ترهُّل "المحافظين" البريطاني: فضائح وانشقاقات وانغلاق لمصلحة "أعداء" أوروبا

02 أكتوبر 2014
"المحافظين" وكاميرون أمام تحديات صعبة (بيترماكدارميد/Getty)
+ الخط -

"بداية غير مثالية عشية انعقاد المؤتمر السنوي للحزب"، بهذه الكلمات وصف ديفيد كاميرون، زعيم حزب "المحافظين" البريطاني انشقاق نائب برلماني من كتلة الحزب، واستقالة نائب آخر على وقع فضيحة أخلاقية، قبيل انعقاد المؤتمر السنوي للحزب قبل الانتخابات العامة القادمة في مايو/ أيار من العام 2015.

استقالة النائب بروكس نيومارك بعد فضيحة أخلاقية، وانشقاق النائب دوغلاس كارسويل وانضمامه لحزب "الاستقلال" اليميني، لم تكن أول الضربات التي لحقت بحزب "المحافظين" ولن تكون آخرها، ما لم يراجع الحزب أوضاعه الداخلية وسياساته العامة. بل إن اللورد مايكل أشكروفت، أمين عام مالية الحزب السابق قال إن "الحزب سيخسر الانتخابات المقبلة ما لم يغير سياساته، لان استراتيجية الحزب الحالية غير صالحة".

آخرون شرعوا في طرح السؤال عن مستقبل الحزب في ظل تألق نجم حزب الاستقلال اليميني، نيجيل فاراج، الحزب الأحدث تأسيسا في بريطانيا، وعدم حسم المحافظين لموقفهم حول العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.

على المستوى التنظيمي الداخلي، لا شك أن الحزب الذي تأسس في عام 1907 وصل الى عمر متقدم يحتاج معه الى إعادة ترميم وإصلاح، تعيد له بعض الوهج الذي عاش أقصاه في عهد الزعيمة الراحلة مارغريت تاتشر، كما أن الحزب عانى خلال السنوات الأخيرة من غياب القيادة الكاريزمية التي تليق بمكانته وتاريخه.


يضاف إلى ذلك، أن كاميرون فشل في إدارة الحزب، بل أن إدارته اتسمت بالتراخي" وهو ما جعل الحزب الذي كان يوصف بأنه أقوى الأحزاب الأوروبية في القرن الماضي، بما امتاز به من فضيلتي الولاء والانضباط، "يفتقر للرؤية السياسية والانضباط الحزبي الداخلي حسب صحيفة "الغارديان".

الأمر الآخر يتعلق بابتعاد الحزب عن قواعده الشابة وتراجع شعبيته، وانغلاقه على النخب المجتمعية وانفصاله عن الأقليات الاثنية، مقارنة بما كان عليه الحال إبان الانتخابات العامة في عام 2010. وحسب صحيفة "الغارديان فإن "واحداً من بين كل أربعة اشخاص صوّتوا للمحافظين في الانتخابات العامة السابقة في عام 2010، لن يصوّتوا لصالحه في الانتخابات المقبلة في عام 2015".

ويرى أحد أركان الحرس القديم في "المحافظين"، مايكل هسلتاين، أن "الحزب بات يتحدث كثيراً لنفسه، وقلما يتحدث للناخبين"، وهو ما أشارت إليه افتتاحية صحيفة "التايمز" يوم الاثنين الماضي، بالقول إن "الحزب يتحدث كثيراً عن قضايا تهم الحزب أكثر من تلك التي تهم الناخبين".

