صرح بأنه سيوقع عليه مع أشقائنا الإثيوبيين واقترح مشروع تطوير ري حقلي في الدلتا بتكلفة ألفي جنيه على كل فدان.
إذاً سوف تخسر الزراعة المصرية 2 مليون فدان بمجرد البدء في ملء خزان سد النهضة، علماً أن قطاع الزراعة يعمل فيه 16 مليون مزارع، أي ثمانية مزارعين لكل فدان، يعيلون 40 مليون مواطن؛ متوسط الأسرة المصرية أربعة أفراد.
ونتوقع استمرار هذه المعاناة سبع سنوات؛ متوسط المدة التي افترضها السيسي لملء الخزان بمعرفة إثيوبيا.
وسوف يتحمل المزارع ألفي جنيه من دون فوائدها على ثلاث سنوات مقابل تطوير الري الحقلي الذي ليس له أي ذنب في تحميله إياها، لكن لا يوجد من يدافع عنه أمام هذا الظلم، مع تماهي نقابة الفلاحين مع النظام، بعيداً عن مصالح المزارعين.
هذا بجانب ضغط مياه البحر المتوسط على خزان الماء الجوفي في شمال الدلتا، ما يسبب تدهور الأراضي الزراعية بإقرار آخر وزراء الري في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فينخفض الإنتاج الزراعي بمقدار 25%.
زد على ذلك خفض طاقة توليد كهرباء السد العالي بنسبة 20%، ويحذر وزير الكهرباء من شراء هذا العجز من كهرباء سد النهضة المزمع.
كما أن هذا النقص سوف يعدم ثمانية مليارات صرف زراعي من مصارف الوجه القبلي والبحري، كان يعاد استخدامها في ري أراضي شمال الدلتا، مع تدهور مآخذ مياه الشرب، ومياه البحيرات الشمالية والترع الصغيرة، نتيجة انخفاض معدل سريان المياه، فتتدهور الثروة السمكية التي تعاني مصر نقصاً فيها قدره 20%.
ولا تسأل كيف سيستصلح النظام أربعة ملايين فدان جديدة أعلن عنها العام الماضي، ولا كيف سيعالج عجزاً في إنتاج القمح قدره 60%، والذرة 50% وزيوت الطعام 92%، وفجوة غذائية 55%، مع وجود عجز مائي قدره 20 مليار متر مكعب الآن؟!
ولا تتعجب من خروج وزير الري المصري الحالي بتصريح يحذر فيه من تجاوز مساحة الأرز عن 1.075 مليون فدان، وهو المحصول الاستراتيجي الوحيد الناجح في مصر الآن والذي يحقق قدراً من الأمن الغذائي لا يوفره محصول آخر، مقابل مليوني فدان العام الماضي، وبذلك يتم تجريد الدولة من هذا المحصول في مواجهة أي أزمة غذائية متوقعة.
اقرأ أيضاً:
وثيقة مبادئ لحل خلافات سد النهضة الأثيوبي