أما على مستوى السياسات العامة للحزب، فيشكل انقسام المحافظين حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي التحدي الأكبر الذي يواجه كاميرون، وحزب "المحافظين" ككل. ففي الوقت الذي يتبنى فيه ديفيد كاميرون، موقفاً وسطياً، يتلخص في إصراره على "إعادة التفاوض" مع الاتحاد الأوروبي لمراجعة سياسات الاتحاد في مجالي الحدود والهجرة، واستعداده لعرض مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه على الاستفتاء الشعبي في اعام 2017 في حال فاز الحزب في الانتخابات العامة المقبلة وفشلت المفاوضات مع الاتحاد، إلا أن صقور الحزب المناهضين للاتحاد الأوروبي يطالبون كاميرون بموقف أكثر وضوحاً لجهة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وإستعادة السيادة البريطانية التي باتت منقوصة لصالح بروكسل، على حد تعبيرهم. بل ويرى المنشقون عن الحزب الذين التحقوا بحزب "الاستقلال" ان كاميرون خذلهم لأنه عاجز عن اتخاذ موقف جريء وحاسم من الاتحاد الاوروبي.

أما المناصرون للاتحاد الأوروبي فيحذرون كاميرون من مخاطر "الاستفتاء" وما قد يخلفه من حالة عدم استقرار، داعين الى التمسك بخيار "إعادة المفاوضات" مع الاتحاد بدلاً من الخروج منه نهائياً.
أما التحدي الآخر فيتمثل بصعود نجم حزب "الاستقلال" الذي ينافس حزب "المحافظين" في مسألتي عضوية الاتحاد الأوروبي والهجرة. ويرى المراقبون أن "الحزب يعتبر تهديداً حقيقياً لكاميرون وحزبه، خصوصاً بعد انشقاق عدد من نواب المحافظين وأعضاءه من القيادات والقواعد والتحاقهم بحزب الاستقلال، ونجاح الحزب الصاعد في استمالة مؤيدين وداعمين ماليين تقليديين لحزب المحافظين، ما يعني في نهاية المطاف إضعافاً للرصيد الانتخابي للمحافظين في الانتخابات العامة المقبلة.
وقبل ثمانية أشهر من استحقاق الانتخابات العامة في مايو/أيار المقبل، يجد حزب "المحافظين" نفسه مدفوعاً الى معالجة كل القضايا الداخلية والسياسية التي من شأنها إما أن تعيده الى السلطة، أو أن تخرجه منها. على المستويين الداخلي والتنظيمي ترى الأوساط السياسية والإعلامية أن  كاميرون مطالب بإجراءات عاجلة لاستعادة مكانة الحزب، من قبيل الانفتاح على القواعد الحزبية وحشدها الى جانبه، فضلاً عن الانفتاح أكثر على الأقليات الاثنية (الآسيوية، الأفريقية والمسلمة) والاهتمام بمطالبها ومعالجة مشاكلها وتبني سياسات تراعي هواجس وطموحات هذه الأقليات، وتغيير صورة الحزب، من حزب تقليدي عجوز الى حزب شاب عصري منفتح ومتنوع.

أما على مستوى السياسات العامة، فقد حذر الكثيرون في الأوساط الحزبية والاوساط الإعلامية المراقبة من مخاطر اتجاه الحزب الى اليمين من أجل وقف "الانشقاقات" أو كسب أصوات "اليمين" المناهض للاتحاد الأوروبي. وحذر المعتدلون في الحزب أمثال نايجل موريس أن الاتجاه نحو اليمين لمواجهة تحديات حزب "الاستقلال" اليميني سيكون كارثة تحول الحزب الى نسخة مخففة من حزب "الاستقلال".

بل وذهب البعض الى تحذير كاميرون من أن الاتجاه الى اليمين لمنافسة سياسات حزب "الاستقلال" سيقوّي هذا الأخير وسيضعف حزب "المحافظين". وذكرت صحيفة "الاندبندت" في افتتاحيتها يوم الاثنين، أنه "إذا كانت ردة فعل ديفيد كاميرون على انشقاق نائبين والتحاقهما بحزب الاستقلال، ستكون بالاتجاه نحو اليمين، وإذا أعتقد كاميرون أن العقلية المناهضة لأوروبا هي الطريق الأفضل للبقاء في السلطة فهذا خطأ سيؤدي الى خسارة مؤكدة للانتخابات المقبلة".

 

المساهمون